شهد إبراهيم: هل تمكن مسلسل “العتاولة” من كسر القواعد الدرامية التقليدية ؟


شهد إبراهيم ★
شهد مسلسل (العتاولة) إقبالًا جماهيريًا كبيرًا، فور انطلاقه على شاشة Mbc مصر، بالتزامن مع عرضه على منصة شاهد الرقمية، وأثار المسلسل اهتمام المُشاهدين لوجود مجموعة كبيرة من النجوم الكبار، ونجح في حجز مكان له بين قائمة الأعمال التي تُحظى باهتمام وتفاعل الجمهور، ذلك لكسره قاعدة البطل الأوحد، لاسيما تعاونهم جميعًا على خلق وصناعة أجواء شعبية تجذب المُشاهدين.
وقد شاءت الظروف أن نشاهد عددًا من حلقات المسلسل كعائلة بشكل غير منتظم، فجذبتنا الأحداث، حيث جاءت في إطار من التشويق والإثارة، عن الشقيقان “خضر” و “نصار” واللذان يعملا في مجال النصب والجريمة، مما يضعهما في العديد من العقبات والمخاطر، المسلسل إخراج أحمد خالد موسى، وتأليف هشام هلال، بطولة: أحمد السقا، طارق لطفي، باسم سمرة، نهي العابدين، مي كساب، زينة، ميمي جمال، فريدة سيف النصر، صلاح عبد الله، ومجموعة من الفنانيين، والمواهب الشبابية التي اعتمد عليها المسلسل بشكل كبير.

دور جديد دون تجديد!
ظهر أحمد السقا في دور “نصار” رجل العصابات، الذي يتوب ويتخلى عن التحالف مع شقيقه طارق لطفي “خضر” من أجل حبه لزينة “حنة” فلم يقدم السقا جديدًا في دوره يختلف عن أدواره السابقة، ليس فقط في الأداء الحركي، بل أيضًا الأداء اللفظي نفس طبقة و درجة الصوت لا تتغير قدم بها كل شخصياته، على الرغم من الاختلاف الشديد في خلفيات تلك الشخصيات التي يقدمها، ولكن في نهاية كان أداؤه مناسبًا وغير متكلف، ولكنه كان خاليًا من المفاجآت.
أداء مقنع وكوميديا جديدة.
على عكس شخصية “خضر” التي قدمها طارق لطفي، إذ جاء أدؤه مقنعًا وواقعيًا، قادرًا في ذلك على خطف أنظار المشاهدين في كل مشهد يقدمه، فدوافعه النفسيه انعكست بشكل كبير على انفعالاته واداءه، التي سببها له والده، وظهرت بشكل صادق في مشهد تذكره لطفولته وتفريق الأب بينه وبين شقيقه، فقد تألق طارق لطفي في دوره ويعتبر هذا الدور بمثابة إضافة كبيرة لمسيرته الفنية المختلفة والمتعددة الأدوار والشخصيات.

سمرة يتألق
وسط هذا الحديث لا يمكننا تجاهل باسم سمره “عيسى الوزان” الذي قدم دور الشرير بشكل لم يسبق أن قدمه أحد من قبل، حيث الشرير الضاحك، الذي يخلق كوميديا لطيفة مختلفة من هذا الشر، مع خلق لازمات تبقى في آذان الجمهور عندما يراه على الشاشة مثل “باي باي من غير سلام” و “يالا بينا” الذي ذكرها بثلاثين أداء مختلف طوال الثلاثين حلقة، وعلى الرغم من أن هذا شئ صعب جدًا، إلا أنه قدمه بكل سلاسة و سهولة في الأداء، وهذا شيء اعتاد عليه في جميع أدواره، لخلق حالة من الاندماج بين شخصيته والمُشاهد.

من المفاجآت الموجودة أيضًا مصطفى أبو سريع ” عاطف” وهو عبارة عن جرعة كوميدية مطلوبة لخلق التوازن الدرامي في ظل مشاهد وأحداث تتسم نوعًا ما بالعنف والتوتر، وأيضًا محمد نجاتي “عوض الدخاخني”
فريدة سيف النصر..أجمل مفاجأة
أما عن فريدة سيف النصر “سترة” فكانت أكبر وأجمل المفاجآت بالمسلسل، حيث الأداء السلس غير المتكلف، مع الكوميديا البسيطة المطلوبة أيضًا لشخصية الأم القوية، التي تشبة زعماء العصابة، فكان لديها مكياج وملابس مبالغ فيهم، ولكن أداءها واقعي، ومناسب للأجواء الشعبية، والخلفية المكونة لشخصيتها، وتنوعت أيضًا الأدوار النسائية في المسلسل بين شخصيات وأعمار متباينة، حيث زينة “حنة” والتي كان أداؤها ثابتًا ونمطيًا، على الرغم من أن شخصيتها قابلة للتطور، حيث أنها ستتزوج من رجل في عائلة عبارة عن عصابة كاملة، وهذا دافع كبير للتطور في شخصية زينة واختلاف أدائها، ولكن لم يحدث ذلك.

شخصيات نمطية وظهور طاغٍ
على النقيض من شخصيات نمطية في الأصل أستطاعت أن تخلق بأدائها السلس والمتألق، خلفية وإظهار لدورها، مثل زينب “قطة” التي قدمت دور الفتاة الشعبية بطريقة بسيطة وتلقائية بعيدة عن الإفتعال، وهدى الأتربي “دينا” التي جسدت دور الفتاة الشعبية التي تسعى لتغيير واقعها عن طريق ارتباطها بأي رجل ميسور الحال يلبي لها جميع طلباتها وطموحها المادي الكبير، كذلك شخصية مريم الجندي “شادية” كان أداءها يخطف الأنظار لجميع المُشاهدين، على الرغم من صغر مساحة الشخصية، إلا أنها استطاعت أن تخلق من أبعادها البسيطة، أداء وإنفعالات واقعية صادقة، تلك مذاكرة الشخصية بشكل متقن يجعل لها اختلاف كبير جدا عن كتبابتها في الورق، وأيضًا من ضمن تلك الشخصيات، أمير عبد الواحد “خرطوشة” الذي استطاع ان يكن له دور مميز بعدم تقديمه للشخصية النمطية كما هي، ولكن استطاع خلق أداء مميز وبسيط غير مبالغ فيه.

الدور النسائي ودراما المقاولات
تلك الأدوار النسائية بالإضافة إلى الخلطة الشعبية جعلتنا تذكر “دراما المقاولات” خاصة دور نهى العابدين “ديحة” وزوايا التصوير القريبة في مشاهد الرقص، بالإضافة إلى المشاهد الرومانسية والكوميديا بينها وبين خضر ـ طارق لطفي ـ وكان أداؤها متألقًا وجذابًا بشكل سهل وبسيط، وخفيف أيضًا على المُشاهد، ومساحة كبيرة مناسبة لإعادة اكتشافها مرة أخرى، أستطاعت إستغلالها لإظهار قدراتها التمثيلية الرائعة، اما عن مي كساب “عائشة” فكان دورها يحتمل الكثير من الأداءات المختلفة، والانفعالات غير المتوقعة، ولكن جاء أداؤها طوال الوقت على وتيرة واحدة فلم يحدث له تطور ملحوظ.

أخرون تألقوا
ولا ننسى أدوار كان لظهورها لمعة مميزة، حيث لبنى ونس “توحيدة”، وأيضًا ميمي جمال “نجاة” وتلقائيتها في الأداء والكوميديا السهلة البسيطة دون مبالغة، وكذلك صلاح عبد الله “خميس”، ومؤمن نور “سعد”، وأحمد سعد “كشك”، والطفل أحمد ميدان “فارس” صاحب الأداء التلقائي، وصفوة “هندية”، محمد التاجي “فوزي” وفاتن سعيد “نورا”، فجميع الشخصيات والوجوه الشابة التي اعتمد عليها المسلسل كانت اختيارات موفقة.
كسر الجدار الرابع
ظهر في المشهد الأخير من أحد الحلقات الأخيرة من المسلسل ـ الحلقة ال 29ـ ، إعلان اعتمد في طريقة تقديمه على كسر الجدار الرابع، وإن تطرقنا للمعنى لكسر الجدار الرابع نجد انه مصطلح تمثيلي، يشير إلى جدار غير مرئي يفصل الممثلين عن الجمهور، وعندما يُكسر هذا الجدار فإن الممثلين يظهرون بشخصياتهم الحقيقية، أو يظلون بشخصياتهم المتقمصة ولكن يخاطبون الجمهور ـ أي يخرجون عن الإطار التمثيلي ـ وبالعودة إلى حديثنا فنرى ذلك في حديث باسم سمرة وطارق لطفي، حيث يتحدثان عن موعد إذاعة الحلقة الأخيرة، وعن الإنتاج و تركي آل الشيخ، وعن احتمال تغيير نهاية المسلسل، وعن تفضيلات الجمهور للنهايات وانتصار الخير، تلك الخروج من وجهة نظري التي تحتمل الصواب أو الخطأ، مرفوض تمامًا فهو يخاطب الجمهور بشكل مباشر جدا مع إسقاطه بأن تلك الجمهور ليس بالمسرح، أو بمكان يمكنك الإلتقاء به وجها لوجه، فكسر الحائط الرابع هنا ليس له معنى، ولا حتى يُظهر نوعًا من الكوميديا، وإن أظهر فهي كوميديا ضعيفة جدًا، وعلى الرغم من هذا فإنني كما ذكرت أنها وجهة نظري، فالمشهد نال على إعجاب الكثير من الجمهور والمُشاهدين.

البطولة لمن؟!
وبعد ذكر كل تلك الشخصيات والممثلين، بالإضافة إلى الوجوه الشابة الموهوبة بشكل كبير وملحوظ لعين المشاهد، يصعُب تحديد بطل العمل حتى ولو حمل التتر أسماء وترتيب لإبطال العمل، فقط كسر العمل بشكل واضح وعادل فكرة البطل الأوحد، وهذا من الأشياء التي خلقت حالة من الأرتياح للمشاهدين، حيث أن أعيننا أعتادت على رؤية كل الممثلين بمشاهد متساوية لهم بشكل مناسب.
أما عن الديكور فكان مناسبًا للأجواء الشعبية، أثاث المنازل مناسبة لشخصياتها، كذلك الملابس الخاصة بالشخصيات، ظهرت في العنصر النسائي بشكل واضح حيث اختلاف ملابس زينة “حنة” نظرًا للحجاب عن نهى العابدين “ديحة” صاحبة الملابس الضيقة، كذلك باقي الشخصيات، والماكياج أيضًا المبالغ فيه بشكل كبير للعنصر النسائي كل منهن على حسب شخصيته الدرامية، فكان مناسب للشخصيات، وعن زوايا التصوير فكانت حركة الكاميرا في الكثير من الأوقات ليس لها مبرر درامي، تقترب وتبتعد بشكل مستمر دون مبرر لهذه الحالة التي تخلقها حركة الكاميرا، فتخلق حالة مغايرة تمامًا للمشهد مما أعطى إيحاء وكأنه مشهد كوميدي، على الرغم من أنه أكشن، وأيضًا زوايا التصوير المنخفضة والمرتفعة التي تم أساءت استخدامها في بعض المشاهد، وعدم خلق عدم توازن في المستويات، وكان المستوى الأقوى هو الأقل في زاوية التصوير، ولكن كان هناك سلاسة في السرد، وموسيقى تصويرية رائعة تتناسب مع الحالة الدرامية ووتيرة الأحداث.

ثغرات فنية
هناك أعمال فنية يختار فيها صناع العمل الطريق إلى النجاح المضمون للوصول إلى الجمهور دون مجازفات تُذكر، وقد اختار المخرج أحمد خالد موسى هذا الطريق، حيث الدراما الشعبية التي تدور في الحارات والأماكن الشعبية، وتمتد إلى صراعات رجال الأعمال الفاسدين وتجار الآثار والمخدرات، والعلاقات غير الشرعية؛ ذلك جعل الأحداث متوقعة للمُشاهد، حتى مع بداية ظهور زينة والسقا في منزل “الوزان” توقع الجمهور قصة الحب لتي ستحدث بينهم، ولن يباركه طارق لطفي، كذلك كما في فيلم “المشبوه” والكثير من الأفلام والخطوط الدرامية التي حدثت بالفعل قديمًا، وأيضًا كانت الأحداث بها الكثير من الإطالة لتناسب الحلقات الثلاثين، ولكن في نهاية الأمر يعتبر العمل تجربة وحالة جديدة، وكوميديا مختلفة لم نراها من قبل.
★طالبة بقسم الدراما والنقد المسرحي -جامعة عين شمس -مصر.