إذاعة وتليفزيونموسيقي

شيماء مصطفى: (وناسة) .. هل يصح تقديم ذلك للأطفال ؟!

شيماء مصطفى
من منا لا يريد لصغيره أن ينشأ في بيئة سوية، تساعده على النمو بشكلٍ مقبول؟!
من منا لا يريد أن يجد المحتوى الهادف الذي يحقق المعادلة الصعبة فيوزان بين التسلية والتربية؟!
منذ أسبوع جلست مع ابنة شقيقي لمشاهدة قناة الأطفال (وناسة) التي عرفت أنها تتابعها بشغف، كون بطلة القناة طفلة كرتونية تدعى “لولو” وابنة أخي” ليالي” تُنادى بالاسم ذاته كنوع من التدليل، فاندمجت صغيرتنا مع الطفلة الكرتونية”لولو” لتشابه الأسماء.
جلست مع ليالي من منظور أُسري، وكمشاركة لها في يومها بعيدًا عن كوني باحثة في مجال أدب الطفل، قضينا ساعةً انبهرت هي وانصعقت أنا، كيف لوطن يضم عشرات بل مئات المبدعين في مجال أدب الطفل بكل ما يشمل من أغانٍ ومسرحيات ونصوصٍ روائية وقصصية ، ورسوم متحركة أن تكون القنوات التي يشاهدها صغارنا بكل هذا الخواء واللا منهجية؟! لنتابع معًا بعضًا مما رأيت من تلك الفتاة في ذلك اليوم.

لولو

أغنية جوعانة
تدور فكرة الأغنية حول لولو التي تستمر بالبكاء والصراخ لأنها جائعة، وتحاول الأسرة تهدئتها بكافة الوسائل والمأكولات غير الصحية، وترفض لولو، وتطلب وتطلب. محتوى لا يتجاوز عرضه ثلاث دقائق، اكتظ بصور وجبات سريعة كثيرة، وسلوكيات غير تربوية لا يتناسب والفئة العمرية الموجهة إليها هذه الأغنية، ولكن بعد قليلٍ وجدت صغيرتنا تفعل مثل لولو ترفض كل شيء وتغضب، وتستلقى على الأرض وتصرخ كما لو كانت لولو، فعرفت حينها من أين جاء هذا التأثير المباشر.
في عالم السينما والدراما إذا كان المحتوى يموج بالعنف والبلطجة ينقسم الناس لطرفين فئة منهم تقول أن: المطروح على الشاشتين- سواء الكبيرة أو الصغيرة- ما هو إلا إنعكاس للواقع، ويقول الفريق الآخر أننا كبار بالدرجة الكافية للتمييز، ولا يجب أن نتخذ من الفن معلمًا، ونتهمه بأنه يروج للعنف، هذا إذا كنا نتعامل مع المحتوى حينها على أنه فن، ولكن هل الصغار يمكنهم التمييز بغياب الرقيب؟
لولو الشطورة؟!
وإذا تركنا كل هذا فسنجد لولو التي يمتدحونها ويدلولونها ويصفونها في أغنية أخرى “لولو الشطورة” هي نفسها التي تغني وتتنمر وتسخر من أختها الأصغر هي وأقرانها في أغنية “ليكا أختي الغيورة” وتنعتها: « القلودة، المكيودة، الحقودة».
ويأتي أصحابها أيضًا ويرددوا ما تقوله لولو لشقيقتها الأصغر، ويأتي طفل آخر ويضربها فتقع الصغيرة على الأرض ويتمزق فستانها، لتأتي لولو وتضحك بسخرية منها، وفي النهاية تأتي الأخت الصغرى وتعتذر من لولو وتعدها ألا تعيد تقليدها مرة أخرى، هل هذا منطقي؟ أو تربوي؟

شقيقة لولو في أغنية ليكا أختي الغيورة

أين القدوة؟

أتفهم أنه من الضروري أن يكون لكل طفل شخصيته المتفردة، ولكن ما يحدث لا يتلامس مع التفرد من بعيد أو من قريب، أين نحن من قول الشاعر
مشى الطاووس يومًا باختيال.. فقلد شكل مشيته بنوه.
أين القدوة؟ ولِمَ لا نقول أن الأخت الصغرى معجبة بشقيقتها الأكبر وتريد أن تكون مثلها، ولماذ لا تكون “لولو” هذه قدوة للصغيرة.
للأسف الشديد ومن المخجل أن أقولها فلدينا آفة كبيرة في مجتمعنا وهي الخلط بين المفاهيم.

مين بتحبي ؟
نترك لولو، نترك الأخت، نترك الجد والجدة، ونذهب للأب والأم لنجد الطامة الكبرى في أغنية ” الماما ولا البابا؟”
فنجد الأب والأم يسألان صغيرتهما “لولو” مين بتحبي البابا ولا الماما يا لولو، وتبدأ الأم بسرد ما تقوم به من أعمال منزلية ومهام يومية لتؤكد أنها الأحق بالحب من الأب، ويأتي الأب في الضفة المقابلة ويعدد إنجازاته، وما يفعل من أجل صغيرته، مستعرضًا بما يفعل وكأنه فضل لا واجب، ليقنص من فمها “البابا” وكأننا في حلبة انتخابية لا حياة أسرية سوية.
حتى هنا وسرد كل منها ما يفعله من أجل الصغيرة يشوبه المَن والأذى والفخر بالعطاء، فما يقوم به الأب، وما تفعله الأم فرض أجل من ذلك المن،
فمن ينجب ملزم بالتربية وتوفير الاحتياجات، وذلك إذا تعاملنا بمعزل عن كارثية السؤال من الأساس، فلا يقبل أن نضع الصغير تحت ضغط الاختيار بمثل هذه الأسئلة الممزوجة بالچندرية.
أما بخصوص الموسيقى والغناء فهي مزيج مستهجن من موسيقى المهرجانات الشعبية لعبد السلام، خاصة في أغنية عيد الميلاد مع مزيج غير متجانس الخليجي واللبناني، فهل هذا النوع من الموسيقى يمكن يرتقي بذائقة طفل في طور التشكيل؟
دعوة لإعادة النظر؟! 
وسواء جلست أمام لولو ساعةً أو ساعتين، أو حتى قضيت يومًا كاملًا لن تجد محتوى تترك صغيرك أمامه وأنت مطمئن، يؤسفني أن أخبرك بأنك ستجد الكثير من الهنات، وكلي يقين أن أية قناة ومنها قناتنا تلك لا تريد أن تقدم لأطفالنا ما لا يصح تقديمه لهم، ومن هنا نطلق النداء لتلك القناة لإعادة النظر في هذا المحتوى ومراجعته؛ حمايةً لأطفالنا الذين نسعى جميعًا لأن يعيشوا أسوياء تربويًا واجتماعيًا ونفسيًا.


مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى