رواية

شيماء مصطفى: “سرقات صغيرة” لطالب الرفاعي.. بين الانتقاء والكشف.

شيماء مصطفى ★

أن تنبش داخل المجتمع الخليجي، تتوغل داخل قضاياه، تتشبع بتفاصيله،  لتقتنص ( سرقات صغيرة)    بعدة خيوط سردية، لتخرج عن دار الشروق في ثوب قصصي لقضايا اجتماعية مازجًا فيها طالب الرفاعي  بين دور الكاتب والناقد، معتمدًا على السرد المكثف والموضوعية للوصول إلى غايته.

16 قصة تشكل المتن السردي لسرقات صغيرة : (ابتسامات، برواز، فووووق، سالم الصغير، جدار, غرفة خانقة، جناح ملكي، سرقات صغيرة، بالونات، ذبابة، خاتم، عطر الليمون، المدير العام، رمي الكلام، ستائر، الكلب»

ابتسامة المسؤول

 استهلتُ المجموعة  بقصة(ابتسامات)، حاملة في متنها  عدة تأويلات متباينة في الدلالة للابتسامة الواحدة من البراءة إلى التهكم والسخرية ، من التناقض البشري الفج بين القول والفعل، بين الحقيقة والإدعاء في نقد لاذع لهولاء الأشخاص.

« كثيرون يكرهون المسؤولين، وربما تمنوا زوالهم،  ولكنهم يحسبون ألف حساب للفوز بابتسامة منهم»

علاقات مؤطرة

في قصة( برواز)  ثمة تداخل متقن بين الواقع والرمز، فاللوحة التي تعبر عن حال رجل وامرأة ولحظة حب خاسرة، أحدثت نوعًا  من الإسقاط على وضع سوسن وفهد، وإفساد اللحظات السعيدة التي يعكر صفوها صغائر الأمور، فتركت سوسن الكوب الممتلىء والمتمثل في اللوحة الثمينة لتمسك في إضاءة صاحب المحل، مثلما تنظر إلى اللحظات الحميمية على أنها كما وصفت اللوحة « لا شيء امرأة ورجل ولحظة عري»

وما رغبة فهد في وضع اللوحة بغرفة نومهما  إلا تأكيدًا على ذلك، وكذلك حين اعتقد أنها من اشترت اللوحة ظنًا منه أن كل شيء سيصبح على ما يرام، ولكنه يتفاجأ من حديثها مع صاحب المحل حين ذهبا معًا لشراء البرواز، فالعلاقة بينهما مؤطرة كالبرواز.

شخصيات بالونية

في قصة (فوووق ) شكل طالب الرفاعي تداخلًا متقن بين بالون ابنته سارة الذي تلهو به في سعادة وتدعو أمها وأبيها لمشاركتها، وبين الشخصيات البالونية فمثلما ينتفخ البالون بغازي الهيدروجين والهيليوم، والشخصيات البالونية الخاوية  التي تدعي الثقافة رغم ما يملأها من خواء، ومثلما أبسط آلة حادة كالدبوس  يمكن أن يفتك بالبالون، فإن الشخصيات البالونية أقل نقاشًا يفضح خوائها الداخلي ، فجاء الحوار فاضحًا.
« كان يجلس متحفزًا لا يمل الأسئلة، وفي المرات الأخيرة سار كباقي المجموعة يأتي حاملًا حاسوبه الشخصي، مبررًا «أتعلم البرامج ومواقع الإنترنت» فبعض العلاقات دواء شافٍ وبعضها سموم.

الموت الصغير

بالانتقال لقصة (سالم الصغير )ثمة صراع نفسي شهير يُعرف بصراع الإقدام والإحجام، متمثلًا في رفض الجد وبشدة لأي مظهر من مظاهر الاحتفال بعيد ميلاده، وعدم رغبته في النوم معتقدًا أن النوم الموت الصغير،كنوع من التشبث المضمر بالحياة، ولكنه في الوقت ذاته أتى الصغير سالم متجاوزًا الخطوط الحمراء، مهنئًا للجد بعيد ميلاده، فذابت المسافات الثلجية .« وحده تذكر عيد ميلادي».

الضحية

في تكوين فانتازي مدهش شكلت قصته ( الجدار) ثنائية الجدار والنخلة، الإيلام المتعمد للآخر، واستنزافه للحد الذي يقوده الكبت إلى الانتحار في إسقاط واضح على أولئك السيكابوثيين المتلذذين برؤية الآخر في معاناة، فالجدار الذي قرر السقوط هو الضحية التي افترستها أنياب المفترس.
« انغرس بعض شوكها خادشًا وجهي».

ثنائية السكرتيرة والمدير

أما عن (غرفة خانقة) فقد اتسقت مع الجدار في التوجه نحو الرفض  والتجاهل، ولكن دون الحاجة إلى الإسقاط،  كما تطرق للوضع الاستفزازي بالنسبة للمجتمع المحافظ عن علاقة السكرتيرة والمدير،  ولكن السكرتيرة تحسمه:
«أنا أحب زوجي وهو يثق بي».

النفس البشرية

وفي (جناح ملكي)، توغل داخل المجتمع الخليجي،كاشفًا عن هيمنة المظاهر على حساب النفس البشرية، مشيرًا من خلال السرد إلى فردية تلك الممارسات.
«منذ يومين وأنا أسعى لتجهيز الجناح الملكي».


عوز وحاجة

وفي (سرقات صغيرة) والمعنونة للمجموعة، فبعض السرقات مباحة، كاختلاس النظرات واللقمات، وفي النص القصصي أيضًا يكشف الجانب الآخر لمعاناة بعض أبناء المجتمع الخليجي في العوز والحاجة، وبتحول درامي مبرر يتغير الحال بعد سنوات عجاف من الكد والشقاء للبطل.
«  على جدران غرفتنا الطينية»

أشخاص كالبالونات

أما في (قصة بالونات) فيتساءل  الرفاعي لماذا ينتفخ بعض الناس كالبالون؟ وينبثق تساؤله هذا من رغبة حقيقية لمعرفة أسباب هذه الآفة التي انتشرت في المجتمع بشكل ملحوظ.

وفي جرأة تحسب للبطل في قصة (المدير العام)  استخدم دلالية الأسماء لبيان موقفه من الفساد، وحتمية دحض الباطل بالحجة، فيتطرق للمسكوت عنه.

«التاريخ يقدم المواعظ، والتجارة تقدم وجع الرأس»
وعن استغلال السلطة لتكميم الأفواه وإحكام السيطرة على الأخر.

كلب حراسة

جاءت قصة (الكلب) بمفارقة بين وفائه وشراسته، حيث استغل صويلح منصب والده لترهيب الصغار، وقد لجأ الرفاعي إلى دلالة الاسم ليس على مستوى المفارقة وحسب، بل على المستوى الصرفي والبنيوي بالتصغير (صويلح) فهو صغير السن، والاسم والشأن.
«وجود الكلب ربط أرجلنا»

« وحده صويلح المنبوذ، يستمتع، يحتمي بكلب الحراسة أمام منصب والده».

توغل سردي

باتباع المنهج التحليلي للمجموعة القصصية (سرقات صغيرة) عدة خطوط سردية تقاطعت في بعض النقاط، فنجد الخاتم، وسرقات صغيرة، وجناح ملكي، وسالم الصغير رغم تباين المستوى المادي للشخصيات إلا أن بر الوالدين حاضر حتى لو كان البر من ابن فقط.

أما في (المدير العام)، (بالونات) (ابتسامات)، (فووووق)  (الكلب) في تصدر الشخصيات البالونية غير المؤهلة للمشهد.

وعن (برواز) و(جناح ملكي)، و(ستائر) و(ذبابة)  فقدتضمن المتن السردي لهم نقدًا للمجتمع الاستهلاكي المهتم بالمظاهر على حساب الجوهر.

أما (الجدار) و(غرفة خانقة) و (رمي كلام)  فقد  رصد  الوحدة والتجاهل بشكل امتزج فيه الواقع والفانتازي بصورة مؤلمة.

طالب الرفاعي.

القبح والجمال

المتتبع للبناء السردي في سرقات صغيرة، سيجده ممنهج بموضوعية شديدة، متنقلًا بسلاسة بين الشرائح المجتمعية بمختلف طبقاتها، كاشفًا عن القبح مثلما يكشف عن الجماليات،  كما مثلت المجموعة نموذجًا حيًّا للتحول الذي مر به المجتمع الخليجي في الانفتاح الاقتصادي.

كما ستجد طالب الرفاعي مؤمنًا بضرورات الصياغة الفنية التي تغير من الواقع ، الأمر الذي يحول دون مطابقة الحكاية للواقع من خلال إحكام السيطرة على النصوص، وهذا لا يتعارض مطلقًا مع كون النصوص مستمدة لأبعادها الدلالية من تعمقه في الثقافة المحلية.
وبالنسبة للحوار بين الشخصيات فهو  مقتضب، وقد نبع الاقتضاب من شعورهم بالخوف، فلم يشكل البوح الملاذ الآمن على العكس، فقد يزيد من التورط.

أما الخيال  والاستعارات رغم فناتازية بعض القصص إلا أنه كان نادرًا كونه يناقش قضايا اجتماعية


★سكرتير التحرير.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى