حنين ناصر سالمة★
اسمح لي بأن أدعوك لحضور مسرحية لإحدى المهرجانات الأكاديمية، لتتذوق من خلال هذه الرحلة إبداع قلم الكاتب، ورؤية المخرج ورسمه الخاص للصورة المسرحية، وتعايش الممثل مع شخصيته في العرض، على أن تسلم جميع حواسك لهذا الفن العظيم الذي دام لآلاف السنين.
تقبل دعوتي، وتجلس على المقعد بين الجمهور متحمسًّا لمشاهدة عرضًا جديدًا ورؤية جديدة.
يبدأ العرض، وتجلس أمامك امرأة برفقة طفلة لا تتجاوز الثلاثة أعوام، تسمع نواح هذه الطفلة بصورة متقطعة خلال العرض المسرحي، ثم تجلس بجانبك فتاة ممسكةً هاتفها، تحادث شخص ما عبر الرسائل المباشرة، تملك أظافر جميلة وطويلة، فيصاحب ضوء شاشة جهازها الموجه في وجهك صوت طقطقة أظافرها الطويلة على شاشة التلفون.
أما من يجلس وراءك، فهو ناقدٌ محلل للعرض المسرحي، لكنه لا يمارس نقده بعد نهاية المسرحية، بل يبدأ بتحليل العرض أثناء عرضه مباشرةً! فتسمعه يتسابق مع الأحداث ليدخل في لعبة التنجيم بصوت مسموع “البطل سيموت.. البطلة ستنتحر.. هل رأيت؟! لقد أخبرتك!” مترقبًا وسام شرف نتيجة تخمينه للأحداث! ثم يأتي شخصٌ متأخرًا عن حضور العرض في موعده، وبدلًا من الجلوس في الخلف ضمن المقاعد الفارغة يقرر الجلوس في المقعد الذي حجزه زميله له بجانبه؛ لذا يطلب منك الوقوف في منتصف العرض المسرحي حتى يعبر ليجلس في مقعده.
تخرج من العرض وفي ذاكرتك الطفلة، وصاحبة الأظافر الطويلة، والناقد المحلل، والرجل المتأخر لكنك لا تتذكر أي شيء عن العرض المسرحي!
هل استفزك الوصف المذكور؟ تخيل يا عزيزي أن هذا المشهد ليس من وحي الخيال، بل هو واقع للأسف.
بدأً من الطفلة التي أحضرتها والدتها، والتي أجدها أكبر كارثة من ضمن ما سبق ذكره، جميعنا نعلم أن عروض المهرجانات النخبوية ليست مناسبة قطعًا للأطفال أو صغار السن، لما تحويه من مشاهد لا تصلح لتواجد الأطفال بها (كمشهد انتحار، أو قتل، أو اغتصاب وما إلى ذلك) علمًا أن الحوار في الغالب يكون قاسٍ وصادم، فكيف لطفل في بداية رحلته لكسب المعرفة أن يحضر عروضًا كتلك؟! وهنا تقع المسؤولية على عاتق إدارة أي مهرجان يسمح من الأساس بدخول فئات عمرية صغيرة.
أما عن صاحبة التلفون، فما هي حاجتها لحضور العرض وهي تلعب بين الجمهور دور الحاضر الغائب؟ في حين أن الممثل يتصبب عرقًا على الخشبة باذلًا كل ما بوسعه لينال إعجاب الجمهور.
والرجل المتأخر، هل من المنطقي أن يشتت تركيز صف كامل من الجمهور حتى يتسنى له الجلوس رفقة صديقه؟ في حين أن باستطاعته الجلوس في المقاعد الفارغة دون أن يستأذن أحدًا للوقوف في منتصف العرض.
أما الناقد المحلل، هناك ندوات تطبيقية في ختام كل عرض مسرحي، تُقام لمناقشة وتحليل العرض، يمكنه أن يعبر عن رأيه الخاص في الندوة المخصصة لهذا الشأن بدلًا من ممارسة نقده أثناء العرض.
خلاصة ما سبق أن المسرح هو تاريخ بدأ منذ آلاف السنين، وفي كل عمل هناك طاقم عمل أُهْلك واستنزفت طاقته في البروفات وفي عملية كتابة النص وتصميم الديكور والإضاءة ورسم الصورة المسرحية، علينا احترام المسرح أولًا ثم احترام الفريق القائم على العمل المسرحي ثانيةً، سيخرج الجميع سعداء من العرض بما فيه من عاملين وجمهور إذا ما احترمنا المكان الذي نحن فيه، ويمكننا لاحقًا فعل ما نشاء بعد انتهاء العرض.
★خريجة قسم النقد والأدب المسرحي -المعهد العالي للفنون المسرحية -الكويت.