إذاعة وتليفزيون

بدر الأستاد: “زوجة واحدة لا تكفي “.. مسلسل بلا منطق!

بدر الأستاد★

في كل عام، تتعرض أعمال الكاتبة (هبة مشاري حمادة) للانتقاد، حيث يراها البعض مسلسلات مثيرة للجدل، بينما يراها البعض الآخر أعمالاً استفزازية لا أكثر، بلا مضمون فني أو فكري، وبعد مشاهدتنا للنصف الأول من الحلقات، أظن أننا من الفئة الثانية؛ التي ترى أن أعمال (هبة مشاري حمادة) الفنية هدفها الأول، اِستفزاز المشاهدين، ولفت الانتباه لا أكثر.

صورة الرجل في أعمال هبة حمادة!

منذ أن بدأت القنوات الإعلان عن الأعمال الرمضانية لهذا العام، أفصح العنوان المباشر للعمل، “زوجة واحدة لا تكفي”، عن الموضوع الذي سيتم مناقشته، والذي يتناول تعدد الزوجات، وهو موضوع مستهلك،  قُدم كثيراً في الدراما العربية، ولا جديد فيه،  وبما أن جميع أعمال الكاتبة في السابق، قَدَّمت الرجل بنظرة سيئة ودونية، فلم يكن من الصعب توقع الصورة التي سيتم تقديمها عن الرجل في هذا العمل أيضاً، مما جعل المتلقي يعرف تفاصيل العمل قبل بدء الحلقات، فنحن أمام رجل متزوج من أربعة نساء، وبالتأكيد فإن هذا الرجل سيء النوايا والصفات، كما تقدمه الكاتبة دائماً في أعمالها، فرغم أنه يترأس مدرسة محترمة، إلا أنه يصل به الحال في أحد المشاهد ، إلى مطاردة كل أمرأة عابرة في المستشفى  حيث يعالٓج وهو مكشوف الظهر، وبطريقة فجة!

أحداث بلا منطق، وشخصيات بلا تطور !

مع بداية حلقات المسلسل، أدرك المتلقي أن أسلوب الكاتبة لم يتطور، بل أنه مجرد تكرار لمسلسلها (أبلة نورة) الذي قدمته قبل سنوات طويلة وتناولت من خلاله مشاكل الطالبات والمدرسات في المدرسة، وها نحن الآن تجاوزنا نصف الحلقات، ولازالت الكاتبة تكتب بنفس أسلوب مسلسلاتها السابقة، حيث الأحداث بلا منطق، والشخصيات بلا تطور، وكل شيء عندها يعتمد على الصدفة، فنجد جميع الشخصيات تجتمع بالصدفة في الشارع، وفي منطقة الشاليهات، ومن ثَمَّ تجتمع بالصدفة في المستشفى، حتى في مشهد وفاة المُراسل (حلمي)، يتم نقله لنفس المستشفى، رغم أن وفيات الحوادث لا يتم نقلهم للمستشفيات الخاصة! وتتكرر الصدف أيضاً في عيادة طبيب الأمراض النسائية، حين شاهدت زينة وعليا زوجة والدهما بالصدفة، حيث عرفت (زينة) من موظفة الاستقبال، تفاصيل حمل زوجة والدها في مشهد لا يتقبله عقل، وهكذا في كل حلقة تتكرر الصدف، وربما ما يجعل المتلقي يستمر في المشاهدة، رغبته في معرفة مصير تلك الصدف، أو من أجل أداء بعض الشخصيات فقط، منها على سبيل المثال (لولوة الملا)، التي أقنعت الجمهور بأدائها.

رغم أن تسلسل الحوار مهمة الكاتب، وليس المخرج، إلا أن عدم منطقية أعمال (هبة مشاري حمادة)، أمر عُرِفَتْ به جميع نصوصها، ومنذ سنوات طويلة، مما يجعلنا نستغرب من مخرج العمل (علي العلي)، الذي له تاريخ في العمل الفني، ونتساءل: كيف سمح لهذا التنقل في المَشاهد دون ترتيب، فمثلاً تبدأ الحلقة بالحصة الأولى في الفصل، ثُم طابور الصباح، ثُم دخول المدرسات (الزوجات)، وهكذا في كل حلقة، فلم تخلُ أي حلقة من هذا التخبط، حيث يشعر المتلقي أن هناك من عبث بترتيب المشَاهد دون تبرير، أو تفسير.

سخرية المشاهدين من المسلسل

أما أكثر ما جعل المشاهدين يسخرون من المسلسل، وعدم منطقيته، فهو نظام المدرسة، التي تدور فيها الأحداث، فبينما توضح الحوارات أن المدرسة نظامية، والمديرة صارمة جداً، وتراقب كل صغيرة وكبيرة، لكننا في المقابل نجد العديد من الأحداث، وسلوكيات الشخصيات التي تؤكد أن المدرسة مهملة بلا أمن، بل يبدو أنها بلا حتى (حارس)، وهنا سنحاول أن نحصر بعض تلك الأحداث اللامنطقية، والتي أدت لسخرية الجمهور:

١- دخول أحد الطلبة للمدرسة، وبيده سلاح لينتحر به.

٢-دخول زوج حميدة (سحر حسين) إلى غرفة المدرسات، وقاعة الفصل، وهو في حالة سكر واضحة، فأين الأمن..؟!

٣-نوم المدرسين في المدرسة، ليلا ، بلا حسيب أو رقيب.، ثم تسلقهم لأسوار المدرسة نهاراً.

٤-وجود غرفة (سرية) للزوج في المدرسة؛ ليمارس فيها حياته مع زوجاته الثلاث.

٥-غياب المدرسات (الزوجات الثلاث) عن الحصص بلا محاسبة!

٦-ضرب الطالبة، وعدم كشف كاميرات المراقبة.

٧-قيام إحدى المدرسات (كاميليا – آيتن عامر) بتعليم الرقص الشرقي لبقية المدرسات، على سطح المدرسة!

٨-دخول مجموعة من الرجال للمدرسة، ومن ثم لغرفة زينة (نور الغندور) لمفاجأتها بعيد ميلادها، دون ترتيب مسبق!

كيف لجميع تلك الأحداث أن تحصل في مدرسة خاصة، الدخول إليها لا بد أن يكون بإذن مسبق، وبتصريح من الأمن؟!

أما مشهد الانتحار، فكان غريباً جداً، فرغم حرص واهتمام مديرة المدرسة، هيلة (هدى حسين) بتفاصيل كل طالب، كما تقول دائماً، إلا أنها لم تتخذ موقفاً واحداً بشأن هذا الحدث الخطير، سوى أنها قدمت خطبة طويلة أمام وكيل النيابة، ثُم ذهبت في الحلقة التي تليها إلى (الشاليه)، دون إشارة للحدث رغم خطورته،  بالإضافة إلى عدم مناقشة الأسباب التي أدت لانتحار الطالب، الأمر الذي يجعلنا نتساءل: إذا قمنا بحذف شخصية هذا الطالب هل سيتغير شيء..؟! طالما أن الحدث لم يؤثر في شخصية المديرة والمدرسات، ولم يؤثر بمستوى الأمن في المدرسة، حيث بعدها بعدة حلقات، جاء مشهد (دخول الرجل السكران)، فما هي أهمية مشهد انتحار الطالب؟! هل كان هذا المشهد لتعبئة الحلقات الهشة؟ أم لجذب الانتباه فقط؟

ما الهدف من ذكر الأدوية المخدرة؟!

رغم أن الكاتبة لديها هدف استقطاب فئة الشباب من خلال الاستعانة بهم في العمل، وتقديم قضايا تهمهم، ولكن حين يكون ذلك دون وعي؛ يصبح الأمر خطيراً، فالمسلسل لا يناقش فكر المراهق أو الشاب، والصراع الذي يعيشه؛ بل يستعرض سلوكياته السيئة فقط، مما يؤثر على الجمهور من هذه الفئة، التي تقلد الأعمال الفنية دون تفكير.

وهنا نتساءل: ما الهدف من الإشارة للأدوية المخدرة على لسان شخصية المدمن (عبدالله الطراروة)، حيث تم ذكر جميع الأدوية بأسمائها الصريحة، وفي المقابل تتحدث عليا (فاطمة الصفي) عن بحثها عن دواء، ليساعدها على عدم التفكير..وجميعها إشارات خطيرة كما حدث في مسلسل (دفعة لندن)؟!

الأمر ذاته يتكرر في طرحها لقضية (البيدوفيليا)، حيث عرضت المشكلة دون تبرير أو معالجة، ودون وضع خط درامي لها، فكنا أمام مدرس (حمد أشكناني) يتحرش بالفتيات الصغيرات، دون أي تبرير درامي لذلك، الأمر الذي يتزامن مع الترويج الخطير، لبعض الماركات العالمية لقضية البيدوفيليا!

بجانب موضوع (البيدوفيليا)، اشمأز الجمهور من تكرار موضوع الاغتصاب، والحمل السفاح، وكل ذلك من غير مبرر درامي، فقط للفت الانتباه، بل أن في أحد المشاهد، نستغرب من وصول الشخصية المعتدى عليها أمنية  (ليلى عبدالله) وهيلة (هدى حسين) إلى المخفر وتراجعهما عن تقديم شكوى دون سبب مقنع، بل أن (هيلة) قدمت أمام باب المخفر (مركز الشرطة) خطبة طويلة، وحِكَماً ودروساً لوالد الفتاة المقتولة، وهو يستمع لها كأي إنسان محترم، وليس كقاتل!؟ والغريب أن هيلة الناظرة، التي تردد الحِكَم، والمواعظ الأخلاقية يومياً، تغاضت عن الإبلاغ عن القاتل تحت مبررات واهية!، والمضحك أن أمنية وهيلة عاشتا حياتهما  بصورة اعتيادية، وكأنهما لا تعلمان شيئاً عن قتل الفتاة، ولم تتأثرا بالاعتداء على أمنية.

دروس ماما (هيلة)!

أصبح المتلقي يشعر بالملل الشديد من حوارات (هبة مشاري حمادة) في جميع مسلسلاتها، كونها مليئة بالدروس، والمواعظ، والحكم المباشرة، وكأننا في حصة مدرسية، وليس عملاً فنياً، الأمر الذي تحوَّل إلى مصدر للتندر على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد تكرر هذا الأمر في هذا المسلسل، حيث جاءت تلك الدروس المباشرة على لسان ماما هيلة مديرة المدرسة، التي قامت بدورها (هدى حسين)، فكانت تلك الحوارات مضحكة جداً بالنسبة للجمهور، لأنها لا تنتمي للواقع بشيء، حيث لا تتحدث الأم مع أبنائها وأحفادها، إلا بأسلوب الحكم والموعظة، وهكذا مع المدرسات والطلبة في المدرسة.

بعض الكُتَّاب يريدون أن يستعرضوا أمام المتلقي قدراتهم، ويبينوا له أن لديهم أسلوباً في الكتابة عن طريق الحوارات؛ لكن تلك الحوارات قد تصبح بلا جدوى حين تكون فلسفية، ولا تخدم العمل، أو حين تقال بأسلوب الحكم والموعظة والعبرة، الذي لا يتناسب مع الواقع، فما الفائدة من تلك الحِكَم في مَشاهد لا تنتمي للمنطق أصلاً؟! فكيف اقتنعت الفنانة الكبيرة هدى حسين، بهذا الدور!؟ خاصة وأن طريقة طرح القضايا في المسلسل طريقة مباشرة، وفيها الكثير من الإسفاف، والألفاظ غير اللائقة، دون مراعاة للأسرة التي ستشاهد هذا العمل، وكلنا نعلم بأن الفنانة (هدى حسين) قدمت أعمالها مميزة للأسرة ككل، واهتمت بالطفل تحديداً.

تكرار !

ولأن الكاتبة لم تطور من أسلوبها وأدواتها، جاءت الشخصيات مكررة، فالشخصية التي تؤديها (هدى حسين)، هي ذاتها التي أدتها في مسلسل (أميمة في دار الأيتام)، وهي ذاتها التي أدتها في مسلسل (من شارع الهرم)، وهكذا بالنسبة لبقية الشخصيات، التي أدتها نور الغندور، مكررة عن شخصيتها في (من شارع الهرم)، والأمر ينطبق على الصراع أيضاً، حيث الأولاد الذين باعوا والدتهم من أجل المال، مع فوارق بسيطة بين العملين.

قد تكون الممثلة الوحيدة، التي أدت شخصيتها بواقعية كانت (لولوة الملا)، التي نراها فنانة متمكنة في المواقف الكوميدية أو الجادة، أما الممثل (عبدالله الطراروة)، فقد كرر نفس الشخصية التي قدمها العام الماضي، وهو الشاب المدمن الذي يتعاطى المخدرات في مسلسل (مجاريح) فما الجديد في الشخصية المقدمة؟!

استنساخ!

وبعيداً عن كل ما ذكرناه سابقاً، فلا جديد في المسلسل الذي يخلو من الابتكار، بدءاً من الاسم المستنسخ عن فيلم (امرأة واحدة لا تكفي ) لأحمد زكي، وصولاً لحكاية المدرسة، وناظرتها القيادية، المستنسخ عن مسلسل (ضمير أبلة حكمت) لفاتن حمامة، مع الفارق الكبير طبعاً، وزواج المرأة الخليجية من الرجل المصري، الذي سبق وتناولته وداد الكواري، في مسلسل (بعد الشتات ) لسعاد عبد الله.. وتكرار حكايات المخدرات، والتشتت الأسري، والاستغلال بين الزوجين، مع الفارق الكبير بين مسلسل (زوجة واحدة لا تكفي)، الذي قُدِّم بمستوى ضعيف فنياً وفكرياً، وبين تلك الأعمال التي قدمت بمستوى فني عالٍ جداً؛ لازلنا نتذكره إلى اليوم.


★ناقد-الكويت.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى