مسرح

عزيز ريان : الاغتراب والهجرة.. قارب لأبي الفنون؟!

عزيز ريان ★

خاص بمجلة نقد x نقد

في إطار النسخة الرابعة لأيام الفنيدق المسرحية، المنظمة من طرف جمعية محترف للمسرح، والتنشيط الثقافي-الفيندق تطوان المغرب، وذلك يوم الجمعة الثامن من فبراير 2024 ، بالمركز الثقافي الفنيدق، الساعة الرابعة والنصف مساء؛ بحضور فعاليات، ومهتمي المسرح بمدينة الفنيدق، وشبابها.
المسرح والهجرة مركب آخر للمسرح:
لا يختلف اثنان في أن المَشاهد التي تعرفها الهجرة، والتي نتابعها بشكل شبه يومي، تحاكي فصلاً مسرحياً، يُشكِّل البحر خشبته الأساسية، كمشهد مآساوي، يجمع بين من نجا بحياته، وبين من لم يستطعْ أن يجتاز البحر؛ فمات غرقاً أثناء هروبه من الحرب، أو الوطن، أو الفقر المدقع.
هناك إجماع أن المسرح له دور كبير في نشر الوعي بين أفراد الشعب؛ فهو الوسيلة الأسهل للوصول إلى عقول المشاهدين وقلوبهم، كما يقوم بتعزيز التواصل الإنساني، ويقوم أيضاً بعرض وتسليط الضوء على التنوع الثقافي، وتحفيز التفكير النقدي، والتشجيع على الإبداع والتجديد، وتوثيق التاريخ والهوية، وأخيراً تطوير مهارات الفرد والجماعة.


المسرح والهجرة: قد يبدو عنواناً غريباً، فالمسرح له مواضيع اجتماعية، وسياسية، وثقافية عديدة، ولا حاجة له للهجرة ؛ لكي يعالجها، أو أن الهجرة ظاهرة كونية قديمة لا حاجة لها للمسرح؛ لكي يتطرق لها، فكيف يلتقي المسرح كفن، والهجرة كظاهرة؟
تشكِّل قضية الهجرة ظاهرة محورية، اِهتم بها  مجال البحث الاجتماعي والأدبي، وشملت أنحاء كثيرة في العالم والمغرب، وخصوصاً في منطقتنا الشمالية التي تعتبر كمنطقة عبور، وهي من القضايا التي شغلت الرأي، فكانت لابد أن تنعكس صورتها في المسرح، باعتباره مرآة للمجتمع، وما يعانيه المواطن بشكل يومي.
فما هو المسرح، وما هي الهجرة؟
ماهية المسرح:
لغة: المسرح اسم مكان من فعل سَرَحَ يسْرَحُ.
المسرح: مرعى السرح.
المسرح: مكان تمثل عليه المسرحية، مسرح الجريمة. مسرح الحدث: المكان الذي ارتكبت فيه الجريمة.
خشبة المسرح: هي منصة يؤدي فوقها الممثل دوره.
واصطلاحاً: هو فن تشخيصي يقوم على محاكاة الأفعال البشرية بالصوت والحركة؛ باستخدام الجسد كمادة أولية، ومحورية للتعبير، وما يرتبط به من إشارات دالة على الزمان والمكان، أمام جمهور حاضر.
وهو أحد أنواع فنون الأداء، يتعاون فيه فنانون حقيقيون(عادة ممثلين وممثلات) لتصوير حدث حقيقي، أو خيالي أمام جمهور حي في مكان معين، غالباً ما يكون مسرحاً.


ينقل فنانو الأداء، هذه التجربة إلى الجمهور من خلال مجموعات من الايماءات، والكلام، والأغاني، والموسيقى، والرقص.(بحسب تعريف ويكيبديا)
ولظاهرة الهجرة أسباب ومبررات واضحة، تمتاز بالاستمرارية الزمانية (لأنها على مدار العام)، ولانتشارها المكاني في معظم دول العالم، وفي ظل تباين الظروف والأوضاع الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، للبلدان المصدرة للهجرة والمستقبلة لها.
لها أثر واضح على المسرح العالمي عموماً، والعربي، والمغربي خصوصاً.
يتعلق الأمر ببعد حضاري، أو تواصل حضاري، أو ما عرف بحوار الحضارات سابقاً، وتناسج الثقافات حالياً.
فما هي الهجرة؟
مفهوم الهجرة:
لغة: مشتقة من لفظة هَجَرَ أي تباعد، وتعني هَاجرَ تَرَكَ وطنه، وانتقل من بلد إلى غيره.
وهجر ضد وَصَلَ (هجرتُ الشيء هجراً) أي تركته وأغفلته، وهي تَنَقُّل الانسان من بلد إلى آخر، وفي معجم لاروس الأساسي: خروج من أرض إلى أرض أخرى؛ سعياً وراء الرزق.
ويقول الفيروزآبادي ص:124 إن لفظة “الهجرة” تأتي من هَجَرَ يَهْجُرُ، وهُجْرَانٌ، ونقول: هَجَرَ المكان أيْ تَرَكَهُ، أو المفارقة من البلد إلى غيره.
ويمكن تقسيم الهجرة باختصار إلى نوعين: الهجرة الشرعية، والهجرة غير الشرعية بشكل مختصر دون التفصيل في السفر، بطيب خاطر، أو بشكل قسري، أو التطرق لأنواع أخرى دقيقة.


واصطلاحاً: المهاجر هو الشخص الذي ينتقل، أو انتقل عبر حدود دولية، أو داخل دولة بعيداً عن مكان إقامته المعتاد، بغض النظر عن:
أولاً الوضع القانوني للشخص، وثانياً ما إذا كانت الحركة طوعية، أو غير طوعية، وثالثاً ما هي أسباب الحركة، ورابعاً ما هي مدة الاقامة.
– بحسب تعريف وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة- (وهي منظمة دولية للهجرة  أسست عام 1951)
يتعدد حضور تيمة الهجرة في المسرح العالمي ، كالاغتراب مثلاً كما في نص (بيكيت) في “انتظار جودو”، والهجرة الاجتماعية القسرية، والاختفاء كهجرة القيم، كما في نص (ابسن)” بيت الدمية” ، وحالة “أنتيجون” التي تمثل النفي، والتباعد عن إكرام الانسان بدفنه.
إذنْ، اِنشغل الغرب بالهجرة بأشكالها المتعددة، وقد تمثلها حالة اغتراب في الوطن في لحظة ما، عندما يصبح الوطن محتلاً من الغرباء.
ولعل تيمة الهجرة، ركزَّت في غالبيتها على موضوعات بعينها أهمها: تيمة الهوية، وتيمة الاغتراب
تيمة الهوية:
فما هي الهوية؟ معجم اللغة العربية المعاصرة، يرى أنها مصدر صناعي موضوع من الضمير(هو) بإلحاق ياء النسب، وتاء التأنيث الدالة على المصدرية، وهناك من يرى أنها مصدر مشتق من: الهو(هو،هي) في مقابلة الغيرية.
يُعَرِّف أحمد مختار، الهوية على أنها: إحساس الفرد بنفسه وفرديته وحفاظه على تكامله وقيمته وسلوكياته وأفكاره في مختلف المواقف.
وأهم مظاهرها: الدين والمعتقد، اللغة، المعطيات التاريخية، العرق..إن مدخل الهوية هو التعرف على العناصر المكونة للفرجة، باعتبارها تتماس مع الأصالة الثقافية المغربية.
نستعيد الفنان الطيب الصديقي، الذي حول اتجاه المسرح العربي بقدرته على الحفاظ على الهوية الانسانية، والحوار مع الآخر.
لقد أثبت الخطاب المسرحي فاعليته في إيقاظ الضمائر، وتحرير الوعي في العديد من  العروض المتسمة بعمق الطرح والدلالة في تصوير المواقف، دون التناول السطحي، بل يوغل في الغوص في القضايا الآنية.
إن الخطاب المسرحي منعرج حاسم في إنارة عقول المغاربة للتفكير في همومه دون طمس معالم هويته، وهناك أعمال مسرحية لها صبغة التسجيل والتوثيق فيما يسمى بالدراما التوثيقية، أو المسرح التسجيلي لأرشفة أحداث مؤلمة كوثيقة حية لربط الحدث المسرحي بالمسار الواقعي، وترجمته إلى صور، وفلاشات مشهدية على خشبة المسرح.
ولعل بطل الهجرة، هو المهاجر، فمن هو المهاجر؟
المهاجر: ظاهرة الهجرة لا يمكن تحليلها بشكل عابر، أو بمنطق واحد، بل بمنهج نفسي اجتماعي.
إن المهاجر هو الكائن الإنساني الذي يترك عالمه بوطنه الأم؛ ليدخل إلى عالم جديد غريب.


يعاني المهاجر من: الرفض، يرفض الفروق بين دولته ودولة المهجر، الإسقاط، المثالية، التشكيل المعاكس، التبرير العقلاني، الإساءة الهوسية، الإساءة الوسواسية داخل البلد؛ الذي هاجر إليه البطل الآخر بالنص.
فما هو البلد المضيف؟
بلد الاستقبال، أو الوطن المضيف: هو البلد الذي استقبل المهاجر.
هناك من أهل هذا البلد من يعتبر الهجرة مشكلة، والمهاجرين يضايقونهم على فرصهم.
يشعرون بـ :عدم الثقة، الخوف، عدم معرفة عقلية المهاجر، العنصرية، إسلام فوبيا، المواجهة…
هناك دراسة تقول إن الإسبان لهم سلوك مع المهاجر بحسب هذه الطريقة هناك:
مجموعة أولى: تقول إن الأسبقية لأهل البلد.
المجموعة الثانية: الآخرون هم أبناء الله.
إذن هناك مواجهة للمهاجر مع البلد المضيف، أو بين المهاجر وظروفه والتي تولِّد التوتر، هذا التوتر يمكن أن يكون أصل الصراع في المجتمع، وكذلك أصل الصراع الدرامي كأساس في البناء المسرحي.
وبعد الهوية هناك موضوع ثانٍ مهم يسيطر على نصوص الهجرة: وهو الاغتراب.
تيمة الاغتراب: فما هو الاغتراب؟
هو فقد الإنسان ذاته وشخصيته مما قد يدفعه إلى الثورة؛ لكي يستعيد كيانه.
وفي اللعبة الفنية: الاغتراب إعادة إنتاج الأثر وفق النظام العام، ودون قسر خارجي؛ لأنه يؤثر في الذوق، بل تتحقق مشاركة الذوات، أي تسعى كل ذات إلى الانسجام مع الآخرين في الوجود.
إن المسرح، والفن خُصِّصَا  للفرح والابتهاج من خلال معايشة اللغة الجمالية، يستطيع المسرح أن يستهلم ذواتنا، ويخلق التأثير الجمالي بفضل حيويته وفعاليته؛ روحياً ومادياً، ولا يمكن عزل المسرح بوصفه ظاهرة عن الحياة، مادامت بنيته منسجمة، وأسلوبه رشيق في التعبير عن الحياة.
شفشاون – المغرب


★ناقدـ المغرب.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى