إذاعة وتليفزيون

منة الله حازم: ما بين اللام الشمسية واللام القمرية!

 

منة الله حازم

“لام شمسية ولام قمرية، واحدة نقولها وواحدة خفية، القمرية زي ما هي زي الباب والعين والقلب، والشمسية متخبية زي السر وزي الذنب، القمرية لام منطوقة موجودة فى كل الأحوال، والشمسية لام مسروقة مش كل المكتوب يتقال”….  تلك كانت الإجابة على سؤال لماذا سمي المسلسل بهذا الاسم.

لماذا سمي بهذا الاسم؟


الإجابة موجودة من أول حلقة، فليس كل ما تراه أعيننا حقيقة، فلا وجود للشخص المثالي، أو للمدينة الفاضلة.
لقد تَمَّتْ مواجهتنا بأبشع الجرائم، التي لا زلنا نُصْدَم عند سماعها في وقتنا الحالي، قدَّم لنا مسلسل لام شمسية، مجموعة من القضايا الشائكة، والتي من الصعب تناولها، وليس بالسهل تجسيد شخصياتها، لم يقتصر العمل على قضية واحدة فحسب ،  بل تناول العديد من الأحداث، والكارثة أن جميعها مترابطة ببعضها البعض، وكأنها سلسلة تحيط رقابنا، ومن المؤكد أن هناك حلقة سوف تترك علامة على رقابنا، فلقد تناول العمل التحرش بالأطفال الصغار، ويعتبر هو الموضوع الأساسي، كما تناول أيضاً “الاستغلال الجنسي، ومشاكل العلاقة الزوجية، والخيانة، وعدم الرغبة فى الأمومة، والإنجاب التعويضي، وأخطار الألعاب الإلكترونية، وطرق التربية المختلفة وتأثيرها، والمرض النفسي وأهمية الطب النفسي، والعنف الأسري، والعلاقات السامّة، والفرق بين البيدوفلي والإدمان الجنسي والإنحراف، وتأثير الأطفال على بعضها البعض”.
فإذا نظرنا لكل قضية على حِدة، سنجد أنها تحمل قضايا داخلها، أكبرها التحرش بطفل مسلوب الإرادة، يتم استغلاله من غير إدراك منه لصغر سنه؛ لإرضاء تلك الأمراض النفسية تحت اسم الحب، أو اللعب.

 


جَسّد الفنان “محمد شاهين” دور وسام، صديق العائلة المثالي، الذي يحب أبناء صديق عمره كأولاده، ما هو إلا زيف للشخصية المثالية لأبعد حد، فهو يرعى زوجته المريضة بالاكتئاب، ويحب ابنته ويرعاها، وهو أيضاً أستاذ جامعى ناجح يصلي الجمعة بانتظام، ويجيد ارتداء قناع المثالية بشكل بارع لا يمكن كشفه، فحتى الطفل الصغير يوسف “علي البيلي” ابن صديقه، الذي يقوم بالتحرش به، لا يصدق شعور فطرته، التي تخبره أن اللعبة التي يلعبها وسام معه جريمة بشعة.
تظل ثقة وسام فى نفسه طيلة المسلسل، تجعل الجميع يشك فى أنه مظلوم رغم وجود الأدلة، لتأتي الإجابة على لسان المستشار الشاب فى المحكمة أثناء المداولة؛ ليقول إن كثرة ضحايا المجرم تكسبه ثقة عالية فى نفسه، لنُصدَم من الحقيقة، كم عدد الضحايا، التي تجعل عنده كل هذه الثقة، فهو يجيد التمثيل والتحكّم في النفس؛ حتى فى أعلى مراحل غضبه، فعندما قامت نيللي بفضحه ليتحدث مع والدته على الهاتف بالضحك، وبمنتهى الثقة، فى الوقت نفسه يضغط على القلم ليكسره ليُنَفِّس عن غضبه.
تدور الأحداث، وتظهر ضحاياه واحدة تلو الأخرى، فنرى سمية “فاتن سعيد” ابنة الخادمة، التي تعمل عند أم وسام، تلك الفتاه الشابة، التى تعمل مُدرّسة، ولكنها دائماً ما تكون منعزلة، تخاف من نظرات الناس، وتخاف من الارتباط، لنعرف أنها مرّت بتجربة حب عند عمر صغير (13) عاماً، ومع مرور الوقت أدركتْ أنه لم يكن حباً، بل كان استغلالاً جنسياً من قِبَل وسام، عندما كان عمره 22 عاماً، وبعد اختفائه عنها، جعلها تعتقد ان المشكلة كانت فيها، مما خلق لديها عقدة نفسية، وهي حلقة تشير لكثرة عدد ضحايا وسام، إذ كان من صغره يمارس تلك الفعلة المشينة.
أما مشاكل العلاقة الزوجية، وبالتحديد العلاقة الحميمية، وهي موضوع حسّاس، يصعب تناوله فى الدراما بدون تجريح وابتذال، جَسّدت علاقة نيللي “أمينة خليل” وطارق “أحمد السعدني” تلك المشكلة؛ حيث كانت تعاني نيللي بما يسمى بالتشنج الداخلي أثناء العلاقة، ولكنها لا تعرف السبب، فتذهب للعديد من الأطباء، لكنهم يخبرونها أنه لا يوجد مشاكل عضوية، لتلجأ بعدها للعلاج النفسي، الذي يخبرها أن هذا هو شعور الخوف من العلاقة، وهذا قد يكون نتيجة مرورها بتجربة سابقة، ولكنها لا تتذكر، ومع مرور الأحداث تتذكر بالفعل أنها تعرضت للتحرش في صغرها، ولكن مِن مَن؟؟، من صديقتها، التي كانت تكبرها ببضع سنوات، ليسلط الضوء على كارثة أخرى، وهي تأثير الأطفال على بعضهم البعض، وتؤكد تلك النقطة خلال لعب يوسف مع أخيه الصغير نفس لعبة وسام، وهو غير مدرك أنها ليست لعبة، وهذا كان بمثابة الضوء الأحمر في وجه الأهالي، الذين يتركون أطفالهم بمفردهم بحجة اللعب، دون معرفة نوعية تلك الألعاب، ومع تذكر نيللي، عُرف لماذا كانت هى أول من اكتشف جريمة وسام، رغم أن الجميع كذّبها؛ لأنها مرّت بتلك المشاعر من قبل.
مع توتر العلاقة الزوجية، يلجأ الزوج للخيانة الزوجية، ليكون طارق مثالاً حيّاً للأب المستهتر، الذى يقرر أن يعيش لذاته، تاركاً خلفه زوجته، وأولاده ومشاكلهم، فبسبب ذلك كان طارق بعيداً عن ابنه، فلم يستطعْ يوسف أن يشارك والده ما يحدث معه، ولم تكن الخيانة خيانة زوجية فحسب، فما حدث من وسام تجاه يوسف هو خيانه ثقة وصداقة لطارق، الذي كان يظن أن وسام كأخيه، ونجح أحمد السعدني فى تجسيد دور الزوج المهمل، والأب المستهتر، ليجني في النهاية حصاد أفعاله.

 


لم يكن طارق فحسب من ظلم يوسف، فقد ظلمته أمه أيضاً عندما قامت بما يسمى بالإنجاب التعويضي، رغم إدراكها بعدم رغبتها بالأمومة، فقد اعترفت هبة “أسيل عمران” بإنجابها ليوسف بسبب اقتناعها بكلام المجتمع أن الطفل حل للمشاكل الزوجية، وهي من أكبر الكذبات المجتمعية، متغافلين عن أنها تعتبر جريمة في حق طفل لا ذنب له فى شيء، فمن حق كل طفل أن يولد فى أسرة متحابّة مستقرة، فالطفل ليس حلاً للمشاكل، بل هو جريمة يرتكبها كل زوجين فشلا فى حياتهما الزوجية.
وتناول العمل أخطار الألعاب الإلكترونية، التي يلعبها معظم أطفال الجيل الحالي، فى تغافل من الأهل عن ما يتعرض له أبناؤهم من خلالها، فهم يلعبون مع أشخاص افتراضيين لا يعرفونهم، وهناك نفوس مريضة تستَغِلّ هذا، وتقوم بالتحرش بالأطفال من خلال الكاميرات، وهناك من يجبر الأطفال على ارتكاب جرائم أخرى، فهذا عالم مرعب، وكما ذكرت سابقاً نحن لسنا فى المدينة الفاضلة، لنترك الأطفال بمفردهم .
وبما أن التربية هي من أهمّ الأشياء التي تساعد فى نشأة المجتمع، فقد تناول المسلسل طرق التربية المختلفة، وتأثيرها على الأشخاص، فكان الجميع فى تقابل مع بعضهم، على سبيل المثال  وسام فى تقابل مع يوسف؛ حيث تربّى وسام مع أب عنيف بعد أن تركته والدته من أجل عملها، مما عرّضه للعنف الأسري، ليخلق وحشاً مدمناً على الجنس ؛ ليُخرج نشوته على الأبرياء، ومع التشابه بينه وبين يوسف، الذي قررت والدته التخلّي عنه، وتركه لوالده، الذي تركه لزوجته مما عرّض يوسف للاستغلال الجنسي، ولكن الفرق كان فيما بعد، فلقد تلقّى يوسف العناية اللازمة؛ لكي ينشأ نشأة سوية، عكس ما حدث مع وسام، الذي كانت والدته تقوم بعمل المستحيل لتُخفيَ فضائحه بدلاً من معالجته.
وأيضاً دور الأم فى التربية، الذي تجسّد في دور نادية ونيللي ورباب وهبة، فجميعهن قمن بتجسيد نوع من أنواع الأمهات، كما ظهر لنا نتيجة كل منهن، فنادية بسبب خوفها من الفضيحه، وحبها لنفسها، ولعملها ساعدت فى خلق وحش، بينما نيللي كانت الأم الواعية التي أدركت مشكلة ابنها، وقامت بمواجهتها، والاعتراف بها بدون خجل مما ساعد يوسف على تخطّي ما حدث معه، أما رباب “يسرا اللوزي” وهي اللام الشمسية الصامتة، الأم المصابة بالاكتئاب وهي الحلقة المفقودة؛ حتى نهاية العمل، فكانت رباب نتيجة للتربية المتزمتة المغلقة، التى جعلتها ضعيفة الشخصية وسلبية، وهذا ما مكّن وسام منها ليسلب إرادتها والتحكّم بها، أما هبة فقد سبق ووضحنا دورها، فهى كانت تنكر ما تقوله نيللي، وتحاول إثبات وجودها من خلال الهدايا، التى تقدمها ليوسف، فهي ليست الأم المناسبة له، و لم تكن جديرة بذلك، لتأتي نيللى وتقوم بهذا الدور وهو تغيير شكل زوجة الأب فى الدراما.
مع كل هذه المشاكل والقضايا التي كان أغلب حلها هو العلاج النفسي، لذلك تم التركيز على دور الطب النفسي، وأهميته فى حياتنا، فكان الحل الذى أضاء لنيللي طريقها فى علاقتها فكانت طبيبتها النفسية، التي كانت تذكرها أن ما لديها مجرد خوف، ويجب أن تتذكر، لتلجأ للطبيب في مشكلة يوسف، الذي ساعد فى تأكيد الشكوك، وأنه بالفعل قد تعرّض للتحرش، كما ورد على لسان طبيب رباب، أن وسام ليس مريضاً؛ لينفي أي تعاطف معه، كما أوضح الفرق بين البيدوفلي والانحراف وإدمان الجنس، ويعتبر الذي لدى وسام هو انحراف وإدمان للجنس، كما ورد على لسان رباب أنها لم تدرك أن انحرافه وصل للأطفال، مما يدل أن له ضحايا أخرى غير الأطفال، ويخرجه من التعاطف.
كما اتضح من خلال الأطباء النفسيين كيفية التعامل مع كل مشكلة، فقد وضح الدكتور رامي “علي القاسم” كيفية التعامل الصحيح مع يوسف؛ لنعيد له ثقته بنفسه، وكيفية دعمه؛ حيث أجاد دور الطبيب النفسي، الذي يركِّز على مواساة طفل تعرّض للتحرش ومواجهة أم خائفة، وبين ذاته المصدومة من بشاعة العالم، وكل تلك المشاعر، التي جَسّدها في مشهد صامت اعتمد فيه على تعبير وجهه، وكانت حل مشكلة نيللى هي أن تحب نفسها وتتصالح مع جسدها، فما حدث هو نشر للوعي عن الطب النفسي فى حياتنا، وهو ما ينكره البعض حتى وقتنا الحالي.
كما تناول العمل مشاكل فرعية أخرى، كالتنمر المدرسي، الذي كان يتعرض له يوسف، والذي كان مدخلاً من المداخل التي استخدمها وسام للضغط عليه، وأيضاً مشكلة أزمة هوية أهل الريف، التي كانت لدى نهال ” ثراء جبيل” والتى قررت العيش فى كذبة أن عائلتها تعيش فى الخارج مع أنهم يقيمون فى الأرياف، وتعوّدت الكذب عليهم كي تستطيع العيش بحرية، بالإضافة إلى دور العشيقة، التي قبلته على نفسها؛ حيث تقيم علاقة مع طارق دون زواج، على أمل أن يتزوجها، ولكنها تكتشف أنها مجرد سد خانة فارغة لديه، وعندما امتلأت تلك الخانة برجوع نيللي، قرّر تركها، وهي إشارة للفتيات اللواتي يقبلن ذلك على أنفسهن، مما يقلل من ذاتهن ويدمر حياة بعضهن.
قام فريق العمل بدراسة كل شيء فى العمل، بداية من القصة ؛ حتى إخراجها، فكانت كل جملة وفعل وكل كادر فى العمل له معنى قوي، أو يشير لشيء أهم، فقد تناول كل قضية بأسبابها وتأثيرها، وكأنه يقوم بتوعيتنا بشكل فني راقٍ، وأول ما نتطرق للحديث عنه،  الحوار الذي كان يخلو من الابتذال علماً أن جميع القضايا حساسة وشائكة، ولكن كان هناك احترام واضح واختيار دقيق لوصف الأشياء، فعند وصف مشكلة العلاقة الحميمية كان يلعب على ذكاء المشاهد، الذي يعرف ما يدور عنه الحديث، وليس بحاجة لشرح تفصيلي، ولكنه تعمّق في وصف مشاعر نيللى عن الألم، سواء النفسي، أو الجسدى والفجوة التي نشأت بينها وبين زوجها بسبب ذلك، كما هو الحال فى وصف ما حدث مع يوسف، ففي مشهد المحكمة النهائي، وشهادة يوسف وطارق وهو من أهم وأصعب المشاهد، تم اختيار
المصطلحات، والوصف بدقة دون تجريح، أو ابتذال، أو التقليل من قوة المشهد، وبشاعة الحدث، لتتفوق بذلك مريم نعوم وراجية حسن بجدارة.

 


أما عن اختيار الممثلين فكان الطفل علي البيلي هو الحصان الأسود للعمل، لنكتشف أننا أمام موهبة قوية تستحق التقدير، ومحمد شاهين الذي أجاد دور المثالية، وإخفاء الوحش الذي بداخل وسام، كما كان أداء جميع الممثلين رائعاً أيضاً دون التقليل من أحد؛ حيث كان أداء هادئاً يخلو من الملل، فكانت لحظات الصمت فى مكانها الصحيح، الذي يساعد في إيصال المشاعر والتعايش مع الأحداث، كما كانت لحظات الانهيار والصدمة، خالية من المبالغة ففي مشهد انهيار طارق بعد أن تأكد أن صديق عمره هو من ارتكب تلك الجريمة، ردة فعل طبيعية لأب صُدم في صديق عمره وشعوره بالندم والذنب تجاه ابنه، لأنه في الوقت الذي تخلّى فيه عن دوره لوسام، كان هو الذي سلّم ابنه للوحش بيده، ومن أهم اللحظات هي لحظة نوم يوسف، وهو يسمع صراخ والده، وشعوره بالندم والخوف عليه، حينها شعر أنه قد أصبح له سند حقيقي يقف بجانبه، ويحميه من يد الوحش، كما أن بوحه بالحقيقة، وكأنه كان يحمل حملاً ثقيلاً قد ألقاه من على ظهره، فظهرت روعة الأداء، أما دور رباب يسرا اللوزي هو الدور الوحيد الذي لازال يترك حوله العديد من علامات الاستفهام والأسئلة، التي لم تعرف لها إجابة بعد، حيث كان صمتها في البداية منطقي لأم خائفة على ابنتها، وتريد حمايتها بالصمت، ولكن بعد الكشف عن الحقيقة لماذا ظلت صامتة، ولماذا أصيبت بالاكتئاب!!؟؟، فمن الحلقة الأولى كانت تعبيرات وجهها تتحدث أن الريبة بوسام، وهذا ما حدث عندما شاهدنا علامات اللامبالاة عليها، عندما ضرب طارق، (وسام) ورأت (وسام) وهو غارق في دمائه، كأنها تقول لنا في أول حلقة لاتشفقوا عليه فهو يستحق ذلك.
ومن أهم المشاهد هو آخر مشهد، وهونظرة وسام لابنته بعد الحكم عليه، ورؤيته لنظرات الاشمئزاز منها تجاهه، وهذا ما جعله ينهَار، فهو لم ينهَرْ عند سماعه حكم المؤبد، لكنه انهار أمام ابنته، فكانت عقوبة وسام الحقيقية
  معرفة، ابنته لحقيقته، بجانب العلامة، التي ظلت على رأسه، نتيجة ضرب طارق له عندما كان يشك به، والتى ظلت موجودة طوال الأحداث، لتذكرنا بجريمته وأن جريمته تركت على جسده علامة، كما ترك علامات على أجساد ضحاياه.
وكذلك اختيار الملابس والإكسسوارت، ففي الحلقة الأخيرة، كانت عائلة يوسف ترتدي الملابس، التي يغلب عليها السواد كالموصومين بالعار، أما عائلة وسام فكانت ترتدي ملابس فاتحة، ومن الداخل أسود وهو ما يعبر عن ارتدائهم لقناع المثالية لإخفاء العار والفضيحة ؛حتى رباب الضحية، فهي مجبرة على ارتدائها مثلهم، لتأتى النهاية، وترتدى الأبيض كعلامة على تخلصها من تلك القيود، أما زينة “ياسمينا العبد” اِبنة وسام، التي جاءت فى إحدى الحلقات، ترتدى بيجامة مليئة بالنجوم كالنجوم التي كان يعطيها والدها للأطفال بعد جرائمه ضدهم، وكان هذا له معنيان أنها أصبحت موصومة بعار والدها، الذي يتلخص في النجوم، أم أنها أحد ضحايا والدها في صغرها، تلك إحدى النقاط، التى لم يتمَّ توضيحها، وترتدي في النهاية، الأسود، وكأنها وُصِمَتْ بعار والدها للأبد، في مشهد حزين لها وليوسف، وهما يواسيان بعضهما البعض، وكأن المخرج يؤكد لنا أنهما ضحايا.
أما عن اِكسسوارت نيللي، فكانت ترتدي دائماً ثلاث قلادات إحداهما تحمل نقشاً صغيراً، ربما كانت كلمات ذات طابع ديني، أو كلمات تحميها من ماضيها، الذي قد محته من عقلها الباطن فى حمايتها، والثانية كانت قلادة بدون دلاية؛ لتعبر عن بساطتها ورغبتها فى إنكار ماضيها، وكأنها الفترة، التى يرغب عقلها فى نسيانها، والأخيرة كانت قلادة دائرية لتكون رمزاً لدائرة الزمن الذي يعيد نفسه ليجبرها على تذكُّر كل شيء مرة أخرى، وارتداؤها جميعاً، يؤكد على تعقيد شخصيتها وحياتها.
أما بوسترات العمل، فكانت تعبر عن كل شخصية، فصورت الجميع محبوساً داخل قفص، ولكن في الخلفية حقيقته، فعند نيللي كانت الأقفال خلفها كدليل على إغلاقها على ماضيها ونسيانه، ووسام الذى تظهر خلفه الأقنعة، التي يترتديها كي يزيف حقيقته، وطارق الذي تظهر خلفه أوراق الكوتشينة، والولد، الذي تحبه الفتيات، كما أن أوراق الكوتشينة في حد ذاتها دليل على اللذات واللعب، ونادية التى يظهر خلفها المفتاح؛ لتكون هي المفتاح، الذي يفتح الباب على ماضي وسام، لنعرف أنه صاحب طفولة مشوهة، كذلك اختيار أسماء الحلقات فالحلقة الأولى كانت باسم “الساحر” المقصود به وسام، كإشارة على الشخصية المهمة في الحلقة، راقبوه، فالساحر هوايته خداع الناس وهذا ما يفعله وسام، لتكون الحلقة الأخيرة تحت اسم اللام القمرية؛ لأن الحقيقة قد ظهرت لتصبح كل ما نراه الآن هو الحقيقة.
فقد نجح المخرج كريم الشناوي في اختيار الكادرات، التي كانت تركِّز على تعبيرات الوجه وانفعالاته،  كما ظهر في إحدى الحلقات الأولى، ظهر يوسف في نهاية ممر، وكأنه داخل قفص مسجون، ووحيد في الظلام .
الخلاصة … مسلسل لام شمسية، الذي عُرض فى رمضان 2025، والمكون من 15 حلقة، نجح في تناول وإيصال العديد من القضايا المهمة ؛ليذكرنا بدور الفن الحقيقي، الذي لا يقتصر على الترفيه فحسب، ليضيء الضوء الأحمر لجميع الأسر من خلال جعلهم ينغمسون في الأحداث؛ ليشعر الجمهور ببشاعة القصة والتورط الكامل، ليبدأ كل أب وأم في البحث حول أبنائهم، وأنفسهم ومراجعة دورهم الأساسي، ولكن مايؤسف أن هناك ما جعل العمل يدخل فى دائرة اللامنطقية في آخر حلقاته بعد أن كان يسرد لنا الواقع ببشاعته، فلم نعرف ماذا فعل وسام لرباب، ليجعلها تصاب بمرض الاكتئاب؟..
بماذا كان يهددها لتصمت؟ وعن ماذا تصمت؟
من قام بوضع الكاميرا في غرفة زينة..؟ هل هي رباب بالفعل، أم هو وسام، ولكنه تلاعب بعقل رباب؟
من حذف الفيديوهات من هاتف وسام؟ وماذا كان على اللاب توب الخاص به؟
ولعل أكثر ما كان ما يخالف المنطق تماماً هو سماع أغنية “اِسلمى يا مصر” فى نهاية العمل، وهى أغنية وطنية ليس لها علاقة بالأحداث ، فكان من الأولى أن توضع أغنية من أغانى العمل، ليكتمل معنى اللوحة، لماذا وضعت وهل كان هناك من ساعد فى إخفاء وتغيير قصص أبشع، لتترك لنا تلك الأسئلة، التي ليس لها إجابة…!؟.


★ناقدة ـ مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى