محمد القلاف: ماذا بعد إغلاق المسارح في الكويت؟!

محمد علي القلاف★
أوائل بذرة المسرح الكويتي، كانت في عهد المؤرخ الشيخ عبد العزيز الرشيد عام 1924، عندما كتب مسرحيته (محاورة إصلاحية)، ثم أصبحت في عام 1936 عبر مسرحيات مستمدة من التاريخ الإسلامي، وفي المدارس على أيدي الكبيرَين، محمد محمود نجم، وحمد الرجيب، رحمهما الله، ثم في عام 1957 استمرت بجهود محمد النشمي، وعبد الله خريبط، وخرَّجا كُتاباً عظاماً، ومسرحيات لها قيمة، ومفيدة في طرحها، وتعالج الأمور المجتمعية، قبل أن يضع زكي طليمات، الأساسات الأكاديمية، التي أنتجت ظهور المواهب.
ومنها أصبحت الدولة ترعى الفرق المسرحية مثل (المسرح الكويتي، والمسرح العربي، والمسرح الشعبي، ومسرح الخليج العربي)، والمسارح التي بنتها مثل (مسرح الدسمة الذي تأسس عام 1950، ومسرح الشامية 1962، ومسرح كيفان 1963، ومسرح عبد الحسين عبد الرضا 2015، الذي افتتح في بداية 2016) وتقدم لهم الدعم والتشجيع، لإقامة مسرحياتهم، بتأجير هذه المسارح، وإقامة المهرجانات الرسمية عليها كمهرجان الكويت المسرحي، ومهرجان أيام المسرح للشباب، وكذلك مهرجانات أخرى، لكنها لم تستمر.
تفاجأت هذه السنة 2023 بأن هذه المسارح الأربعة قد توقفت ويوجد (تعميم) يمنع إقامة العروض عليها (تأجيرها) بسبب عدم توفر اشتراطات الأمن والسلامة والوقاية من الحريق، بناء على تقرير الإدارة العامة للإطفاء، كما وضح الزميل الصحفي أ. مفرح الشمري في مقال له، وهذا الإغلاق والحذر أتى مع تداعيات الحريق في سوق المباركية التراثي، وهو أهم مَعْلَم من معالم التراث في البلاد، لعدم توفر الأمن والسلامة، والذي سبب حريقاً، وخسائر كبيرة، وضياع آخر ما تبقى من الآثار القديمة، ولا أريد الإسهاب فيها، كونها ترجع لمتخصصي الآثار.
من هنا قامت الفرق المسرحية بتأجير الأندية الرياضية، والمسارح في جمعيات النفع العام، منها الطبية، لتقيم مسرحياتها عليها، وهذا أمر محزن أن هذا البلد، الذي كان سباقاً بالفن قبل جيرانه، يصبح حاله هكذا، دون إيجاد حلول لهذه المشكلة، والأمر الآخر هو عدم سماع أصوات المتخصصين، والمهتمين في المسرح، أو المناشدات لإيجاد حلول، أو طرائق لإنقاذ هذه المسارح، بل يفترض أن تكون هناك حالة من الاستنفار عند المسؤولين، والمعنيين بأن يجدوا خطة متكاملة من إعادة بنائها، أو ترميمها مع المحافظة على هويتها، بالتنسيق مع إدارة المطافئ والأشغال والمالية، ليتم إعادة إحيائها من جديد، بعد توفر الأمن والسلامة، ومع فارق التشبيه والظروف، لكننا نستفيد من التجربة في عشقهم وحبهم للمسرح، نجد في فترة الوباء (كورونا) ما حدث في بريطانيا حيث يتبين لنا الحرص الشديد على مسارحهم، وحرصهم على عدم الإغلاق، وهذه نماذج:
مسرح غرينتش
Greenwich theatre
أحد المسارح التي قامت منظمة الفنون في إنجلترا بالتبرع لها لمنعها من الاغلاق.
وهناك عدة مسارح لم تكن مهددة بالإغلاق، لكن أصابها الركود المسرحي، فكان يطرح فيها خيارات التبرع، والدعم المادي من المجتمع، لإحياء النشاطات المسرحية، ومنعها من الركود خلال الجائحة …فمثلاً المسرح الوطني في لندن، كان يعرض خلال الجائحة عروضاً من إنتاجه المسرحي على قنواته الخاصة، مع فتح باب التبرعات، والدعم من قبل الجمهور.
وهناك مسارح تعرض في مواقعها باب التبرعات، من أجل الدعم المسرحي من قبل المجتمع منها:
Old vic theatre
Soho theatre
Young vic theatre
Shakespeare’s globe
Roundhouse theatre
هناك إضافة أخرى… قامت الحكومة البريطانية بالدعم المادي للمسارح أثناء الجائحة، لبعض المسارح الكبرى من أجل تفعيل النشاط المسرحي، ودعم الموظفين فيها …طبعاً أتى هذا الدعم لفترة مؤقتة …فتقوم المسارح بجمع التبرعات من الجمهور من وقت لآخر.
بل وهناك فنان مسرحي معروف جداً بعروضه المسرحية العريقة يدعىIan McKellen
قام بالتبرع بأربعين ألف جنية استرليني للموظفين العاملين في المسارح، والذين لا يجدون الدعم المباشر، والكافي من الجهات الرسمية..
أعتقد أن الحل ليس صعباً، وهناك أكيد من العقول، التي تستطيع إنقاذ ما يمكن إنقاذه لهذه المسارح التراثية، ولا سمح الله أن تتكرر حادثة المباركية، فنندم، وتصبح هذه الأماكن مهجورة، وأحد الحلول هو تسليم هذه المسارح للفرق المسرحية، لنهضتها، وإقامة شراكة مع القطاع الخاص لترميمها.
★ ناقد ــ الكويــت