مسرح

ندى مرجان: مسرحية “الناس اللي في التالت” تُكرِّم إرث أسامة أنور عكاشة، في مهرجان نقابة المهن التمثيلية.

ندى مرجان ★
بعد مرور أربعةَ عشرَ عاماً على وفاته، يتم  تكريم الكاتب الراحل أسامة أنورعكاشة؛ لتتسلم ابنته الدرع من فريق العرض ضمن الدورة السابعة للمهرجان.
يُعتبر أسامة أنورعكاشة، من أبرز كتَّاب الدراما؛ لقدرته على تصوير الحياة بشكل واقعي، والتركيز على العلاقات الإنسانية، والصراعات الاجتماعية، والسياسية، فاستطاع أن يجذب جمهوراً واسعاً من خلال أعماله؛ التي تُمَثِّل مرآة للمجتمع، ومصدراً للتفكير، والتحليل؛ مما جعل أثره يمتد عبر الأجيال؛ ليتم عرض مسرحيته (الناس اللي في التالت) من إخراج علاء الوكيل، ودراماتورج أسامة بدر، في حين انتهى من تأليفها عام 1992 تحت تصنيف دراما للمسرح في ثلاث فصول؛ لتقدم على خشبة المسرح القومي؛ ولكن الرقابة طلبت تأجيل المسرحية لعدم ملاءمتها للأوضاع حينها .



يؤكد المؤلف أن نصه يتعرض للفاشية؛ التي تضع نظاماً قاهراً مغتصباً للحريات، ويلقون كلمة الديموقراطية كما لو كانت نُكتاً، وهم يدهسون الحرية بأقدامهم، فالمسرحية كما أذاع مؤلفها في كتابه؛ تكمن بين الثابت والمتغير، فالثابت هو إدانة الفاشية؛ أما المتغير، فهوالإرهاب الذي ينمو كالنبات السامِّ في ظروفٍ ملائمة. 

 
ففي ليلة وضحاها يتفكك شمل أسرة مصرية؛ تمثل الطبقة المتوسطة؛ حيث يعيشون في شقة في الطابق الثالث، واختيار “الطابق الثالث” له أكثر من دلالة رمزية؛ حيث يعكس حالة الطبقة المتوسطة؛ التي تجد نفسها عالقة بين الطبقة العاملة، والطبقة العليا على هامش التطور الاقتصادي، أما على المستوى السياسي، فالطابق الثالث يرمز إلى بلاد العالم الثالث.
ولكن للمخرج علاء الوكيل، وجهة نظر أخرى؛ حيث تبنَّى الجانب الإنساني فقط في عرضه، مما أتاح له تعميق الشخصيات مبرزاً مشاعرها، ودوافعها بأسلوب يجمع بين السخرية والواقعية، فالمسرح بالنسبة له وسيله لفهم الذات والآخر، واستطاعت كل شخصية أن تُعبِّر عن ذاتها في أداء منفرد؛ لتميز الأداء التمثيلي، ورسمت الأزياء، والمكياج الملامح الخارجية للشخصيات؛ لتناسب فترة الثمانينيات والتسعينيات، واقتصر الديكور على بلكونة، وصالة تضم أثاثاً، يعكس مستوى معيشي متوسط، وصورة لرب الأسرة المتوفى.
تبدأ الاحداث باقتحام المباحث للشقة بغرض التأمين لموكب سياحي في زيارة لمصر، وكانت تلك الليلة، ليلة زفاف الابن الأكبر (سعيد)، حيث تعيش الام وابناؤها، وزوجة ابنها، والشغالة، والجار معاً في شقة ضيقة مما يوضح تدهور الحالة الاقتصادية للأسرة المصرية، ويُعبِّر عن مدى عجز الابن الأكبر سعيد، في الحصول على شقة يستقل فيها.
ومن بعد الانتهاء من تفتيش الشقة؛ يحين وقت التحقيق والتفتيش في النفوس، لنتوصل من خلال الحوار إلى أن زواج (سعيد) من (منال)، ليس سوى وسيلة رخيصة للوصول إلى منصب أعلى، وأن الزوجة على علاقة برئيسها، وخطيبها السابق، تتعدى حالة الحب إلى حالة التورط مما يجعله يصفعها على وجهها صفعة موجهة لذاته في الأصل؛ حيث إنه كان يعلم بتلك العلاقة؛ ولكنه لم يتحمل مواجهة المرآة التي تعكس دناءته.

فالتدهور الاقتصادي يكمن في انحطاط القيم الأخلاقية، ذلك الانحطاط الذي يمتد ليشمل الابن الأوسط (وحيد) الشخصية الديماغوجية، الذي  يسافر إلى الخارج واعداً إخوته بأنه سيرسل لهم مصاريف ما يلزمهم؛ ولكنه لا يفِ بوعده؛ بل يعود بعد تسعة أشهر، معترفاً بأنه احتال على المصريين بالخارج، وسلب أموالهم؛ بل إن حصوله على ثمن تذكرة السفر، كان نتيجة احتياله على خطيب أخته (رباب) العانس كما يطلق عليها المجتمع، فهي تؤجل زواجها من إبراهيم، زميلها في مكتب البريد؛ كي يجمعا معاً نفقات بيت جديد، وعفش جديد حارمة نفسها من الاستمتاع بالحياة؛ حيث عَبَّرت عن حالتها في مونولوج قصير.
وهذا الجانب الاحتيالي لشخصية وحيد، لا يقف عند سلوك الشخصية؛ بل يتعداه في قدرتها على إقناع الآخر، بأنه مخطئ، ومن ثَمَّ ينبغي عليه تأنيب ضميره، وهو ما يظهر في حوار الأم مع وحيد، حين تعرِّيه أمام ذاته، كاشفة له حقيقة أمره في أنه على علم أنه لا يوجد علاقة بينها وبين الجار مهيب، ومع ذلك يظل ينظر إليها على أنها مذنبة ينبغي أن تطلب منه السماح.


أما شخصية (هاني) الابن الأصغر، قعيد الكرسي، رومانسي، عاشق للتمثيل، فإنه يتهم أمه بالإهمال، وأنها السبب في إعاقته، وكان لتلك الشخصية مشهدٌ يدل على مدى خيالها؛ حيث استطاع أن يستعيد قدرته الحركية بشيء من الخيال؛ متذكراً كيف كان يريد أن يحلق كالحمامة؛ ولكن الألم الذي ترتَّب عليه كان أكبر من خياله، وهو أكثرهم حناناً على (وفية) الشغَّالة، الشخصية التي تبلور مفهوم الظلم؛ حيث تكشف السلطة أنها ابنة شرعية للأب المتوفى (يوسف)، وأنها المالكة الفعلية للشقة، وكان الأمر لا يعلمه سوى (مهيب) الجار الذي يبيع شقته؛ ليعيش في حجرة صغيرة مع تلك الأسرة، بدافع وفائه لـصديقه، ومن أجل إعانة الأم الأرملة؛ ولكن التفتيش كشف الحقيقة من خلال البحث في الأوراق الرسمية.

أما الأم، فهي الشخصية المحورية؛ ذات الرداء الأسود حداداً على زوجها المتوفى، وحال أبنائها، وأنوثتها التي تخلَّت عنها في سبيل تربية الأولاد، وحالها حين اكتشفت خيانة زوجها لها.
فالعرض ينطبق عليه قول أرنست فيشر: ليس وظيفة الفن أن يدخل الأبواب المفتوحة؛ بل أن يفتح الأبواب المغلقة.


★ناقدة ـ مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى