تشكيل

عزيز ريان: استقراء المستقبل في أعمال الفنان التشكيلي عمر سعدون .

عزيز ريان ★

تنامى الاهتمام عالمياً بتجارب الفن التشكيلي، كنشاط إنساني يقوم على أساس معرفي، ويمر منه الإنسان بهدف إنتاج اللوحة الفنية وقراءتها، وإعادة إنتاجها.

كما أن الفنان التشكيلي يعتمد غالباً على :
الإدراك، والتذكر، والتخيل المنطقي في التعامل مع ما يراه من رسالة تشكيلية، وما ينتجه من خبرة جمالية، أو محتوى معرفي، تتضمنه اللوحة الفنية التشكيلية، والذي يدفع بالفنان المعاصر، إلى المضي قُدماً لاكتشاف القيم الفنية والجمالية والإبداعية في الأعمال الفنية، وهو ما يصدر عن ذات المتلقي من استجابة جمالية نقدية،  سواء أكان متذوقاً، أو ناقداً، أو فناناً.
إن نقد الفن التشكيلي، أو الرسم بالخصوص يقودنا إلى مجهودات خالصة للرسام المبدع، والسهر على تحليل، وتأويل، ونقد العمل الفني، في محاولة لاحتواء الأطراف المترامية للعمل الفني.

والمعروف أن اللوحة المرسومة، أو الفنية هي لغة بصرية أثرَّت بشكل واضح في إنتاج مفاهيم جديدة، إذ أسهمت في إثراء كافة الأنشطة الثقافية، والمعارف الإنسانية، والقيم والمعاني الجمالية، فأصبحت قوة تعبيرية عالية المستوى، أي أن اللوحة التشكيلية عبارة عن:
مساحة مسطحة رسمت فيها يد الفنان خطوطاً وأشكالاً، وسكنت فيها روحه وعواطفه ألواناً، وضمنها عقله قيماً وأفكاراً وأهدافاً، تتحدث مع المتذوقين بلغة العيون والإبصار، مترجمة لهم أحاسيس الفنان ومشاعره ورؤاه في فترة زمنية محددة، ينظر إليها على أنها عمل منجز، كإنتاج عقلي وعاطفي مشترك ومتماسك، كل منهما محرض للآخر، ومكمل له في حركة كروية دؤوبة، لا يتعلق الأمر بالإنتاج العاطفي البحت، ولا الإنتاج العقلاني البحت، لأن الفن عصارة عمل حضاري، والحضارة لا تقوم بالعاطفة وحدها، ولا بالعقل وحده، بل هي نتاج انصهار الاثنين معاً في بوتقة الإنسان المبدع الخلاق.

في رأي الفنان عمر سعدون، المراد دراسة أعماله الفنية بالمقالة، يؤكد أن الفنان كما الشاعر، إنسان مرهف الإحساس، وُهب قدرة التعبير عبر الفن، ليسكب مشاعره في لوحته، وهو بدوره يُجَسِّد مشهد الانفجار، لكن بطريقته الخاصة، فيرسمه على شكل جمجمة مضرجة بالدماء، لكن برغم اللون الأحمر المسيطر عليها، تبقى شامخة في علوها، وسط زرقة السماء وصفائها اللافت، عمر سعدون، أستاذ يهوى الرسم منذ الصغر، وطوَّر موهبته إلى أن أصبح قادراً على إنتاج الفن، الذي يُرضي طموحه في التعبير.

فمن هو عمر سعدون؟ هو فنان تشكيلي مغربي شاب ومعاصر، من مدينة شفشاون، وُلد في القصر الكبير في 09-03-1978، حاصل على شهادة الدكتوراه في الفن المغربي المعاصر، من جامعة عبد المالك السعدي كلية الآداب والعلوم والإنسانية بتطوان، ولديه ماستر في الفيلم الوثائقي، وإجازة في الدراسات السينمائية والسمعية البصرية من نفس الجامعة، درس في المعهد الوطني للفنون الجميلة، وتخرَّج كأستاذ لمادة الفنون التشكيلية من المركز التربوي الجهوي بطنجة، يعمل كأستاذ زائر في جامعة محمد السادس بنجرير، وفي مدرسة الهندسة المعمارية التخطيط والتصميم، يشغل كذلك وظيفة أستاذ في المعهد العالي للمسرح بالرباط، يعتمد عمر سعدون، في أعماله على قيم ومفاهيم إنسانية كونية، ويجمع بين الفنون التشكيلية، والسينمائية، والفنون الأدائية، شارك في العديد من التظاهرات الفنية داخل وخارج المغرب، بما في ذلك مشاركته في معرض “المغرب المعاصر”، بالمعهد العالم العربي بباريس، وأعماله الفنية متنوعة، وتتراوح بين اللوحات، والصور، والإنتاجات المصورة، تنقَّل في أعماله بين التجريد والإنطباعية والواقعية، ويتميز بجرأة في استخدام الألوان، والتعبير عن الهوية الثقافية المغربية، يُظهر اهتمامه بالحياة اليومية، والمشاعر الإنسانية، ويستخدم الرموز، والرمزية في أعماله بشكل متقن، لوحاته تُعَبِّر عن مجموعة متنوعة من المشاعر والأفكار والتجارب الإنسانية، وتستخدم مجموعة متنوعة من التقنيات الفنية، لإيصال رسالته الفنية بشكل مباشر ومعبر، ويجمع سعدون كما نعرف بين الرسم، وحبه للتصوير الفوتوغرافي والفيلم الوثائقي، وبين حرفيته في الفن التشكيلي(كولاج،برفورمونس..).هو فنان وباحث في الفنون البصرية المعاصرة.

جماليات القبح في الفن:

إن تحليل لوحات عمر سعدون، يتطلب دراسة عميقة لأعماله الفنية الفريدة، وتَفَهُّم السياق الثقافي والتاريخي، الذي ينشأ منه فنه.

سنتناول  مفهوم “الجروتيسك” كمفهوم جمالي ظهر في فلسفة ما بعد الحداثة،  حيث كان في البداية مرتبطاً بالفن التشكيلي والنحت، يهدف إلى استعراض جمال القبح من خلال التشويه، والتغيير، والنقد الكاريكاتوري، تجارب عمر ، تُعَبِّر عن جماليات تشكيلية، تتجاوز التقاليد والمعايير القائمة،  وتخلق علاقة جديدة مع المتلقي، تقوم على مبادئ جديدة في التفاعل مع العمل الفني.

أعمال عمر ، تستهدف تحرير المتلقي من غرائزه العدوانية، والانفعالات الغريزية غير الواعية، من خلال استخدام الخوف والرعب والصدمات النفسية، وبالتالي يتطلب من المتلقي تفعيل قدراته الحسية والإدراكية بشكل غير تقليدي، يعمل فناننا على توليد صدمة ودهشة في نفسية المتلقي من خلال رسوماته، التي تجمع بين القبح والجمال،مثل رسم الانفجارات والجماجم.

لوحة “ذات الباقة” تبرز الألوان بدفء وجمال، يتنافى مع مظهر الهيكل العظمي الذي فقد الروح، تستخدم الألوان، خاصة الأصفر، كتحذير للمشاهد بالانتباه لحقيقة الموت.

عمل عمر ، يُجسد الرغبة في استفزاز المتلقي، وتسليط الضوء على وحشية الإنسان المعاصر، والتركيز على القبح والمسخ والتشويه والفظاعة، يركز على استخدام القبح للتعبير عن جماليات مختلفة، مما يدفع المشاهد إلى التفكير بعمق في القضايا الإنسانية والمعاناة الروحية والفكرية، يعكس عمله استيطان “القبح الجميل”، حيث يمكن أن يتحول الموضوع القبيح إلى شكل جميل من خلال الفن.

سنتطرق هنا فقط كما قلنا إلى تيمتين مثيرتين، اشتغل وركَّز عليهما الفنان عمر سعدون، والذي استشرف فيهما مستقبلاً بروح فنية وذكية، لما نعيشه حالياً، ويمر به العالم.
فما هو الانفجار عند سعدون؟
ولماذا يرسم عمر الجماجم في تحول راديكالي في مساره الفني؟

الانفجار:تيمة الإرهاصات لحرب تنفجر قريباً

ومعنى الانفجار، هو زيادة مفاجئة في الحجم مصحوبة بانطلاق كمية كبيرة من الطاقة، حيث يتم ذلك بصورة بالغة الشدة، وعادة مع توالد حرارة مرتفعة، وانطلاق غازات، وعمر في “انفجاراته”  يصل إلى مرحلة يمكن أن نطلق عليها:ما بعد الانفجار، حيث يرسم الجماجم، كما لو أنها نتيجة لما سبق من انفجارات وحروب ما، بمعنى أن المضامين مترابطة، فكل انفجار يؤدي إلى بقايا وجماجم ما، ويسهل قراءة هذه اللوحات حاليا، ونحن نتابع العالم، وما به من حروب وقتل وانفجار وقتلى وأشلاء وجماجم…عالم ما بعد وباء قاتل، هز عروش الهدوء،  وأدخل البشر في أزمات متعددة، هو انفجار بمختلف أصقاع العالم، وداخل الفنان نفسه، أثرت في قلبه، وقلوب المتلقين في  لوحات كثيفة، صورَّت مشاهد  الانفجار المرتقب.

ولا يخلو الانفجار من نار حارقة كما يشاهدها كل العالم، وكما طبعت حمرتها في الذاكرة: وتبقي لنا فسحة أن نُدخل في نسيجه وجوها (متخيلة) تصرخ ألماً، وهي وجوه الضحايا، الذين خطفهم الموت بلمح البصر، رفقة الانفجار.
بموهبته وخياله الخصب، عَبَّر الرسام عما تركه انفجار ما، بأرض ما (اِنفجار إرهابي بساحة عمومية بمراكش،اِنفجار بمرفأ بيروت…)
لوحة:رقصةالورود(والذي كتب اللغة الإنجليزية: Dancing Flowrs)،حيث انتقل سعدون من الانفجار الواحد إلى الانفجار المجزأ، والذي يشبه أشياء أخرى أكثر جمالاً، وهنا نرى كيف تحوَّل إلى وردتين بكامل فتنتهما.
رسم الانفجار في الفن له دلالات متعددة، تعتمد على سياق العمل الفني، ورؤية الفنان، ونجرد الدلالات الهامة لرسم الانفجار عند فناننا:
التعبير عن العنف والتدمير:حيث يُظهر الفنان الانفجار، كتجسيم للقوة المدمرة، والتأثير السلبي، الذي يمكن أن يحدثه.
رمز التغيير والتحول:حيث يُمثل الانفِجاربداية عملية تحولية جديدة، أو نقطة تحوُّل في حياة الشخصيات.
علامة عن الطاقة والدينامية:حيث يمكن أن يُصور الفنان الانفجار كمصدر للحركة والنشاط والحيوية.
هو التفجير الإبداعي: حيث يُمثل الانفجار تفجيراً للأفكار، والإبداع، والتجديد.
لوحة ولادة (المكتوب باللعة الإنجليزية:Birth)،حيث عمر يرسم أنواعاً جديدة من الانفجار، والذي يتميز بموضوعات وجودية مختلفة، كالميلاد أو الفناء.

التعبير عن الانفجار العاطفي أو النفسي: حيث يُمثل الفنان من خلال الانفجار تفريغاً للمشاعر، أو الضغوط النفسية.
تحليل سريع لتيمة الانفجار عند سعدون: جدول يوضح مميزات عامة، لرسم الانفجار عند الفنان عمر سعدون.
محتوى السياق الاجتماعي تحليل تكويني للوحات: أبعاد، خط اللوحة ،لون، ضوء، ظل، فراغ، علاقات في الزمن والمكان، شكل انفجار ما بمكان ما وبأشكال متنوعة ، وألوان مختلفة.
دائماً هناك شيء ما ينفجر ،لكي تبدأ حياة جديدة،بعد حروب ما بكل أنواعها
تتكون اللوحات من انفجار يكاد يملأ أبعاد اللوحة
(انظر ما كتب عن الموضوع بالمقالة)

تختلف وتتباعد من مقاسات صغيرة إلى متوسطة وكبيرة وجداريات.كما لا ننسى لوحات نتيجة ورشات فنية يشارك فيها الأطفال أو البالغين والرسم إما بالريشة أو بأشكال أخرى(تفجير مثلاً الألوان ببالونات صغيرة، وغيرها)

لا تختلف الخطوط المعروفة التي ترافق كل انفجار بشكل تقليدي ومتعارف عليه.
أبدع عمر في تجميل ألوانه وجعل الانفجار يبدو أكثر جمالية.
يلعب غالباً بالإنارة أو مستوى الأثر بعد التشظي والانكسار بعد كل عملية انفجار.
يغيب الظل كي يشير أن الموت لا ظل له.
لا يشكل الفراغ حضوراً ما بمعنى أن كل انفجار يملأ الفراغ، ولا يترك فسحة لخواء ظاهر إلا في قلب من يعيشه، أو يشاهده، أو يسمع عنه.

كل لوحة تترك للمتلقي مسؤولية أن يرسم زمنها ومكانها.
فكل الأزمنة والأمكنة صالحة سواء مادية كالساحات، أو المؤسسات، أو رمزية كالذات، أو الدماغ البشري وغيرها.

كما أن الاستئناس  بالفرنسي المعروف :لوران جيرفيرو في كتابه: voir,comprendre,analyse les images، والذي يعتمد المسح البصري للوحة، يحيلنا لمجال مغاير، مما يجعله يُركز على الجانب التقني: اسم صاحب اللوحة، تاريخها، نوع حاملها وتقنيتها المستعملة، الشكل والحجم، وكل هذا متنوع عند عمر، ولا يعرف الثبات  بحسب السياق العام، فنرى ثراء في العناوين، والأحجام ونوع التقنية والثوب وغيره، ثم يمر الناقد الجمالي لوران إلى تشريح اللوحة الفنية فيرى جانبها الشكلي: عدد الألوان ودرجة انتشارها، والتمثيل الأيوني، ويذكرالموضوع:علاقة اللوحة بالعنوان، الوصف الأولي لعناصرها،الوعاء التقني والتشكيلي لها، علاقتها بالفنان، القراءة التأويلية، ويصل إلى نتائج التحليل والتي نسردها بالمقالة.

أصول رسم الجماجم، وما هي قصتها:

رسم الجماجم فن مكسيكي أصيل، يحتفل بالهيكل العظمي كعنصر منتظم، وقصة الجماجم والهياكل العظمية، بدأت قبل الاستعمار الإسباني بالمكسيك، حيث كان الأزبك يقدسون آلهة الموت والأرض، فرسموا الجمجمة مشبعة بالدماء، والعظمة اللازمة لإبهار الناس، والتعبير عن صورة، لدولة مستعمرة قاسية.
كان الأزبك يتفننون في عبادة الموت بمعنى ما
عبادة الحياة : هي عبارة عن وعد بالبعث، وهي رمز للموت نحتها الأزبك في حجر من حمم بركانية، كتقليد وثني بعد اجتياح البلاد من طرف الإسبان،  الذين نشروا المسيحية(الكاثوليكية).
وخوصي غوادالوبي باسادا  1912Jose Guadalupe Pasada  رائد هذا الفن المكسيكي،  وأول من رسمها.
تشكل الجمجمة ثقافة المكسيك، ولها معانٍ اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية.
لا كاترينا La Catrina: هي التي تسمى بجمجمة المكسيك في يوم الأموات ، أو جمجمة:Garbancera ، والتي أبدعها وخلقها بوسادا الكاريكاريست، الذي عرف بنقد المجتمع في القرن 1.
واستعمل الجمجمة في أعماله فنانون عدة أبرزهم: سلفادور دالي، فان جوغ، كويا، فريدا، رومبرت..لتأريخ الموت غالباً، حيث تشير فريدا بالقول إلى أن الموت مثل الأحلام موجود في نفس الوقت.
وفي سنة1821 استقلت المكسيك، وعادت الجمجمة للحضور بالمشهد بعد قمعها دينياً، وحضرت في يوم الموتى، الذي يُحتفل به في ثاني نوفمبر بالمكسيك، لتأبين من رحلوا من الأعزاء بالورود والشموع وبالكثير من الألوان.
رسم الجمجمة كما قلنا، ويمكن أن يحمل العديد من الدلالات الجمالية المختلفة، وقد يتغير معنى هذا الرمز باختلاف سياق العمل الفني، ورؤية الفنان عمر سعدون.
ونحصر بعض الدلالات الجمالية لرسم الجمجمة في فن سعدون المعاصر كما يلي:
التعبير عن الموت والمنتهى: كإشارة إلى عدم التسامح، أو الانتهاء النهائي لشيء ما.
التحول والتجديد: حيث يُظهر العمل الفني الجمجمة، كرمزٍ للتغيير والتحول الداخلي أو الشخصي.
الجمالية البصرية: بحسب قدرة الفنان على استخدام خطوطها وأشكالها وتفاصيلها بطريقة فنية جميلة ومبتكرة.
التعبير عن القوة والتحدي: حيث يُظهر الفنان الجمجمة كرمز للقوة البشرية، أو القوى الخارقة.
التعبير عن الفن الشعبي، والثقافة الشعبية: حيث يستخدم الفنان الجمجمة كرمز للتقاليد، والتاريخ الشعبي القديم.
الجمجمة إذن، لها تاريخ عريق ومغزاها الموت والفكر، هي ما يبقى من الميت- أي جزء غير فانٍ،مقابل للموت- الفكر-الحضور-النقاء-الاستقلال-البساطة-الأصل..هي ليست تاريخ كائن إنساني، أو غياب روحه، أو حضور بقاياه، بل يتعلق الأمر بصورة الاستمرارية، يسمحان بالحياة، النواة الأخيرة لبقاياه، أي إخفائه، أو أسراره، هي الأصل في كل شيء الصفاء والنواة في الحياة ، علامة قصر الحياة ووسيلة الحياة في آن هي إعادة الأحياء.

لوحة:الطبيعة الميتة(كتب العنوان بالفرنسية:Nature Morte)، حيث يضيف الفنان للجمجمة سُمكاً، وبألوان تستقي من عمق الجمجة.

وفي التيمة الثانية: الجماجم اعتمدنا أسلوباً نقدياً إستيتيكياً ثان، والذي نسب إلى الناقد بانوفسكي  Erwin panofsky  ومحاوره هي:
ما هو المعنى الأولي للوحة.
ما هو المعنى الثانوي لها.
ما هو المعنى الحقيقي لها.
مرحلة أولى: المتلقي: ماذا تعني اللوحة بكل أجزائها، وكيف تكونت خطوط الزوايا ونقطة الوسط..وكيف تتحرك المساحات فيها، النور والظل، والموجودات الأخرى من أشكال، وألوان، وجزئيات أخرى.
وهنا بمعنى أولي للوحة تعبر عن رسم لجوء متبقٍ من ميت ما، وهي الجمجمة والتي نعرفها جميعاً، لكننا لم نتأمل فيها عادة في حياتنا العاديةـ رعباً أو احتراماً.
مرحلة ثانية: بحث المشاهد عن الرموز: ما هي الدلالات القريبة من اللوحة، هل تُمثل حدثاً قريباً من المتلقي.
معناها الثانوي يجرنا إلى ما تمثله من رمز رسخ في وسطنا التربوي، وطريقة تعاملنا مع الأحداث منذ الولادة، وحتى الأساطير التي نعرفها.
دلالات قريبة نعرفها عن نوظيف سطحي للجمجمة، للترهيب وغيره.

مرحلة ثالثة: معنى حقيقي، عناصر تقنية وتشكيلية، هنا بعد التأمل نعرف أن الأمر له دلالات متشعبة، ورموز هامة علينا أن نعيدها ونحن نتعمق باللوحة، لكي نرى ما يقصده عادة.
لوحة :ميتا حياة(Meta-VIDA)،وبالنظر إلى العنوان الحداثي، وباللغة الإسبانية يصور عمر سعدون الجمجمة هذه المرة من الجانب العرضي كما لو كانت في مخفر شرطة، ونميز الخلفية السوداء، والألوان الربيعية بالجمجمة.
ولعل دافعي الأول لكتابة المقالة هي الهجمة المبيدة على فلسطين، والتي غيرت مجريات سياسية، وإنسانية عالمية.
وبتتبع دقيق لتيمتي أعمال عمر وإسقاطها الصريح عن عصرنا، فمن المرجح الدخول في متاهة الرمز في المنتج الفني التشكيلي الفلسطيني المعاصر، والذي ارتبط مباشرة بواقع الاحتلال الصهيوني المبيد، ومنخرط في الحدث الفلسطيني الكفاحي عبر قنواته النضالية المتاحة والذي يغرق في الثنائية (السعدونية):الانفجاربنوعيه(المادي والنفسي)، وجثث أو جماجم الشهداء.
فعمر يقف كما يقف الفنان التشكيلي الفلسطيني في الخندق الدفاعي الأول عن الحقوق الكونية (الحق في الحياة أولاً وأخيراً)والجمالية(حرب الموروث الذي يصر على سرقته بسرد محتل كاذب) للشعب الفلسطيني داخل وخارج فلسطين، والتفاعل مع مسألة الصراع العربي- الصهويني ونتائجه، التي ينقلها عمر ببساطة مؤلمة: انفجارات، وجماجم، أو بقايا جثث، والتفاعل الآني،  والمعايش لدرب الآلام الفلسطينية.
عمر يدخلنا في سياق الابداع العربي، لإيصال رسالة جمالية إنسانية وحضارية (كفاحية حتى) تعبر عن واقع وحياة الشعب الفلسطيني، الذي عانى وحده طويلاً، ووصل صوته أخيراً لكل الأقطار، وكذا نقل تاريخ أمته مع القتل والإبادة “الاحتلالية” الممنهجة، في تجليات تصويرية بمدخلاتها الدلالية الرمزية الشعرية المرئية، في توليفات العمل الفني تقنياً، وفكرياً، وفن الحروب عبر العصور.
ينقل لنا مسيرة وهموم نضالية لمواطن عربي مًحتل،  له هوية وانتماء يتشبت بهما، ويظهر لنا عوامل النكوص والإحباط والانسلاخ والتشظي في تداعيات لها رمزية تعبيرية وأدبية (فعل عربي رسمي، فعل عربي شعبي، دماء، شهداء..)، لتشكيل لحمة إضافية لتوثيق عرى التواصل النضالي مع القضية الفلسطينية، التي تفاعل معها العالم بأسره.

اِرتبط الرمز في أشكاله الخطية، واللونية، والفكرية، عبر عناصر ومكونات فنية شكلية (كالكوفيات، الزيتون،الحجارة،الانفجار،الجمجمة..)وغيرها من رموز ودلالات مفاهيمية وفكرية متحضرة ومنشودة في مخيال الذاكرة الشعبية، والموروث الحضاري ، والجمالي،  والحكايات، والذات الفنية المبتكرة،  والمتضافرة مع روحية الذات الغالية،  والوجودية في معركة البقاء ضد الإبادة، التي تشهدها وترفضها الشعوب.
بالاشتغال في لوحات فنية تصور أناقة التعبير المناسبة لمدلول اللون في الذاكرة، لتشكل الدائرة اللونية الأساسية (الأحمر،الأصفر،الأزرق)،  والمساعدة المتممة (الأبيض، والأسود)، وتدرجاتها اللونية الاشتقاقية بروداً، ومرارة، ووحدة لونية،  ووحدة عضوية متكاملة ،لمعزوفة النضال والوحود الفلسطيني الراسخ،  في إيقاعات بصرية فنية تشكيلية، ورؤية بصرية حاصدة لكل الرموز، والدلالات المعبرة.
ختاماً، يختار عمرسعدون في أعماله، العناصر الفنية بشكل دقيق واع ومتقن لما يخدم به مضمون منجزه الفني،  سواء في رسم الانفجار، أو رسم الجمجمة، كأهم ركيزة في بناء اللوحة التشكيلية فنياً عنده، وكذا خلقها بوظيفية تعبيرية وعلمية رمزية، وبتناسق زاد من قيمتها جمالياً وفنياً، ويبتعد في أعماله عن رسم المعتاد (شفشاون مثلاً)، ويقترب للواقع بطريقته “الدالية نسبة إلى دالي”.


★كاتب-المغرب.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى