أسماء طارق: هل ربح أحمد أمين الصفارة؟!

أسماء طارق★
قد يكون انتظارنا وتشوقنا لعمل فني ما، خاصة في دراما رمضان، نابعاً من عدة أسباب منها: الدعاية الترويجية للعمل الفني، فيتكون لدينا انطباع أننا سنشاهد عملاً مختلفاً عن كل عام، أو بسبب حب ممثل ما معروف بتنوع الأدوار، أو لديه قبول حسن لدى جمهوره، بغض النظر عن مدى نجاح، أو فشل العمل، أو بناءً على أعمال تم تقديمها في المواسم السابقة، لنفس فريق العمل، ولاقت نجاحاً وقبولاً لدى الجمهور، ويمكن أن تجتمع جميع الأسباب، فمنذ بداية عرض مسلسلات رمضان لعام 2023، والتي تتميز بعضها بالخمس عشرة حلقة فقط، كان من ضمن القائمة مسلسل “الصفارة” للممثل أحمد أمين، هذا الممثل الذي تمكن من بناء منزلة مميزة له عند الجمهور، نظراً لِاختياراته المختلفة في الأدوار، والأعمال نفسها، وقدرته التمثيلية، خاصة بعد دوره في مسلسلي “ما وراء الطبيعة” و”جزيرة غمام”، وبالتالي هناك العديد في انتظار مشاهدة “الصفارة”
بدأت التعليقات تنهال على العمل بشكل إيجابي، فبوستر المسلسل الفانتازي، كان له عامل كبير أيضاً في جذب الجمهور، هذا العمل الفني يضم مجموعة متميزة من الممثلين، وهم الشاب طه دسوقي، وآية سماحة، وحاتم صلاح، والفنانة إنعام سالوسة، والفنان محمود البزاوي، غناء التتر أحمد أمين وهشام عباس، إخراج علاء إسماعيل.
سر الصفارة؟
تدور أحداث المسلسل حول شخصية شفيق، الذي يعمل في شركة سياحة، ويطمح منذ الصغر في تكوين ثروة ونجاح كبير، بالإضافة إلى محاولته الزواج من زميلته شيرين المولع بحبها، فيقرر إنشاء مشروع مميز خاص به، ومن خلال تتابع الأحداث نتعرف على أسرة شفيق التي تتكون من أخ أصغر يسمى وجيه، وأمه، بينما والده متوفٍ، حيث يعرض شفيق مشروعه على أخيه، ويبدي وجيه إعجابه الشديد به، وحين يعرض شفيق مشروعه على صاحب الشركة، تواجهه عقبة كبيرة، وهي وجود غريمه في العمل، وهو علاء الذي يريد أن يستحوذ على مكانة شفيق، ويحصل على شيرين أيضاً، وبالفعل يقوم علاء بخداع شفيق في يوم الحفلة، التي سيقدم فيها مشروعه، ويتقدم للزواج من شيرين، فيقوم علاء بنسب المشروع له، ونتيجة هذا الحدث المروع لشفيق، الذي عاش في حالة اكتئاب يقوم بسرقة صفارة أثرية، تنتمي للملك توت عنخ آمون بعد أن عرف أنها صفارة سحرية، تمكنه من الرجوع للزمن لتغيير اللحظة، أو الحدث الذي يرغب في تغييره، أو بمعنى أدق تغيير قدره، ويستغلها شفيق كي يغير من تفاصيل الحفلة، ويستعيد مشروعه وشيرين، من هنا تبدأ مغامرات شفيق مع الصفارة، وينتقل لشخصيات كثيرة بأقدار مختلفة تبتعد عن أصل شخصيته، إلى أن يفشل في النهاية، ويترك زمن الحفلة يسير كما حدث في الماضي، كي يستطيع العودة مرة أخرى لشخصيته الحقيقية وحاضره، ويقيم مشروعاً جديداً لنفسه في نفس المنطقة السياحية، التي أخذ منها الصفارة، ويكتشف السر في النهاية، أن الأمر السحري ليس في العودة للزمن الماضي، أو المستقبل، وتغييرهما، بل بالرضا عن الحاضر، الذي يمتلكه، وبذل الجهد في تحسينه، وعدم التطلع للمثالية، والسعادة المطلقة، بل التسليم التام لطبيعة الحياة بحلوها ومرها.
هل أصابت فكرة الصفارة الهدف؟
من الجيد محاولة الفنان كسر القواعد والمجازفة في الفن، وهذه المحاولة تحمل سلاحاً ذا حدين، إما أن تبوء بالفشل، أو تنقل العمل لمستوى متميز يستقر في ذاكرة الجمهور، وكالعادة انقسمت الآراء حول مسلسل الصفارة، ولكن تبعاً لتتبع أراء الجمهور على وسائل التواصل الِاجتماعي، كان رأي الغالبية العظمى، ينصب في مدح المسلسل، والتفاعل معه إيجابياً، ويمكن حصر الأسباب كما ذكرنا في المقدمة، حيث يحصد أحمد أمين محبة واسعة وقبولاً من الجمهور، نتيجة حالة الكوميديا والإفيهات، التي قدمها بسلاسة، وأدائه البارع لجميع الشخصيات التي تقمصها، الفكرة التي تحمل طابعاً فانتازياً ذا مغزى إنساني، يمس أفكار عديدة مرتبطة بحاضرنا، بالإضافة لحالة الِانسجام بين جميع الممثلين، والأداء المتقن لهم، وإعطاء مساحة تمثيلية لوجوه صاعدة، مثل طه دسوقي، الذي لاقى إقبالاً شديداً على موهبته الأدائية، وقدرته على تقمص شخصيات مختلفة، وعلى الرغم من هذا الإقبال، إلا أن هناك ملحوظات تؤخذ على المسلسل، فهذا العمل هو بالفعل كان بمثابة جرعة ترفيهية، ومتعة، لأداء يجذب الجمهور دائماً لمعرفة ماذا سيحدث؟
ولكن فكرة المسلسل تتشابه مع بعض الأعمال السينمائية، التي استخدمت نفس فكرة العودة إلى أزمنة مختلفة، لتغيير القدر، وتختلف وسيلة، أو أداة العودة إلى الزمن، مثل فيلم “طير انت” لأحمد مكي، حين استخدم وسيلة الجني لتحقيق حلمه، أو تغيير شخصيته، لنيل إعجاب الفتاة التي يحبها والِارتباط بها، وكان يفشل كل مرة يتقمص فيها شخصية لا تمت لحقيقته بصلة، إلى أن قرر أن يتقبل شخصيته، وقدره في زمنه الحاضر، بدون استخدام الحل السحري، ويشبه فيلم “1000 مبروك” لأحمد حلمي، في نقطة تكرار نفس الحدث، ومحاولة تغييره.
لذلك فالصفارة ليست فكرة وليدة عصرها، ولكن كما ذكرنا تختلف الوسيلة، والهدف، أو المغزى، والوسيط نفسه، ومن ضمن الِانتقادات، التي وجهت للعمل الِاسترسال في الأحداث، بهدف إيصال مغزى العمل، وهو الرضا بالقدر والحاضر، وأنه كان من الممكن التقليل من كل المغامرات التي خاضها شفيق، ولكن أرى أن كثرة الأحداث، لم تُخِلَّ بالعمل، وكانت ماتعة، لأنها تندرج تحت بند المغامرة، فبالتالي يشعر المتفرج بالفضول، والتشوق لمعرفة باقي الأحداث.
طاقات أدائية تخطف الأبصار:
من العناصر التي ساهمت في وضع هذا العمل، في المراكز المتقدمة لدراما رمضان، عنصر الأداء التمثيلي، الذي قام به كل فنان على أكمل وجه، ففكرة أن يلعب الفنان شخصيات مختلفة، فهو بذلك يستعرض مهاراته التمثيلية، التي لن تحصره بعد ذلك في أدوار، أو قوالب معينة، مع العلم أن هذه الملكة لا يمتلكها الجميع، وقد يقع الإيقاع من بعض الشخصيات، إلا أن أحمد أمين بمهاراته المتعددة سواء في التمثيل، أو الكتابة، أو الغناء ربح المجازفة، وترك علامته بداخل جمهوره، كذلك طه دسوقي الذي صاحبه في لعب شخصيات متعددة، فهو بذلك اثبت نفسه في بداية مشوراه، وفتح له فرصاً مستقبلية، تليق بموهبته، أما حاتم صلاح، الشرير الفكاهي، فقد تمكن من أداء هذا الدور بشكل بارع، ففي حالة تصديق الجمهور، أو تفاعله مع الشخصيات الشريرة، فهذا يعني مؤشراً جيداً لنجاح الممثل، أما آية سماحة، فقد أثبتت نفسها في تقمص الشخصيات المختلفة، ولكن يؤخذ على شخصيتها في العمل، ضيق مساحة دورها، وتشابه الأداء، أو الشخصية في بعض الأحداث
وكان اختيار الفنان محمود البزاوي للقيام بدور الأب، وعلاقته بأبنائه حين نعود بالفلاش باك، لنستكشف العلاقة بينه وبين ابنه شفيق، كان اختياراً موفقاً، وخاصية العودة بالفلاش باك، كانت ذات مغزى مهم، مرتبطة بمغامرات شفيق، فالنصائح التي كان يقدمها الأب لِابنه شفيق، كانت بمثابة أنبوب أكسجين، يحاول إنقاذ شفيق من جميع أفكاره المثالية، وتقبل قدره، ووضعه الحالي، ولا يمكننا أن نغفل تتر المسلسل المختلف، الذي يعتبر من مكملات العمل الدرامي، ويضيف لمسة لحالة العمل، فعلى الرغم من أن كلمات التتر غير متناسقة، ولكن إيقاعها وتأديتها تجذب الآذان، والإفيهات المختارة، كان لها صدى كبير، وتتماس مع كوميديا الأحداث، وهذا العنصر يبدو أنه مهم، لأنه يساهم في ترديد الجمهور له، فيظل العمل باقياً، ولابد من لفت النظر للمشهد الذي يعد Master Scene هو المشهد في الحلقة الأخيرة بعد آخر عودة لشفيق، وقراره العودة إلى أصله، فأثناء تواجده في المرحاض، تتصل به والدته، وهنا يتذكر أنه لم يرد عليها وقتها، وحين يرد عليها، يكتشف مشاعر جديدة من والدته تجاهه، وكلمات دعم له، حينها أدرك أن هذا كل ما كان في احتياج له، كل ذلك قدمه لنا بأداء درامي متميز.
هل ينجح الجزء الثاني؟
من المفترض أن يكون هناك جزءاً ثانياً من المسلسل، حيث تم الإعلان عن ذلك في نهاية المسلسل في التتر، وكالعادة نضع في الحسبان أن فكرة عمل جزء ثانٍ، من عمل ما قد يصيب، وقد يفشل مثلما حدث لبعض الأعمال الدرامية، التي عرضت أيضاً في السباق الرمضاني الحالي، ونجاح العمل، أو فشله يتوقف على عاتق فريق العمل أجمعه
وبما أن المسلسل لاقى قبولاً من قبل الجمهور، فهو في انتظار مستوى أعلى من المتعة البصرية، والتجديد في الفكرة، خاصة في الأعمال التي تتميز بالفانتازيا، وفي مجمل الأمر فكرة كسر المعتاد في الفن في الزمن الحالي، هي فكرة رابحة بنسبة كبيرة، خاصة إذا ارتبطت بهموم، وقضايا الحاضر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
★ كاتبة ــ مصــر