محمد فهمي: “لام شمسية” … بين النجاح الساحق، والمط غير المبرر!؟


محمد فهمي ★
إذاعة التريلر الخاص بمسلسل “لام شمسية”، جعلنا نغوص في بعض النوستالجيا بطفولتنا، والأمر هنا لا يتعلق بقصة المسلسل، ولكن الاسم فقط ، مما جعل عقولنا تعمل وتفكر في ذكريات المرحلة الابتدائية في حصة اللغة العربية؛ للتفريق بين اللام الشمسية واللام القمرية، وكرَّسنا في عقولنا أن “اللام الشمسية” تُكتب ولا تُنطق !

كواليس الواقع
هذا المقال، ليس مجرد مقال نقدي لعمل فني به سرد لعناصر الدراما من تمثيل وإخراج وموسيقى وإضاءة وتأليف وملابس وغيرها، وإنما هو محاولة للسير على نفس وتيرة المسلسل، فنجاح مسلسل “لام شمسية” يعود لنجاح صُنَّاعِهِ في تسليط الضوء على كواليس الواقع، التي كثيراً ما تعجز ألسنتنا عن البوح بها، أمام القريب قبل الغريب.

حدوتة تخوف
بالفعل هي حدوتة صعبة المراس والنقاش في مجتمعاتنا العربية المنغلقة، التي تجد المرارة والغصة في الاستماع لتلك الموضوعات بصورتها العادية، فما بالك في الغوص في هذا الموضوع حين يكون الضحية طفلاً وذكراً، ومن عائلة ميسورة الحال، ويتلقي تعليمه في مدرسة “اِنترناشوينال” ويمارس العديد من الأنشطة سواء ثقافية، أو رياضية، وكل أقاربه ومعارف عائلته من الشخصيات المحترمة والمستقرة مادياً وعاطفياً، بمعنى أدق “لام شمسية” أغلقت كل المبررات، التي سيضعها المشاهدون في إيجاد سبب للفعل الفج، فعل “التحرش”.

مباراة كرة قدم!
صناع مسلسل “لام شمسية” قاموا باختيار أصعب الخيارات المتاحة، وهي الكشف عن الخط الدرامي الرئيسي للعمل في الحلقة الأولى دون الحاجة للمط أو التمهيد، وهذا الخيار جعل المسلسل أشبه بمباراة كرة قدم تقام يومياً، والمشاهدون يقيمون إستديو تحليلياً على منصاتهم، وكل مشاهد حسب مقدرته الميدياوية تصوير فيديوهات و”ريلز”، ومقالات على صفحاتهم الشخصية، أو مشاركة الآراء تتفق مع آرائه، وغيرها من السبل، التي تتيح له مناقشة رأيه في أحداث حلقة كل يوم.

أرغمنا على الجدال
على الرغم من تأكدنا بنسبة تتعدى الخمسين بالمئة بمعرفة الجاني، إلا أن المسلسل أرغمنا على الجدال، وإصدار الأحكام اليومية، وجعلنا نشك في مدعية القضية “نيللي” بأنها قد تكون مصابة بهلاوس، أو لديها مرض نفسي، أو غيره، وكذلك إتقان الفنان “محمد شاهين” دور “وسام” وكأنه مرسوم عليه، فتلك الشخصية بأبعادها المادية والمعنوية، وتصميم ملابسها، وأسلوب حديثها؛ تجعلك تبعد كل الشكوك عنها تماماً.
حيث وضعنا صناع المسلسل أمام المرآة لمواجهة تقاعسنا وتخاذلنا مع تلك المواضيع شديدة الحساسية، ولا ننسى خوفنا من صورتنا أمام المجتمع، لإيجاد حل لتلك المعضلة ونقوم بدون أن نشعر بفعل “اللام الشمسية” في أي كلمة في لغتنا العربية.

توفير الأمان
على الرغم من توافر العديد من الخطوط الدرامية الفرعية، لكن في حقيقة الأمر، جميعها تخدم الخط الدرامي الرئيسي، فالخيانة كما تعَّلمنا سلفاً في طفولتنا؛ أنها تضر المرأة، ولا تخدش الرجل، ولكن “لام شمسية” جعلنا نتيقن أن الخيانة هي سبب في خراب وتدمير عائلة بشكل كامل؛ حتى أعلنها “طارق” بنفسه أنه لم يكن الأب الأفضل لابنه، وأنه قصَّر في تربيته.
حادثة “نيللي” في صغرها جعلتها في حاجة ماسَّة للكشف عن الجاني، وتوفير الأمان لابن زوجها، ونضجها الكامل في التعامل مع طفل لا يعي ما يحدث من حوله من أشياء، وأنه يعتبرها مجرد لعبة للتسلية؛ حتى يكتشف الحقيقة بسبب إصرارها على مساعدته هو وشقيقه وغيرهما ممن يتعرضون لتلك الحوادث بشكل يومي، فالمسلسل فتح لك باب التخيُّل في مشهد “يوسف” وهو يقوم بِعَدِّ النجوم المضيئة، جعلنا نشعر بالفزع أننا أمام كل نجمة يحصل عليها يوسف يخسر جزءاً ولو بسيطاً من براءته، وفطرته التي بُعث عليها.

ماذا لو!؟
مسلسل “لام شمسية” مكون من 15 حلقة لإكمال السباق الرمضاني، فعلى الرغم من اكتمال كافة عناصر المسلسل واجتماع الجميع على مشاهدته، ومناقشة أحداثه، إلا أنه وقع في فخ المَطِّ والإطالة غير المبررة، فالعمل كان من الممكن أن يحافظ على قوته، وتصاعد وتيرته الدرامية في ثمانِ حلقات، أو عشرة على الأكثر، لكن خمس عشرة حلقة جعلت الموضوع زائداً عن الحد.
فالجاني أمام أعيننا، وأمام أعين طارق ونيللي ورباب وهبة وجميع الشخصيات، لكن ما زلنا في انتظار الجراءة، التي ستسقط من السماء على رأس “رباب” “يسرا اللوزي” أو إيقاظ ضمير “ميس نادية” والدة “وسام”
فما زال “طارق” يحاول البعد عن حقيقة الجاني، ويتمنى لو أنه شخص آخر، ولكن إذا تمعَّن في الحلقة الأولى؛ سيجد الإجابة عند زوجته “نيللي” التي علمت بالواقعة في منزلهما.

أصبحنا نقف أمام مشاهدة “نيللي” للتلفاز” وخطاً درامياً غير واضح المعالم بين “حسام” و”ميس نهى” التي تعرَّضت للتحرش هي الأخرى في سن صغيرة، ولم تكن على دراية بالفاعل، أو بحقيقة قبح هذا الفعل الشنيع، وهو خط متقارب جداً من حقيقة شخصية “نيللي” التي تعرضت للتحرش في نفس المرحلة العمرية.
لكن لا ننكر أننا أمام عمل فني متكامل في كل العناصر من حبكة درامية، وطرح قضايا مهمة تشغل فكر الشارع والمواطن المصري، والتحدي الأهم في الحلقات الأخيرة، هو كيفية التعامل مع الجاني “دكتور وسام”، والكشف عن أسرار والدته، وزوجته، وعلاقته بابنته.
★كاتب ـ مصر.