مسرح

ريم ياسين: كريمة بدير..تزرع الإنسانية في قلوب السفاحتين “ريا وسكينة “!

ريم ياسين ★

في ظل إحياء الأشكال التراثية، وما تحتويه الثقافة المصرية من حكايات شعبية، تعود علينا فرقة “فرسان الشرق” على خشبة مسرح “الجمهورية”، بعرض “ريا وسكينة ” من إخراج “كريمة بدير”، التي روت لنا القصة ممزوجة بأجواء من الرقص المعاصر؛ ولكن هذه المرة؛ نرى الرواية من خلف “برقع بديعة”.

كيف بدأت القصة  من النهاية؟

بمجرد قراءة عنوان العرض؛ نستحضر في أذهاننا الزوايا التقليدية للرواية الخاصة بأهالي اسكندرية، وأكثر سيدتين أثارتا الرعب “ريا”، وشقيقتها “سكينة”؛ ولكن بإمعان النظر في العرض، الذي يبدأ بموسيقى “الزار” لوضع المشاهدين في أجواء القصة؛ تُفتح ستارة المسرح بجزء بسيط كاشفة عن حبل مشنقة، يتحرك ذهاباً واياباً، مع إضاءة خافتة؛ لإضفاء هذا الشعور من الشجن المصحوب بالعرض.
اِعتمد العرض على تقنية “الفلاش باك” من ضحايا “ريا وسكينة”، باستعراض متراوح بين الجرأة والإبداع، والذي يحمل بداخله قهر النظرة الذكورية للنساء، المتمثلة في الضحايا اللواتي خسرن زهرة شبابهن، بالإضافة إلى الممارسات السلبية تجاه حقوق للمرأة، وهنا؛ وبإضافة الإضاءة الزرقاء للدلالة على الخيال واللاوعي، جاء “نابش القبور”موجها حديثه لجثث الضحايا ” أصل الحياة إنتوا…إنتوا الحقيقة”


الأحداث والعنصر الحواري  

يقل دور الحوار في العرض، حيث ترتكز رؤية المخرجة “كريمة بدير” على العنصر البصري للمتلقي، واستهداف الاستعراضات الراقصة، والأداء الجسدي للممثلين، في محاولة لمزج الرقص المعاصر مع الشرقي، كذلك اعتمدت على بعض الحركات المتناغمة، والأداء المنسق في الرقصات الجماعية،  وهذا ما دعم الجانب التعبيري والتخييلي، وتثبيت الصورة المعروضة في ذهن الجمهور، ومع استمرار تسليط الضوء على الماضي، والذي ينتج عنه تلك التغييرات في كل شخصية ، فثيمة القتل هنا معنوية، وليس مادية، وهو على صلة وتشابه كبير بينه وبين القتل النفسي والاستبداد، الذي تتعرض له النساء في المجتمعات الشرقية، بما يؤدي بهن إلى قسوة تلك النهايات.

الرواية بعيون “بديعة”

كانت “بديعة” بمثابة النقطة المحورية في العرض، ففي البداية تسرد الأحداث من وجهة نظرها، ورؤيتها للعالم الذي صنعته لها “ريا وسكينة”، مما أدى إلى قضاء حياتها في أحد الملاجئ، واستُخدم هذا العنصر بالتحديد لدفع الأحداث، وإثارة انتباه العقول، بمتابعة المتلقي للتغيرات التي طرأت على تحويل شخصية من الطفولة، وصراعها الفكري حول تناقض الخير والشر، والحياة والموت؛ لنكتشف تحولها إلى قاتلة في النهاية، من خلال حوارها بطريقة مكثفة مع “نابش القبور”، وهذا التحول كان بمثابة التحرر الذاتي ضد ظروفها الاجتماعية المفروضة عليها.


ولزيادة جرعة “التشويق” جعلت المخرجة نهاية هذه الشخصية مفتوحة، فلم نعرف حتى الآن؛ إن كانت توفيت في الحريق، أم عاشت متخفية بأسرارها عن أنظار المجتمع!

اِعترافات متناقضة بين “ريا وسكينة”

من ضمن عناصر المعالجة المسرحية المختلفة للمخرجة “بدير”   عدم توجيه الأضواء على شخصيتَي “حسب الله ، و”عبد العال”، بل التركيزعلى فكرة تحول “ريا وسكينة” إلى عصابة مهددة للنساء، من خلال خلط اعترافات كلٍ منهما مع عدد من الاستعراضات؛ لتضيف نوعًا من عناصر الرمزية والحيوية للعرض المسرحي، وذلك؛ لتخفيف الحدة من المونولوج المعروض، فظهرت “سكينة ” في دورها الأنثوي، والمصاحب لعرض اعتمد بشكل كبير على الفلكلور المصري، والرقص الشرقي، وعلى النقيض جسدت “ريا ” عرضًا يدل بقدر كبير على القسوة والحقد المتملك منها، وذلك من خلال رقصة معاصرة تركز على إظهار قوتها الجسدية، والسلطة النابعة منها، كما هو مذكور في المقال أعلاه من حيث الاستعراضات، فأستلهمت العديد منها من التراث الخاص بمدينة ” الإسكندرية”، وأهل الجهة البحرية، بالإضافة إلى شخصيات الصيادين، التي تملؤها البهجة والألوان، وتلك الحيوية التي تشتهر بها، في ظل الحالة المتذبذبة لـ “بديعة”، وهذا الطابع الإجرامي الذي اتصل في الأذهان الاجتماعية، كونها من تلك الأسرة المهددة للعدالة.


فقرات نصية داخل السينوغرافيا

لاستكمال هذه اللوحات الفنية، التي تتحرك أمامنا بتسلسل الزمن الماضي، كانت السينوغرافيا؛ هي الداعمة لتلك اللحظات الفنية؛ ولكن جاءت المخرجة ” كريمة بدير” بكادرات مختلفة؛ حيث أدخلت الفقرات النصية لـ ”بديعة” بطلة القصة  مع التصوير المسرحي والموسيقي للاستعراضات، مثل: (صوت البحر، و الصراخ) التي يتم سردها في مواجهة الجمهور، لتحريك  مشاعره في الرؤية المعروضة، وربط ذهنه من خلال هذه الألحان، بتلك الحالة التراجيدية المعاشة، وتعميم فكرة العرض عن قهر المرأة ؛ ليتخطى الحدود المحلية للإشكالية في مكان، و زمان مختلفَيْن، بأن أوضاع النساء لم تشهد تطورًا كبيرًا منذ ذلك التاريخ ، وبعد مشهد الإعدام يرتدي الممثلون اللون الاسود، الذي يوحي بالتهديد، والخطر للشخصية، و ينتج عنه تحول” بديعة” إلى قاتلة بعد تشبعها بصفات الطفولة و البراءة.

عرض “ريا وسكينة للمخرجة “كريمة بدير”، يمثل حشدًا للزمن التاريخي، وتقديمه في زمن معاكس، مع تقريبه من الواقع،   واختزال معاناة النساء في أزمنة مختلفة، وانعكاس هذه السلبيات على الأجيال القادمة، فهل مازلنا أمام  سفاحي الزمن المعاصر؛ لينضموا إلى سفاحات الماضي؛ اللواتي تزعمتهن “ريا وسكينة”؟


★طالبة بقسم الدراما والنقد المسرحي -جامعة عين شمس -مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى