عادل العوفي: لماذا تعثر مسلسل سيرة الدكتور مصطفى محمود ؟


عادل العوفي ★
مرت سبع سنوات بالتمام والكمال على طرح إحدى شركات الإنتاج المصرية برومو لمسلسل يطرح سيرة المفكر الذائع الصيت الدكتور ” مصطفى محمود ” وأُسند دوره للفنان “خالد النبوي” الذي أطل في مشهدٍ بدقائق معدودة كان عبارة عن محاكاة للبرنامج الشهير “العلم والإيمان ” الذي كان يقدمه محمود سهرة كل إثنين في الساعة التاسعة، وظلت تفاصيله محفورة في ذاكرة المشاهدين، ابتداءً من مقدمة الناي الحزينة إلى المقدمة التاريخية المختصرة في ” أهلًا بكم ” بصوته الذي لا ينسى ؛ مع العلم أن هذا البرنامج بلغت حلقاته 400 حلقة، وحين وافق عليه التلفزيون المصري كان قد عرض على صاحبه مبلغ 30 جنيهًا فقط للحلقة؛ ليتدخل حينها أحد رجال الأعمال وينتجه على نفقته الخاصة قبل أن يصدر قرار من الرئاسة المصرية إلى وزير الاعلام آنذاك صفوت الشريف بإيقافه كما سبق، وصرح نجل الفيلسوف والطبيب المعروف “أدهم مصطفى محمود”.

لسنا هنا بصدد إعادة سرد سيرة هذه الشخصية التي يعرفها القاصي والداني، لكننا سنتوقف عند ما صرح به كاتب المسلسل “وليد يوسف ” حين كشف في إحدى اللقاءات أن ” منتج العمل يحتاج شراكة الدولة لضخامة العمل الإنتاجية، إذ يتضمن 157 شخصية، وديكورات وسفريات للخارج، حيث أن صاحب العلم والإيمان كان يسافر للمشاركة في مؤتمرات عالمية “.
مضيفًا أن المسلسل يتحدث عن أغلب “عباقرة مصر منذ أربعينيات القرن الماضي حتى العقد الأول من القرن الواحد والعشرين وفي مجالات مختلفة من الفن والأدب والسياسة على غرار “أم كلثوم وصلاح جاهين وعبد الحليم حافظ وأنيس منصور وأسامة الباز وإحسان عبد القدوس وآخرون”
قبل أربع سنوات طرحنا مقالًا حول العمل مستبعدين كليًّا أن تلقى “المناشدات ” الصادرة عن جهة الانتاج آذانا صاغية كي يبصر المسلسل النور ومصدر ثقتنا تلك أن الدراما العربية إجمالا تتنصل من مهمتها في تقديم هذه النماذج المشرقة الجديرة بالاهتمام لصالح تكريس السخافات والتفاهات وتمجيد ” البلطجة ” وتزييف الحقائق ؛ والدليل أن ابنة النابغة مصطفى محمود كشفت قبل أيام قليلة في أثناء تواجدها مع الإعلامية “منى الشاذلي” في برنامجها أن المسلسل متوقف ولا جديد يذكر حوله، وقد وصلنا للسنة السابعة دون أن يتحرك المشروع وأكدت أن السبب الرئيسي لتعثره يكمن في غياب جهة إنتاجية قوية تصطف بجانب الشركة التي تبنته .

الغريب أننا وخلافًا لما تعودنا عليه في كل مسلسلات السيرة الذاتية نجد أسرة متفهمة وموافقة على تفاصيل السيناريو ؛ لكننا نصطدم بحاجز أقوى يكمن في الإنتاج ؛ وهنا لابد أن نتساءل : كيف لفنان بقيمة “خالد النبوي’ أن يوافق ويطل عبر برومو تشويقي دون وجود ضمانات حول قدرة الشركة المنتجة على المضي قدمًا في تنفيذ مسلسل من المعلوم مسبقًا أنه بتكلفة ضخمة لأنه يتناول شخصية غير عادية ؟ ولماذا يلتزم الصمت منذ تعثر المشروع وهو من أبدى مرارًا وتكرارًا رغبته في تجسيد الشخصية ؟
وعلى ذكر البرومو لابد من الإشارة إلى أنه حصد نسبًا عالية جدًا في المشاهدة، حين تم طرحه ؛ ما أجج حماسة الجمهور وزاد ترقبه لرؤية المسلسل كاملًا على الشاشة ؛ لنضيف سؤالًا أخرًا : أليست مثل هذه الشخصيات أولى وأجدر بأن تلتفت إليها الشركات المحتكرة للفضاء والهواء في مصر اليوم ؟ ولماذا تغيب مثل هذه الأسماء التي تركت بصمات وقدمت خدمات جليلة للمجتمع مقابل الاهتمام وصرف الميزانيات الضخمة على مسلسلات تافهة فارغة المضمون تقدم صورًا سلبية عن المجتمع المصري وتلمع الخارجين عن القانون والمجرمين ؟
المؤكد أننا مطالبون بتسليط الضوء على “تغييب ” العباقرة في الدراما العربية ؛ والدكتور مصطفى محمود بسيرته الحافلة الغنية بالدروس والعبر على رأس القائمة ؛ ومن الضروري مواكبة هذا الملف حتى يخترق ويكسر كل العراقيل المحيطة به وحينها يكون للصورة الفنية وطريقة التجسيد حديث أخر مفصل .
★كاتب وصحفي- المغرب.