رأي

د. سعداء الدعاس: قدساوية وعرباوي!

د.سعداء الدعاس★

حين قرأتُ قبل أيام قليلة خبر اقتناص نادي القادسية الكويتي “كأس الأمير” لعام 2024، اِبتسمتُ وأنا أتذكر مراهقتي المختلفة عن قريناتي، ومن ثَمَّ التحول الذي طالني بفعل القراءة التي رسمت لي مسارات مغايرة لاهتماماتي المعجونة بكرة القدم، لدرجة اعتقادي حينها بأنني لن أتزوج من (عرباوي)!

هكذا صوّرت لي سذاجتي، حين كنت لا أتجاوز الخامسة عشرة بعد، (قدساوية) متعصبة، أحفظ نقلات عبيد الشمري، وتكتيكات محمد إبراهيم، وحمد الصالح، وأهداف مؤيد الحداد، وتاريخ فيصل الدخيل، وجاسم يعقوب… وأكره اللون الأخضر.

في أحد أيام الحماس تلك، عقب فوز نادي (القادسية) على غريمه النادي (العربي)، حكت لنا إحدى زميلات الدراسة أمتع أوقاتها عند متابعة مباراة (القمة) في منزل أختها القدساوية وزوجها العرباوي، يومها فززتُ من مكاني، وأعلنت لطالبات الفصل استحالة اقتراني بـ (عرباوي)… قاطعة وعداً لا رجعة فيه!

اليوم حين أتذكر ذاك الوعد (الساذج) أضحك من أيامي البريئة تلك، وأسعد بأني تخلصت من هوس التعصب باكراً، بعد أن شذبتني القراءة تدريجيًا، ومن ثَمَّ سحرتني الفنون المرئية، إلى أن غرقتُ في زحام المعرفة بكل أشكالها.

تبدلت اهتماماتي الرياضية بأخرى أمتع، أقضيها في أحضان رواية تحملني إلى عوالم جديدة، تمنحني تجارب مجانية، وفرحة أولى بكلمة عشق يتقنها كاتب عظيم، يعرف أن الغواية قد تسكن شوارع مدينة، وحكاية يكتنفها الغموض.

بعد سنوات تزوجت بحبيب تجمعنا الاهتمامات ذاتها، تشغلنا العروض المسرحية بهالتها المقدسة، وتأسرنا الروايات بعوالمها الممتعة، والقصة باقتضابها الآسر، فنقضي ساعات طوال نتأمل فضاءً مسرحيًا يلتهمنا بشيفراته، ونتغزل بإبداع كويلو ومياس، وننبش ذاكرة ماركيز، أو نختلس نظرة مشحونة بالخجل بعد الإبحار في جرأة ماريو بارغاس يوسا… ونسيت أن أسأله في لحظاتنا المشتركة تلك عن انتمائه الرياضي السابق.

بعد مضي سنوات على زواجنا… ومحض مصادفة، ونحن نشاهد إحدى مباريات كأس العالم – النافذة الرياضية التي مازلنا نحافظ عليها، ونستمتع بها- تذكرتُ أبطالي (الصفر) القدامى، سألته: “قدساويًا أم عرباويًا كنت؟!”.

كانت صدمة حين راح يحكي لي عن شغفه القديم.. حماس دثر تقاطيعه، أخبرني كيف كان “الخُضر” النَّفَس الذي يحيا به… عرباويًا متعصبًا، مخلصًا لناديه، لم يفوّت فرصة واحدة لتأييده على أرض الملعب… ولم يبعده عنه سوى عشقه للكتاب الذي انتشله من بين جموع اعتادت رهن حياتها لكرة لن تستقر يومًا.
اِستمعت لذكرياته تلك.. بابتسامة حملناها كلانا، ونظرة أدرك هو مغزاها، لأكتشف عندها أنه أيضًا لم يكن يتصور ارتباطه بـ (قدساوية).


★مدير التحرير.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى