منيرة العبد الجادر : يموت “الجزار” حين لا يتذكره أحد !
منيرة العبد الجادر ★
اِختلفت مقاييس المسرح الجماهيري بطريقة ملحوظة في الوقت الحالي؛ بحيث أصبح مرجعه يتجه إلى النصوص، أو العروض النخبوية؛ التي بثت فيها الروح عبر تقديمها للمسرح الجماهيري بشكل متطور، مثل مسرحية “الجزار”؛ التي عرضت من ذي قبل في مهرجان المونودراما بدورته الثانية، وأعيدت للجماهير بأسلوب مختلف بملامح بريختية.
لم نعرف السر!
نستشف من العنوان أن “الجزار” هو الشخصية المحورية المتسببة بالدمار والقتل، وفي ذات الوقت يخفي سر “عظمة بيت اللوح”؛ الذي لم ينكشف حتى نهاية العرض، ونعتقد بما أن المسرحية تدور أحداثها بزمن قديم؛ فلعل السر يكون من الخرافات الشائعة؛ لأن شخصية “نطاح” المقاربة لسن “الجزار” يبدو أنها على دراية بمعنى هذا السر؛ بينما أبناؤهما لا يعلمون شيئًا.
توظيف الممثل
اِستخدم المخرج فكرة توظيف الممثل “عبد الله الخضر” في دورين “الجزار”؛ الذي توفي بالسجن بنهاية الفصل الأول؛ أما الفصل الثاني، فلعب “الخضر” أيضاً شخصية “ابن الجزار”؛ ليكمل مسيرة والده بعد مرور سنوات؛ من وجهة نظرنا تلك نقطة ذكية تحسب للمخرج، والسبب يرجع إلى الحفاظ على التوازن بين الفصلين من حيث الأداء التمثيلي، والجرعة الكوميدية؛ التي ينتظرها المتلقي.
نشاز!
هناك نشاز ملحوظ في مشهد الأب “نطاح” مع ابنته الطفلة “سارة”، مما أدى إلى هبوط الإيقاع، وتسبب بالملل خلال مدة المشهد الطويلة المتزامنة مع التكرار المفرط في نداء سارة على والدها، والعكس بغرض دلعه لها، علاوةً على ما سبق لم نجد مبررًا منطقيًا لقتل زوجة “الجزار” لزوجها الجديد؛ سوى ترديدها بعدم تقبل اتهامات زوجها لابنها فلم يكن هناك أي مبرر منطقي نعرف من خلاله لماذا وضعت له السم؟
تقنيات
أما بالنسبة للمشهد الماتع من وجهة نظرنا؛ الذي وضع بصمة ملحمية للعمل، فهو تجسيد حدث قديم، وكأنه يحصل الآن؛ حين استخدم المخرج تكنيك الفلاش باك لجريمة قتل “الجزار”؛ التي أعيدت مرتين، الأولى؛ ليثبت أنه القاتل طلب إعادة الفلاش باك مرة أخرى، فنجد أنه ضربها خطأ مما يعلق على شكل من قام بدوره في الفلاش باك الثاني؛ بأنه يشبهه أكثر على الرغم من عدم تغير المؤدي.
كسر الحاجز الرابع
تحقق كسر الحاجز الرابع؛ بمشهد نزول “ابن الجزار” مع والدته من الخشبة؛ حيث يخاطب “ابن الجزار” الجمهور متسائلًا :هل نالت الأزياء المختارة على إعجابهم؟.
ويكمل الحوار الموجه إلى أمه، وذلك يوضح كيفية معايشة الممثل مع الشخصية، وخروجه منها بمرونة.
التناقض المتناغم
شكلت شخصية الأعمى، وشخصية الأصم الأبكم ثنائيًا متناقضًا؛ مما خلق كوميديا موقف مصاحبة للحوار من خلال تسليط الضوء على المهام الحياتية البسيطة، بالإضافة إلى الشخصيات العديدة، مثل الممرضة الثرثارة؛ التي أحدثت مفارقة بزواجها من الأصم الأبكم.
“الجزار” لا يموت !
يمكننا القول إن مسرحية “الجزار” طعمت بتقنيات المسرح الملحمي بأسلوب ذكي، اِستقبله الجمهور برحابة صدر، حتى بعد وفاة “الجزار” لم يتلاشَ الدم؛ بل انتقل هذا المرض؛ لابنه الذي ظل يشرح جثة مع نهاية العرض؛ لا يموت “الجزار” إلا حين لا يتذكره أحد.
★خريجة قسم الأدب والنقد المسرحي -المعهد العالي للفنون المسرحية -الكويت.