نواف الربيع: ما لم نَقُلْهُ عن صناعة مسرحية.. “زمن دراكولا”.

نواف الربيع ★
ربما تجربة شخصية كهذه، تبدو مروية مكررة لمئات من أبناء جيلي في الكويت، أولئك الذين جلسوا قبالة التلفاز في صالة بيتهم القديمة، هيئوا أجواء الرعب حولهم قبل أن يدفعوا بشريط الفيديو في جهاز تشغيل الفيديو القديم، لتبدأ مسرحية (زمن دراكولا) وبتلقائية غريبة نسأل أنفسنا: كيف صنعوا تلك المسرحية؟
طالما كان الجزء الثاني من مسرحية (زمن دراكولا) لمؤلفها د. عبدالعزيز المسلم هو المفضل لَدَي، لا لشيء إنما لاحتواء الجزء الثاني من فيديو المسرحية تسجيلًا نادراً عُنون بـ (صناعة مسرحية زمن دراكولا) وربما قاد هذا التسجيل الكثير من أبناء جيلي للولع بالمسرح.
كيف؟

يؤرخ فيديو (صناعة مسرحية زمن دراكولا) تفاصيل صناعة هذا العمل المسرحي “المختلف” بنوعه منذ تأجير صالة نادي القادسية الرياضي، وتحويلها إلى خشبة مسرح تستضيف (زمن دراكولا)، مروراً ببروفات الطاولة، وصناعة الديكور المسرحي، والإضاءة، وتصميم الكراسي، والخدع المسرحية، وتسجيل الأغاني.. صناعة تدون الركض في مضمار جديد، لم تقطعه قدم من قبل.

في طفولتي، حَفَّزَ هذا التسجيل ولعي بالمسرح، لم أصبح ممثلاً، أو صانعاً مسرحياً عندما كبرت، إلا أنه جعلني أخوض تجربة أولى في المسرح، أصنع من الورق ديكوراً مسرحياً، وأقتني الأقنعة، والإضاءات المسرحية من “عيدية” العيد، وأن أخوض حواراً مطولاً مع كل معجب بأعمال الفنان د.عبدالعزيز المسلم، وبالتأكيد لـ (زمن دراكولا) نصيب الأسد من الحديث المطول.

يروي صانع البوسترات الفنان صالح القلاف، عن مشهد صناعة بوستر مسرحية زمن دراكولا: ما أنسى المقص الي يفرغ صور الفنانين، بعدين يجربون تركيبها جنب بعضها لتشكيل بوستر المسرحية.. ما أنسى هالمشهد وأدري أنه أثَّر فيني لمن كبرت.
ربما حكايتي وحكاية الفنان صالح القلاف لا تختلف كثيراً عن أي من أبناء جيلنا، الذين شاهدوا صناعة مسرحية زمن دراكولا، ثمة شغف يتملك المشاهد عند متابعة المسرحية، ثمة أسئلة تحاصرك طوال مشاهدتها، ليس لعمقها، أو للونها المسرحي الجديد.. لكن فكرة إتقان المسرح إلى هذا الحد، تجعلك تؤمن بالمسرح، وتؤمن بأن المسرح في الكويت ليس هواية.. إنما صناعة عريقة لا مثيل لها، وأن أربعين دقيقة تسجل صناعة المسرحية، ستبدو منصفة، منصفة جداً؛ لتعرف أن المسرح في الكويت ضرورة،وغاية، ومشروع.. لم يخلق عبثاً، ولم يَأتِ اعتباطاً قط!

ما لم أَقُلْهُ عن صناعة مسرحية زمن دراكولا، أنها مسرحية أخرى عن الشغف بالمسرح، مسرحية بحبكة مكشوفة، وكواليس معلنة، وعن أبطال حقيقيين من المجتمع.. إلا أنها مغرية، وفاتنة ولا تشبه أي مسرحية أخرى، مسرحية تؤكد أن مرحلة صناعة الشيء، أجمل من الشيء نفسه كاملاً ومتقناً.. وأن الشغف بالمسرح ليس بموهبة، إنما ورطة؛ وكانت ورطتي قد بدأت منذ أول دقيقة في صناعة مسرحية زمن دراكولا؛ أربعون دقيقة تقريباً، تُثبت بأن الشغف يبدأ من فكرة، تثبت أن الفكرة تبدأ من دافع.. وأن تلك السلسلة استمرت منذ أول مسرحية؛ حتى هذه اللحظة.
شكرًا عبدالعزيز المسلم.. ورطة المسرح لذيذة.
★باحث ـ الكويت.