رأي

عادل العوفي: شادي زيدان الذي رحل في “زقاق الجن”!

رحلة قصيرة لمبدع حقيقي

عادل العوفي★

مفارقة مؤلمة أن يعمل المرء بكد وجد طوال مشواره، كي يبدأ مواسم الحصاد المنتظر، والانتقال لمرحلة أخرى تنصف موهبته، وتؤكد أن لكل مجتهد نصيب؛ ولكن تشاء الأقدار أن تكون تلك البداية الموعودة، هي مسك الختام، وآخر نقطة في ذلك المشوار، وهذا ما حدث حقاً مع الفنان السوري (شادي زيدان)، الذي غادرنا قبل أن يجني، ويقطف ثمار مجهوده المميز في دور ” نذير / أبو تيسير ” في المسلسل الشامي ” زقاق الجن “.

مشهد من مسلسل زقاق الجن

ربما لو كان ممثل آخر، هو من جسد الدور، لكان تصرف المتلقي معه مختلفاً، حيث استفزه ضعف الشخصية، وعجزها أمام جبروت والده، الذي برع في تأديته الفنان القدير (أيمن زيدان)؛ غير أن ملامح (شادي) وطيبته الحقيقية، امتزجت مع مفردات الدور، لتتحول النقمة المنطقية إلى نعمة، وتعاطف وحب، لأخلاق “أبو تيسير” الرافض لعصيان أوامر الأب، حتى في أقسى تجلياتها، مردداً اللزمة الدائمة عن “غضب الأب من غضب الرب”.

كُتب لشادي زيدان أن يبدع، ويتألق في آخر أدواره، ويصحح بالتالي الكثير من المغالطات، لدى بعض المخرجين، وصناع الدراما، بأنه كان يستحق مساحات أوسع، وفرص أكبر، كي يتعرفوا على إمكانياته الحقيقية؛ رغم أن المدقق لمساره منذ أولى إطلالاته، في دور “ضرغام الشاب”، في مسلسل ” أيام الغضب ” وأدوار أخرى، مثل “محروس” في عائلة 6 نجوم، و”عفيف ” في عائلة 7 نجوم، و”الضابط فوزي” في مسلسل “بيت جدي /الشام العدية ” و ” أبو سليم” في مسلسل “رجال العز”؛ بالإضافة إلى أدواره في مسلسلات “هولاكو”، و”حنين”، و”زمن البرغوث”، و “طيور الشوك”، و “الفرسان الثلاثة”، وغيرها الكثير، دون إغفال عمله كمساعد مخرج في مسلسل “عائد إلى حيفا”، وأيضاً تجربته في مسلسل الرسوم المتحركة “مغامرات البابا لوز”، كمشرف منفذ؛ وكلها مشاركات مهمة، لكن ما كشفه المخرج تامر إسحاق، من خلال إسناد دور “نذير” بهذا الكم من التناقضات، والمشاعر جعلنا نتحسر أكثر على عدم استثمار ما يزخر به شادي، من طاقة وحس إبداعي عالٍ، كان سيضعه في المكانة التي يستحقها بين أبناء جيله.

ولعل نموذج شادي زيدان درس بليغ لصناع الدراما، بالتحلي بروح المغامرة، والخروج عن المألوف، والصورة النمطية في النظر للممثلين، وتقزيم ملكاتهم في إطارات معينة مملة بعيدة، عديمة الإبداع، وأيضاً، إلغاء منطق التصنيفات المبنية على أحكام طاعنة في التخلف، أكل عليها الدهر وشرب.

نختم هذه المادة التي ظلت تشغلنا، منذ انتهاء السباق الرمضاني بما له وما عليه؛ وكان من الضروري أن نوثق هذه الحالة الإبداعية، والإنسانية التي جسدها ابن قرية “الرحيبة” رحمه الله، سليل العائلة الفنية المميزة، التي يقودها المبدع الكبير أيمن زيدان.

ـــــــــــــــــــــــــــ

★ كاتب وصحفي ــ المغــرب

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى