مسرحمشاركات شبابية

حصة الحمدان: لماذا تراجع مسرح الطفل في الكويت؟

حصة الحمدان ★
أشتاق إلى مسرح يمتلئ ببراءة الأطفال، أحنُ إلى تلك التساؤلات البريئة، عندما يأتي مشهدٌ يُحَفِّز القيم الإنسانية، والِاجتماعية، والتربوية، في قلوب النفوس الصغيرة، فيبدأ الطفل يتساءل، ثم يرى بريق النجوم، يخرج من تلك الأعيُن الطاهرة، لا يدري هل سيذهب إلى (الذئب) ويُعمي بصره عن( ليلى)، أم سينادي الشُهب، حتى تكون (لأليس)، وقطتها جنودٌ، تهزم الأشرار( أليس في بلاد العجائب)، أو تأخذه النجوم الشاردة مع (سارة ) لتنطلق مع (حكاية عذبة )، وتغلق صفحاتها مع (الساحرة، وحنين، والتنين)، وغيرها من المسرحيات، التي نجد في نهايتها العبرة والعظة، فلولا أفعال ( ليلى والذئب) ما استفاد الطفل من العظة في النهاية، ولولا سفر (سارة، وسعود) ومساعداتهما للفقراء والمساكين، ودول الحروب لما استوعب الطفل بأن هناك كواكب أخرى، تعيش مابين أرواح تمزقها الحروب، والجوع ، والفقر، وغيرها من المسرحيات القديمة الكثيرة، التي كانت بمثابة المُغذي، لأرواح الأطفال بالقيم التربوية، لتزداد طاقة الطفل من خلال العنصر الدلالي، والتربوي، اللذين يجعلانه مشاركًا في اللعبة المسرحية.

مسرحية أليس في بلاد العجائب
تأليف علاء الجابر -إخراج هدى حسين

جميع ماسبق هو إحساس الطفل، الذي يتردد في داخلي، في كل مرة أذهب، أوأشاهد مسرحيات الأطفال المحلية الحديثة، فتسألني حصة الصغيرة، التي تعيش في قلبي، ماهي الحكمة من هذه المسرحية؟ هل هي مسرحية فعلاً، أم مجرد لفت انتباه، ورقص دون جدوى؟!، لماذا الطفل الجالس بجانبي، لم يعد يسأل والدته ، أين نجمة الِاندهاش في أعينهم البريئة، ثم تنتهي بـ لمعانها الجميل عند الانتصار! .
هذه السنة ذهبت إلى إحدى مسرحيات الأطفال، كانت أمنيتي فقط، أن أرى في ملامح الطفل، علامات الِاستفهام والتعجب، التي تدل على تحفيز عقله، لاستيعاب المعروض أمامه، لكن عند رجوعي للواقع، رأيت الأطفال جميعهم يرقصون رقصة واحدة، ويهتفون بكلمات واحدة، لا يدركون معانيها ، بل لا يرون أمامهم إلا الرقص، والصياح بأعلى أصواتهم للأغنية، التي لا غاية لها، ولا منتهى سوى الِانحطاط الفكري .

مسرحية أبراكدبرا.
تأليف مريم نصير- إخراج بدر الشعيبي.

يؤسفني بأن مسرح الطفل اليوم، يقيد الأطفال شكليًا، ويُهمل جانب الحكمة في الطرح (المضمون) ، وأنا متأكدة، لوأنك فكرت أن تسأل أحد الاطفال، ماهو المغزى من المسرحية؟ فلن يستطيع أن يجيبك ، ولظل يكرر اللزمة، التي تخص ممثلاً ما، أو رقصة تعلَّمها من مسرحية شاهدها، وكذلك سيغني لك الأغنية الشهيرة للمسرحية، أو المسرحيات الحالية، دون معرفته بالجوهر الأساسي للعرض (إذا كان هناك جوهر).
على كُتّاب مسرح الطفل الحالي، النظر إلى المادة المسرحية المكتوبة، كمحاضرة تعليمية للأطفال، ليخرج الطفل من ذلك الدرس، وهو فاهم وواعٍ بالقيم، والمفاهيم الأخلاقية، والِاجتماعية، والثقافية، التي تبني جيلاً مثقفا، ومُدركًا لكل المعطيات، التي تُنَمّيه كإنسان، وليس شخصًا مُقلِّدًا كالقطيع !

أمسِ تحدَّثَتْ معي صديقة المواقف الصعبة (دلال)، التي لم تدرس المسرح إطلاقًا ، أخبرتني بأنها ذهبت هذه السنة، لأكثر من مسرحية للطفل، وعبَّرت برأيها قائلة : مسرحيات هذه السنة، عبارة عن ديكورات جميلة، أما الحكاية المسرحية الموجهة للأطفال، فهناك سقطة بارزة ومَعيبة ، لا توجد قيم، ولاتوجد قصة مفهومة للطفل، والقصص المطروحة ليست في موقعها الصحيح، فهي لاتناسب مسرح الأطفال، وكذلك كان المسرح عبارة عن قيم تبني أجيالاً غير مثقفة، وأتمنى أن يفكر كُتّاب مسارح الطفل من الآن فصاعداً ، في طرح قيم ومفاهيم تُحَفِّزُ الطفل، وتعزز قدراته بنفسه قبل كل شيء.
حين انتهاء صديقتي من الحوار، أدركت أنه ليس من الضروري أن يكون الإنسان دارسًا للمسرح، حتى يفهمه.
المسرح في الماضي، كان يهتم بالأزياء التي تناسب الطفل، والتي تلفت نظره، وتجعله في حالة اندماج مع الشخصية والحدث، لأنها مصممة بألوان تناسب عفويته وبراءته، وكذلك حركة الممثل، وتعابير وجهه وصوته، كانت تبين للطفل الحالة التي تؤديها الشخصية، مثل حالة الحزن، أو حالة القسوة، أوالشر ، في حين تعبر الحركة عن حالته المزاجية، الفطرية، الإنسانية، أو الحيوانية ،على سبيل المثال في مسرحية ( ليلى والذئب) كانت كل شخصية تعطي انعكاساً، أو نبذة للأطفال عنها حتى يفهمها، وفي مرات كثيرة كان المكان، والحوار يتم شرحه عن طريق أداء الممثل ، أيضاً الديكورات في المسرحية كانت تمثل الجو الداخلي والخارجي، مثل، المنزل ،أوالغابة ، أوالقرية.
بنفس الطريقة في مسرحية (الذئب، والعنزات الثلاث) التي سلطت الضوء على أداء الممثل، من خلال طريقة الصوت المعبرة للشر، و الفطرة الحيوانية، بالإضافة إلى الحكاية المطروحة ، واستطاعت إبراز قيم التعاون، والعمل، والوطن ، وبالجانب الآخر نجد كذلك مسرحية (ليلى والذئب)، والقيم التي تم طرحها، مثل قيمة البراءة والتكاتف، والذكاء، وغيرهما من القيم ..الأغاني في المسرحيتين كانت أغانٍ مناسبة للطفل، وأيضاً الأزياء، والديكورات تتطابق مع مدى استيعاب الطفل.
بالرغم من حبي لمسرح الطفل القديم، ومع هذا لابد على وجود سلبيات في مسارح الأطفال، فمثل وضع موسيقى تُمثل نمط السفاحين، وأقصد هنا الِاستعانة بإحدى الأغاني لموسيقى، ماخوذة من فيلم ريا وسكينة بمسرحية (الذئب، والعنزات الثلاث)، وهذا أمر يعتبر خطيراً بحق الإنسانية، فالمفروض في مسرح الطفل أن يُنميَ معرفة الطفل بالسلام، ويُشعره بالأمان، ولا يزرع الخوف في قلبه.

مسرحية ليلى والذئب
تأليف عبد اللطيف البناي. إخراج نجاة حسين

ومن سلبيات بعض مسارح الطفل قديمًا، الوقوع في الأخطاء التي استمرت الى يومنا هذا، وهي طرح القيم السياسية، مثل التطرق الى دولة معينة، أوالتلميح إلى وجود أعداء، يريدون هدم هذا الوطن، وأيضًا قضايا الفساد، مثل الصراع على اكتساب منصب دبلوماسي في الدولة، وغيرها من الأمور السياسية، مما لا تعني الطفل.
وعلى أي حال فجميع الأشياء الإيجابية، التي تم ذكرها سابقًا (باستثناء القيمة السياسية، وموسيقى ريا وسكينة)، نفتقدها اليوم في بعض مسارح الطفل حاليًا ، حيث غابت عنها كل المعطيات المذكورة، التي تجعل الأطفال مدركين للموقف، أوالمسألة المطروحة على الخشبة ، على سبيل المثال، عندما شاهدت مسرحية (تو ذا مون) لامستني القيم، التي تطرقت إليها المسرحية بشكل إيجابي متقارب، مع عقلية الطفل، مثل قيمة الحلم ،والطموح،والعلم،وحب الخير، والقيم الدينية، من خلال توعية الطفل على ذكر الخالق ، والقيمة الإنسانية، والوطن، وغيرها من القيم المطروحة، وعلى الرغم من ذلك، إلا أن القصة كانت ركيكة إلى حدٍ ما ، ولهذا حين مشاهدتي، تمنيت أن أرى الحكاية متكاملة، مع القيم الثمينة، التي كانت تمامًا مناسبة لعقلية الطفل، بالإضافة لكثرة قطع الديكور على خشبة المسرح في بعض المشاهد، وكثرة حركة الإضاءة خلال الأغاني، المسببة لتشتيت انتباه الطفل للحدث والكلمات المغناة، وفي الحقيقة بعيدًا عن كل الأشياء المذكورة، إلا أن مسرحية (تو ذا مون) تعتبر بنسبة متوسطة، مقاربة لعقلية الطفل ومعطياته.

مسرحية تو ذا مون تأليف وإخراج أحمد العوضي

نضع مثالًا آخر من مسرحيات هذه السنة، وهي مسرحية (أبراكدبرا) التي لا ننكر، ولا نجحد التعب و الجهود، التي قام بها طاقم العمل، من ديكورات حديثة، وحاصدة إعجابات الكثير من المتفرجين، علاوة الى إضافة الشاشات بشكل ماتع، ورائع وملفت، ورغم ذلك، إلا أن هذه المسرحية لاتعتبر (مسرحًا بالمعنى الحرفي) ، بل كانت عبارة عن (شو) مُقدم لفئة عمرية ،أكبر من سن الأطفال، حيث فقدتُ أنا كمشاهد، الحبكة المسرحية، والهدف من الطرح، علاوة على وجود المفردات الصعبة، حيث باتت القيم الطفولية ساكنة، لا وجود لها في المسرحية أبدًا..، وقد تساءلت عند مشاهدتي للمسرحية، ماهي الغاية من الأحداث؟، أو ماهي الوسيلة التي تبررها الغاية في المشاهد؟ …، يؤسفني أن تكون هناك عقول شبابية فنية ذكية، وتسقط في تلك الأخطاء، أتمنى أن يكون القادم أجمل من المتوقع، وإنني متفائلة على وجود من يُعيد الحياة، لمسرح الطفل في الكويت..
فن مسرح الطفل حاليًا، يحتاج إلى انتفاضة تعيد أيامه العظيمة ، المشحونة بالعفوية واللطف، التي تتطابق مع مجتمعنا ، بالإضافة الى خلق جو طفولي ملائم، للعقلية المحدودة ، مع الأخذ بعين الِاعتبار أن الجمهور الحاضر، مختلط مابين طفل حقيقي جاء بهدف التثقيف والمتعة، ولصنع ذكريات مستقبلية، وطفل داخلي حتى لو اختلف العمر، أتى ليعيد ماضي ذكرياته، التي لن تعود .


حصة علي الحمدان – خريجة قسم النقد والأدب المسرحي – الكويت.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى