سينمامشاركات شبابية

شهد إبراهيم: ما مصيرك في حرب تستخدم الألعاب النارية؟


في أول أيام الدورة الثالثة، من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي بجدة، تم عرض الفيلم المصري “شماريخ” ضمن برنامج روائع عربية، وقد حقق الفيلم نجاحًا كبيرًا منذ طرحه في مصر، في دور العرض الأسبوع الماضي، وتدور أحداث الفيلم في إطار أكشن، ومطاردات، حيث يحدث ظرف ما يجمع بطلا الفيلم، ويجعلهما في خطرٍ كبيرٍ، الفيلم تأليف وإخراج (عمرو سلامة)، وبطولة آسر ياسين، وأمينة خليل، وخالد الصاوي، وآدم الشرقاوي، ولافينيا نادر، وهدى المفتي، والراحل مصطفى درويش، وعدد آخر من الفنانين.
ابن غير شرعي!
يطمح الاِبن غير الشرعي ـ (رؤوف) ـ في اعتراف والده (سليم) تاجر المخدرات به ، فيعمل معه، ويساعده في أعماله المشبوهة، فيُكلفه والده باغتيال أحد رجاله، والتخلص أيضاً من ابنته، بسبب قراره اعتزال العمل، مع وجود أوراق مهمة معه، تهدد استقرار أعمال تاجر المخدرات، وذلك مقابل أن يعترف بأنه الاِبن الشرعي له، الذي يستحق أن يُدير جميع أعمال والده، فيما بعد.
سر البوستر؟!
 عمل المخرج على معالجة للفيلم، كانت سنة 2005، كما قام بتحضير، و تطوير السيناريو، منذ سنة ونصف، و بنى نظرية الفيلم على تأثير الصوت العالي للشماريخ، الذي قد يستخدمه بعض الأشخاص، كغطاء لجرائمهم.
رسالة سيميائية في البوستر:
وقد تسببت البوسترات الدعائية للفيلم، في حالة من الجدل بين متابعي السوشيال ميديا، بسبب ظهور آسر ياسين، وأمينة خليل، وبيد كلٍ منهما سلاحاً آلياً، حيث ينقسم  البوستر في شكل رأسي، وبنسب متوازنة بين القوتين، ولكن مع اختلاف نظرة كلٍ منهما للآخر، فقد كانت نظرة أسر مُحَمَّلةً بعواطف تجاه أمينة ، على النقيض نرى عينيها، مُحَمَّلةً بدَوافع انتقام، وتحدٍ، في حين تظهر وراءهما خلفية مبهجة من ألوان زاهية كثيرة، تجمع بين الأحمر، والبرتقالي، والبنفسجي، ناتجة عن انفجار ألعاب نارية “شماريخ” على عكس ألوان ملابسهما السوداء الداكنة ، وقد يوضح هذا التضاد، اِنعزالهما واختلافهما عن هذا العالم المحيط بهما، وخلفهما أشخاص بأقنعة، وكأنهم أشخاص يشبهون الروبوت، قادمون نحوهما، كل هذه الدلالات في البوستر، تجعلنا نتساءل، هل هما في صراع بين بعضهم البعض؟ أم سيجتمعا سويًّا من أجل خطرٍ ما يلاحقهما؟


حب وسط النيران:
تتطور الأحداث حيث يجد “رؤوف”، أو “البارود” نفسه، غير قادرٍ على استكمال مهمته، بل إنه  يساعد “أمينة” على الهروب من الفخ، الذي نصبه لها والده، ويعيش معها قصة حب.
تلك المشاعر المتضادة لشخص قاتل بطبيعته، تجعل شخصيته مركبة، ومُحَمَّلةً بدوافع نفسية كثيرة، أولها علاقة والدته من والده غير الشرعية،  التي تلاحقه بالعار، وطبيعة عمله مع والده، التي تدفعه أن يقتل أكثر من مائة شخص يوميًّا، وبإشارة من والده، طامحًا أن يعترف به، حتى حين  يقرر أن يصبح شخصاً نظيفًا، يجبره والده أن يقوم بقتل الفتاة، التي سيقع في حبها فيما بعد ، وهو بالأصل شخص متزوج بالإجبار، و زوجته ستصبح حاملًا، مع تصاعد الأحداث، لتصبح لديه نقطة ضعف، ودوافع انتقام أكثر، تِجاه قاتلها، فيما بعد.
آسر ولغة الصمت:
برع آسر ياسين في إظهار تلك العواطف بشكل متزن، غير مبالغ فيه، وأتقن أيضًا التحكم في انفعالاته، وردود أفعاله، وظهر ذلك بشكل ملحوظ في تعبيرات وجهه، في المشهد الذى تمكَّنَ فيه من الوصول إلى المستندات، من على لاب توب “أمينة”، وكان المشهد تقريبًا 30 ثانية ، اِختلفت فيه انفعالات  آسر ياسين بشكل كبير ، ما بين رغبته بقتلها،  ليحقق الِاعتراف به، وأنه أيضاً، قد أخذ وعداً على نفسه، ألّا يقتل أحدًا ثانية ، بالإضافة إلى أنه وقع في حبها، ولا يستطيع فعل ذلك، واستطاع آسر ياسين، إتقان لغة الصمت بطريقة مميزة، إذ أننا نجده بتعبيرات وجهه، و نظرات عينيه، يعبرعن الكثير من الكلمات.
مبرر درامي:
يثير اعتراف والده، غضب الاِبن الشرعي “فارس”، والذي يجسد شخصيته، آدم الشرقاوي، ونعتقد أن المبرر الدرامي لاِختيار آدم لتلك الشخصية، عدم استطاعته التحدث باللغة العربية بشكل متقن ، مما جعل أداءاته تميل إلى نوع من الواقعية، كونه الاِبن المُدلل لوالده، الذي يتمتع برفاهية في العيش.


أداء أمينة:
أمّا أمينة خليل، فإن ما يثير الإعجاب  في أدائها التمثيلي منذ أن ظهرت، هو الواقعية، وعدم المبالغة، فشخصية “أمينة”، التي تقدمها  “أمينة خليل”  شخصية مُحَمَّلةٌ بدوافع نفسية، ودوافع اِنتقام، إذ إنها تبحث عن (رؤوف)، حيث تعتقد أنه هو الذي قتل والدها، كي تنتقم منه، لتعرف فى النهاية أنه نفس الشخص، الذي وقعت فى حبه، فهي شخصية سوية تمامًا، تعمل محامية، لكنها وُضعت فى ظروف جعلتها تتحول، ونرى تقمصها للشخصية، بشكل واضح فى مشهد توجيه المسدس نحو “رؤوف”، بعد أن عَرفت الحقيقة، وبداخلها حزن شديد جدًا، يخرج على ملامح وجهها، و عينيها، بل وتَرَدُدٍ في أن تقوم بقتله، مما يجعل المشاهد يصدق مشاعرها، ويتأثر بها.

أثره الجميل:
يشهد الفيلم ظهور الفنان الراحل (مصطفى درويش) رحمه الله، الذي جسَّد شخصية “شهاب”، وقد قامت أسرة الفيلم بإهداء العمل إليه، فيظهر اسمه على الشاشة في اللقطة الأولى من الفيلم، وعلى الرغم من قصر مشاهده، بسبب وفاته، وعدم استكماله للتصوير، إلا أن  التناغم كان واضحاً في المشاهد، التي جمعته مع آسر، وبالأخص مشهد اتفاقهما على أن يتركه يهرب، ولكن سيطلق عليه النار، لكى يكون هناك سبب لتركه، بالإضافة إلى الجانب الكوميدي، الذي يتمتع به الراحل فى شخصيته، التى تجعله قريباً من الجمهور بشكل كبير.


حضور طاغٍ:
يعد اختيار الممثلين أحد أبرز عناصر قوة العمل، وهذا ما يظهر حتى في ضيوف الشرف، والأدوار الثانوية، بداية من طه دسوقي، الذي ظهر في مشهدٍ واحدٍ فقط، أضاف فيه لمسة كوميدية لطيفة وخفيفة، مصنوعة بعناية، وأثارت انتباه الجمهور.
ولأول مره تُقدَّم (هدى المفتي) دورًا يعتمد بشكل كبيرعلى الأداء التمثيلي فقط، وليس على شكلها الخارجي، ومظهرها، من خلال تقديمها لشخصية “زوجة رؤوف”،  التي يتكرر معها ما حدث لوالدته.
أما شخصية “الطفلة سماح”، التي قدمتها الطفلة، لافينيا نادر، فقد جذبت بأدائها، إعجاب الكثير من الجمهور.
وقدَّم محمود السراج،  شخصية “مهدي” جد رؤوف، وعلى الرغم من قلة المشاهد، التي ظهر بها، إلا أنه كان لظهوره أثر جميل ، بالإضافة لإتقانه لغة العيون، فهو ممثل رائع، و نال إعجابنا منذ ظهوره في الفيلم.


كيف تعامل المخرج مع الفيلم:
يبدأ الفيلم بأسلوب سرد جذاب ، إذ إنه يبدأ من المشهد قبل الأخير، ثم يتم ربط الخطوط تدريجيًّا، لنعرف متى بدأت أزمة البطل، بالإضافة أنه رسم بعض الكادرات، التي تجعل المُشاهد يشعر بالضيق والتوتر، التي تشعر به الشخصية، ونرى ذلك بشكل واضح فى كادر أمينة خليل، وهى بداخل دولاب بيت جارها، تتخفى من العصابة، ويظهر وجهها بزاوية 3/4، و ذلك ليضيف جزءًا بسيطًا من العمق، بالإضافة إلى أن الإضاءة، كانت فى معظم المشاهد خافتة، تتفجر بوميض زاهٍ وملون، عند تفجير تلك الألعاب النارية.


وعلى الرغم من الكم الهائل من الدمار، الذي يحدث بعد المواجهة بينهما وبين العصابة، إلا أنه لم تتدخل الشرطة في أي مرة لتفض النزاعات بينهم، مما يشعرنا بالإضافة لما يقوم به آسر ياسين من تدمير بمفرده،  بما يشبه “اللعبة” وكأن دخولهم  في حرب يشبه دخوله في “لعبة”، يقوم فيها بتدمير، وقتل الأشخاص، ليخرج  منها فائزًا.
ذكاء إخراجي:
المؤثرات الصوتية،  تم توظيفها بشكل ممتاز، والديكورات كانت واقعية، بالإضافة إلى الأماكن، التي تم تصوير مشاهد الليل الخارجي فيها، كان معظمها فى الصحراء وهذا طبيعي لأشخاص في حالة هروب، وأيضاً ماكياج الإصابات،  كان واقعيًّا جدًا.
وكانت النهاية مفتوحة وسعيدة نوعًا ما، وهذا ذكاء إخراجي، حيث إن موتهما سيحزن المُشاهد، كوننا كمجتمع عربي، نميل دومًا إلى النهايات السعيدة، وفي النهاية المفتوحة، لا يجزم المُشاهد بموتهما أو تعافيهما  من الإصابات، ونجاتهما من أيدي العصابة.

ثغرات في السياق:
رسم المخرج  كادرات،  تحتوي على مشاهد ترمز للعلاقات الجنسية، بشكل واضح جدًا، مثل كادر “فارس” وهو نائم، وبجواره، وحوله البنات في أرضية الغرفة، رغم ان  هذا  الكادر ليس لوجوده أي مبرر درامي ، ولن يؤثر حذفه على السياق الدرامي، وكان بإمكانه الاستعاضة عنه بطرائق عديدة، للتعبير عن كونه شخصاً مُنْحَلّاً، يقيم علاقات عديدة بصورة مختلفة، بالإضافة للإشارة بشكل واضح جدًا، للعلاقتين “السادية”، و”المازوخية” في مشهد ” مهدي”، وهو يحكي لـ “فارس” أن والده كان يحب الضرب، و أن والدته كانت تطلب منه “الكرباج”، ليقوم بضربها، موضحاً بذلك الحوار، العلاقة التي تجمع بين الأب السادي، والأم المازوخية، فهذا المشهد أيضًا ليس له مبرر درامي، وأنه كان من الممكن أن يرمز لوالدته، أنها شخص يشكل عارًا لاِبنها بالكثير من الطرائق، وليس بهذا  الحوار الواضح عن تلك الانحرافات الجنسية، خصوصًا أن ذلك العمل متكامل من جميع الجهات، وكنا نتمنى  لو لم نرَ مثل تلك الشوائب، التي دونها ، كانت ستكتمل صورة الفيلم، كعمل فني مكتمل، من جميع الجوانب.


مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى