قصة

شيماء مصطفى: “الغزالة” لأميمة الخميس..الحياة أنثى.

شيماء مصطفى ★

تشكل المتن السردي للمجموعة القصصية (الغزالة) للكاتبة السعودية أميمة الخميس، الصادرة عن دار المدى للنشر والتوزيع من ١٧ قصة متنوعة بين القصيرة والقصيرة جدًا، من خلال92 صفحة، جميعها صنفت على حد وصف أميمة الخميس « نصوص خرجت من كهف العزلة»

وحملت عناوين: الغزالة، اللد في الخصومة، أوبة الروح، ازدحام، l1، القط، المشهد، أمي الغولة، الدلافين، عنوان منال، اللعبة، رچيم، خارطة الينابيع، رحلوا الطيبين، الشيف، الأذن، قلائد الجمان وفرط الرمان في ليالي رمضان» وجميعها اشتركت في عدة محاور كقصر العنوان والحبكة المركزية، باستثناء قصة قلائد الجمان وفرط الرمان في ليالي رمضان التي تعد الأطول من حيث طول العنوان والحبكة حيث تفرعت القصة الواحدة بأكثر من ٢٥ عنوان فرعي.

تنوع ثري وحبكات متقنة

بنكهة رمضانية امتزجت فيها الروحانيات بالخوف من وباء كورونا المستجد، كتبت قلائد الجمان وفرط الرمان في ليالي رمضان، وقد أكد طول العنوان والسجع به على تأثرها بالتراث العربي والغربي والطقوس المطبخية، أما عن القصة نفسها وهي الأطول في المجموعة قد حملت عدة عناوين فرعية متوالية وهي : الأسد، قطائف ولطائف وصحائف، جنيتي الطيبة ، قرابين تحملق في الأبدية، قضمة غيرت دراما الكون، الوصلة إلى الحبيب في وصف الطيبات والطيب، شعب من الأمهات، الجدتان، زنود الست ، البجعة، القدر/الجسد، خارطة النكهات، فخاخ العشاق، النهر، القهوة، بيت الدمية، السيدة طنجرة والآنسة مغرفة، الصديقات، القاضي المستتر، قمر الدين، يا أيها النمل، رواق العزلة، ليلة التشيز كيك، باشا، يوم العيد.

وقد بدا تأثرها بالحضارة الإغريقية والميثولوچيا حين لجأت بطلة القصة إلى الإلهة أثينا وهي إلهة الحكمة والقوة وإلهة الحرب وحامية المدين، لجأت إليها لتسعفها في الليالي الرمضانية نظرًا لضيق الوقت وتعدد التكليفات، لم تكن المساعدة هذه تتعلق بالشؤون المنزلية، بل في المهام الكتابية، التي توكل إليه، فالكتابة من منظورها هي الخلاص، والحرية من سجون الوحدة.

الانتصار للمرأة 

حاولت أميمة الخميس من خلال بوحها الانتصار للمرأة من عقدة الذنب التي تلاحق بعض الأمهات وكأنهن مقصرات في حق أسرهن وصغارهن، حين ينتصرن لأنفسهن بالكتابة، فالمرأة ممزقة بين إدارة شؤون بيتها ورعاية صغارها وبين ما تحب، ولهذا جاهدت في خلق توازنًا بين تطلعاتها الشخصية ومتطلبات الحياة الأسرية، مستشهدة بقول أدونيس: « هذا العالم سجن، ومهمة الفنان الأولى هي تقويض جدرانه».

فالرغبة في الإخلاص للكتابة، والتأرجح بين الذات والآخر، والأمومة وتعقيداتها، تلك المشاعر التي إذا استحوذت على الكاتبة ستلتهمها. ولهذا جعلت المطبخ والأعمال الروتينية التي تضجر منها النساء، ملهمة لها.

« اخترت أن أدخل المطبخ بهيبة الآلهات الشامخات، المكللات بعصائب الفيروز والياسمين.»

« سأنحي التصورات الذهنية النمطية، والشعارات المغطسة، بتفسيرات الفكر النسوي، التي جعلت من المطبخ المنفى الأزلي للنساء»

كما تطرقت إلى قضية هامة تمس الروح لدى الكتَّاب، والكاتبات وهي ضرورة ألا تكون الروح مثقلة بأحكام جاهزة، فالخوض والتجريب بجرأة سيمنحان صاحبهما الخلود.

الرياض بؤرة مركزية للنصوص:

مزجت أميمة الخميس ببراعة خطوطها السردية المتسمة بالعمق بين العلاقة بين الكاتبة والطبخ والوحدة من خلال عرض بعض النماذج عن الكاتبات كفيرچنيا وولف، وأليزابيث ألليندي دون أن يؤثر ذلك على البنية الأساسية للنص، فالمطبخ مدرسة روحانية تعمل أفرادها الصبر والتبتل ومجاهدة النفس.

ومدينة الرياض النجدية -نسبة إلى هضبة نجد- وسط الجزيرة العربية، تسلل لها العالم من خلال بوابة المطبخ، فالعالم يتكون من شعوب عديدة، ولكل شعب عاداته وتقاليده في المأكل والمشرب والملبس، فمثلما تعبر الفنون عن قيمه، ومثلما تعبر اللغة عن هويته، يعبر الطعام عن هويته، وحين تزخر المائدة الرمضانية بألوان مختلفة وشهية من الأطعمة الشرقية والغربية تذوب الفوارق، وتتوحد الشعوب، وتتقابل الحضارات.

« كنا نتسع ونتلاقح حضاريًّا عبر بوابة الطبخ»

« سر الطبخ هو العزف على بيانو الذاكرة، كلما تقربت من نوتتها الأصلية، كلما نجح ذلك في الاستدعاء»

تعاملت أميمة الخميس مع المطبخ كما لو كان نصًا مضمرًا، فهو حافظ السلالات، وميزان تحديد الطبقات الاجتماعية.

استخدمت الخميس في بعض أجزاء النص اللغة التقريرية لإقناع القارىء متتقلة بين الأساليب الخبرية والإنشائية بمزج ثري لثقافتها العربية والدينية مع الثقافة الغربية والإغريقية.

كما ساهمت أدوات الربط في تحقيق الترابط والتماسك بين الفقرات و تضمن الانسجام بين الجمل، وما تحمله من دلالات جزئية، كما يسر تلقي النص بسهولة.

اعتمدت الكاتبة في هذا النص على التسلسل والتدرج من خلال طرح الإشكالية والتعريف والشرح والتحليل والمناقشة واستنتاج، مما يجعل القارىء يشعر وكأنه أمام نص متكامل على المستوى البنيوي والدلالي.

وتناولت الأزمة الاستهلاكية التي اختزلت المطبخ وحولته من حكاية نسوية تاريخية قديمة إلى مهنة ربحية تدر على صاحبها المزيد من الأرباح بحيل ترويجية زائفة عبر برامج الطبخ.

وبشفافية شديدة تقر وتجاهر بكرهها للطبخ وهذا لا يعني أن المجاهرة هذه تنتقص من الأنثى، ولا تقلل من الأمهات اللائي يقبلن على الطهي بشكل يومي، ولكنها في شخصيتها أقرب لجدتها النجدية التي تجيد الشعر.

وعن التشبيب (الغزل) فاعتبرته من متلازمات الفروسية التي تضمن بقائه، فقد نسجته بالمطبخ وفنونه، ساردة لبعض الوقائع من التراث الوثني التي جعلت من الطبخ وسيلة لربط المرأة بعشيقها.

 لم يكن فخاخ العشق التشبيه الوحيد للمطبخ بالنسبة لأميمة الخميس، فقد أطلقت عليه أيضًا بيت الدمية؛ فهو من منظور البعض كما تقول:

« الكد المهدور، والتعب غير المحترم»

فقليل من يلتفت إلى الجهد الذي تبذله المرأة في المطبخ، أو في غسل الأطباق، فكثيرًا ما يقابل هذا الجهد بالتقليل.

وفي قصة الغزالة لعبت دور المتلصص على زوجين في بداية حياتهما الزوجية متنقلة بين ثلاثة أطوار لعلاقة الرجل بالمرأة، وحين ينتهي بهما المطاف لاستكمال الزواج حفاظًا على الشكل الاجتماعي فقط ، لتقودنا نحو تساؤلات عدة: أين يذهب الحب بعد الزواج، ولماذا تتلاشى غزالة الحب، وهو اختيار موفق كون الغزال حاضر في الموروث الأدبي القديم خاصة عند الشعراء، وفي العصر الحديث أيضًا.

« سيختفي شعاع الضوء المتماوج بين فرجات التصاقهما، والذي كان يضيء للغزالة دربها نحوهما، وفي الظلمة ستتربص بالغزالة الصقور والسباع والضواري، أما هما فسيبقيان متجاورين بلا غزالة»

وفي نصها اللدد في الخصومة استطاعت أميمة الخميس من خلال التكثيف الشديد، التأكيد على استمرارية الصراع بين آدم ونسله وإبليس اللعين، نافية عن حواء التهمة التي التصقت بها لقرون عديدة، والمتمثلة فى تحريضها لآدم، فحواء عند أميمة الخميس ليست طرفًا في الخصومة، ومنتصرة لتكوينها البيولوچي والفسيولوچي، فالحياة أنثى ، والذكر طين.

« فذاك خلق من طين، والآخر من نار، بينما هي وحدها التي خلقت من ضلع مادة الحياة المباركة».

وفي قصة (أوبة روح) واصلت أميمة الخميس بوحها الأنثوي عن العواقب الوخيمة للتواجد بوسط ذكوري وإحكام السيطرة للدرجة التي جعلت الروح تقبع في مكانها عاجزة عن التحرك

« ظلت تنتظر مشارف الفجر، وأوبة روح أبي، أو أيًّا من أرواح ذكور العائلة، ليأذن لها بالتجوال»

 وفي نص (القط) رغم قصره إلا أنها برعت في تصوير ألم الفقد والتجاوز.

موجهه لأولئك الذين يسخرون من حميمة العلاقة بين بعض البشر وحيواناتهم الأليفة، فكان النص بمثابة صفعة لهولاء.

وفي نص (أمي الغولة) برز التأثر الواضح بالتراث والأساطير العربية القديمة التي تتسلل للصغار عبر الجدات والأمهات، ورغم أن الصغار مع الوقت يدركون حقيقتها إلا أن الخوف يبقى عالقًا في مكانًا ما بالذاكرة منتظرًا لحظة إثارة، وهذا ما تأكد أيضًا في نص l1.

«تنظرني في حقل الأحلام الشرقي»

الولع بالتراث 

تنم المجموعة عن ثقافة لا نهائية، ووعي كامل بالتراث والأساطير العربية والإغريقية، فضلًا بالتنقل بينهما بسلاسة لخدمة النص، فلدى وعي عقلي وفكري كامل لدعم نزعتها التوفيقية، ورغم وجود بعض الهنات كالإسهاب في التفاصيل التي قد تصيب القارئ بالملل أو بعض المفردات التي قد تحتاج لقاموس كي يعرف معناها إلا أن الكاتبة سرعان ما تعيده للنص حين يتلامس العمل مع حياته الخاصة.

أميمة الخميس.

 للكاتبة أميمة الخميس عدة أعمال أدبية منها: زيارة سجى، البحريات،فراس الأسد الشجاع، سارق اللون،لأنك بنت.


★سكرتيرة التحرير.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى