محمد القلاف:” أصل وصورة”ما تفعله اليوم بوالديك؛ ستحصده غداً؟!
محمد القلاف ★
افتتح مهرجان الكويت للمسرح الثنائي الأول، لمؤسسة لابا التابعة للوياك في مسرح الشامية،أول أعماله بمسرحية (أصل وصورة) من تأليف فارعة السقاف، وإخراج خالد أمين، وتمثيل مصعب السالم، ومحمد الرقادي، والتي تم تقديمها كعرض افتتاحي خارج المنافسة.
اهمال الأب
تدور أحداث المسرحية حول الصراع الاجتماعي (الأسرة)، والنفسي بين الأب وابنه، خاصة عندما توفيت الأم، أخذ الأب ابنه، وأودعه مدرسة داخلية؛ لعدم قدرته على تربيته، ولكي لا يُشغله عن مهامه الاجتماعية؛ كونه أصبح شخصية مشهورة في الداخل، والخارج.
لذا والدته كانت دائماً تحث ابنها على التواصل مع أبيه، ومتابعته في التلفاز، وتطلب منه الصمت لكي ينتبه له، وكذلك من كثر عشقها لزوجها، وحبها الصافي له؛ كانت تقف معه في السراء والضراء؛ حتى لو لم يكن الوالد منتبهاً لهذا الأمر، وأيضاً كانت الأم تتحمل ما يقوم به أبوه من إهمال، وقصور في دوره بالبيت.
وماذا عن الاهتمام الروحي؟
عند ما كبر الولد، وأصبح شاباً ناجحاً في دراسته، وبعد حضورالأب تخرجه في الجامعة، وحصول الابن على أعلى الشهادت، بدأ يدُّب الصراع بينهما، فالابن لا يريد اهتماماً مادياً، كل ما يريده الاهتمام الروحي، أي أن يكون الوالد أباً حقيقياً، روحياً ومعنوياً، يشغله الحنان؛ الذي فقده منذ وفاة أمه، ووالده استغلَّ نجاحات ابنه؛ ليزيد رصيده من الشهرة؛ لهذا أتت حادثة الانتقام بعدما عجز والده عن الحراك، وإهمال ابنه له، كما أهمل الأب ابنه في صغره، وهكذا تدور الدائرة ، فما تفعله الآن بوالديك؛ ستلقاه بالغد في أبنائك كما في الأثر.
حالة انتقام الأبناء نجدها منذ بداية تاريخ المسرح، أي من عصر الإغريق، اِبتداءً من رائعة “أوديب”، مروراً بالقرن السادس عشر، في مسرحية شكسبير “هاملت” إلى القرن العشرين، في مسرحيات متنوعة، يصعب ذكرها لكثرتها، ليس من ناحية تشابه الأحداث فحسب، إنما في فكرة الانتقام، أي (كما تدين تدان).
عنوان المسرحية “الأصل والصورة” أي الأصل هو الذي تمثَّل بالوالد من فعل، والصورة مجسدة في ولده؛ التي تكررت بفعل والده، فكما فعل الأب في الماضي، يقوم الابن بذلك في الحاضر، فهو صورة طبق الأصل، كان الأب لا يهتم بالبيت عند شهرته، فقام الابن كذلك بإهمال والده عند شهرته، والعنوان يذكرنا بنفس العنوان لمسرحية “أصل وصورة” المقتبِس منها كل من سمير خفاجي، ومحمد دوارة، وإخراج عبدالمنعم مدبولي، ولكن القصة والأحداث فيهما اختلاف عن بعضهما البعض.
المسرحية ناقشت قضية مهمة في الوطن العربي، وأصبحت متداولة في جميع المجالات التربوية، والأكاديمية، وتمت مناقشتها في الكثير من الندوات، والأبحاث، والبرامج؛ سواء التلفزيونية، أو الإذاعية وهو موضوع العلاقة ما بين الأب وابنه، خاصة موضوع الأب، وتسلطه وأنانيته، كونه مثالياً أمام المجتمع، بينما هو انتهازي في بيته، مع عائلته؛ لهذا تميزت المؤلفة في إثارة وتبيان هذا المسألة، وتسليط الضوء عليها.
أداء الممثلَيْن كان مميزاً، وشكَّلا ثنائيأً رائعاً؛ خاصة الأب الذي استطاع أن يؤدي دوره باقتدار في المرتين، مرة حين كان الأب بحالة سليمة، والأخرى حين أصبح جليس الكرسي، وكذلك الولد كان أداؤه جميلاً، وخاصة في المونولوجات، أو الحوار المباشر مع أبيه؛ حيث أتقن دور الابن المنتقم.
نهاية المسرحية كانت فكرة لافتة، فالمؤلف والمخرج صدما جمهور الحضور، الذين كانوا في حيرة وتفكير، هل انتهت المسرحية أم لا ؟، ولماذا جلس الابن على الكرسي المتحرك، هل هي دائرة تدور بين الآباء والأبناء من جيل إلى جيل، أم أن النهاية هي انتحار الابن، لما اقترفه من جريمة قتل والده؟
★ ناقد ـ الكويت.