إذاعة وتليفزيون

محمد القلاف: قراءة جديدة في مسلسل (الروح والريَّة)..لأنفال الدويسان.

محمد القلاف★

يعتبر تلفزيون دولة الكويت خامس تلفزيون بالوطن العربي، بعد العراق 1954، والجزائر 1956، ولبنان 1959، والجمهورية العربية المتحدة (مصر وسورية) 1960، حيث بدأ تلفزيون دولة الكويت إرساله في  15 /11/1961 ، و في هذه الحقبة، بدأت مواده تشمل برامج متنوعة ومتعددة، ومنها المسلسلات.

اختلفت مسلسلات هذه الفترة عن السنين التي مضت، و اشتعلت المنافسة فيما بينها، بعد دخول كبار الممثلين المخضرمين فيها، ممن لديهم خبرة على مستوى التمثيل في الفن، لذا ظهرت لنا عدة عناوين، قد تستحق المشاهدة، على سبيل المثال مسلسلات مطر صيف، والوصية الغائبة، والناموس، ثم (الروح والرية) – موضوع مقالنا- الذي يتناول المسائل العائلية، والصراعات فيها، في حقبتي نهاية الثمانينيات، وفترة التسعينيات، فإذا أتينا للعنوان، نجد أن معنى (الروح والرية) هي روح الإنسان، أي حياته، والرية من الري، أي الماء الذي يحيا به البشر. 

الكاتبة «أنفال الدويسان»، جسدت الأحداث في هذه الفترة، وأبرزت أهم القضايا الاجتماعية الأسرية، وصراع الحياة ومتغيراتها، وخاصة بين الأبناء والوالدين، في علاقاتهم والحياة الزوجية، فالكاتبة تميل للمدرسة الواقعية التي أسسها «بلزاك»، و«فلوبير»، و«ستندال»، وهي ليست الأخذ عن واقع الحياة، وتصويره بخيره وشره، كالآلة الفوتوغرافية؛ إنما تأخذ الأثر وما ينبعث عنه ، فالكاتبة دمجت القصة في الذكريات بالصور، وكل صوة من الصور في الألبوم، تحكي لنا حكاية ما.

ناقش هذا المسلسل، الصراع الطبقي، وما بين العادات والتقاليد، والتطور والحرية، والنساء المتزوجات من رجال لديهم أبناء، وتَحَمُّلِ تربيتهم وتعليمهم، وسوق المناخ والبورصة في مسألة الِانهيار في فترة الثمانينيات، والتي أدت لخسائر مادية للطبقة الغنية، والدكتورة “خلود” الذي اتهم زوجها بأنه هو من قام بالخسارة للشركة وسرقتها، مما أجبره أن يطلق ابنته، والطبقة المتوسطة هي عائلة “عبدالله” التي دخلت في هذا السوق واللعبة، ثم خسرت كل أموالها، وأما الماورائيات، أي عالم الأرواح، كيف تتعايش مع عالم الأحياء، وأنهم يحضرون ويرسلون التنبيهات، لما سوف يحدث، وهذه النقطة كانت حديث الساعة آنذاك، وإلى يومنا هذا، فالمؤمن يدرك هذا الأمر، أكثر من المادي، لهذا عندما قالت آمنة إنها تريد تربية الأولاد، بأمر أمها بالمنام، لم يفهمها أحد إلا أبوها “عبدالله”، لأنها كانت تأتي له كذلك، فقالوا عنه مجنون، أو كبر، وعقله صغر، وهذا القول قيل ل”آمنة”.

تعتبر الشخصيات، هي شبكة العلاقات في الدراما، منها الرئيسية المتمثلة في الأخوات الثلاث هبة الدري (آمنة) الأخت الكبرى، وريم أرحمة (هنادي) الوسطى، وإيمان الحسيني (نادية) الصغرى، فهم تناص للشخصيات الثلاث في مسرحية (الشقيقات الثلاث) للروسي أنطون تشيخوف، التي تجسد الحالة الاجتماعية، وبالخصوص معاناة المرأة.

هبة الديري

هبة الدري (آمنة):

هي الشخصية المحورية الرئيسية، التي تقوم عليها الأحداث في المسلسل، فهي تقوم بدور الأخت، والأم في نفس الوقت بعدما توفيت أمهم، كان عليها العبء الكبير في تربية، وتعليم إخوتها وأبناء أخيها، بالإضافة إلى مراعاة والدها، الذي لم يعد يتحمل المسؤولية، بحكم عمره وصحته، فالأحداث من بدايتها إلى نهايتها بين مفرحة وحزينة، وراحة وشقاء، أي التعب والخلافات مع تصاعدها ونزولها، فقد أصبحت الشخصية الملفتة، ودور المضحية بنفسها لإسعاد من حولها، ومساعدتهم، إلا أنها تواجه مصاعب، وتحديات للخروج منها، والتغلب على نفسها، إلى أن حققت ذلك، هي عنيدة بقراراتها منذ الصغر، عندما عاندت أمها في مشاهدة الرسوم المتحركة، ولم تسمح لأخيها، وكذلك في تربية إخوتها عندما تطلب العون من أبيها، لتحقيق قرارها وأوامرها لهم، وهذا انعكس على حياتها مع زوجها

-ريم أرحمة(هنادي)
الأخت الوسطى مؤمنة ومتدينة، ومتزوجة من رياض، تحب الِانضباط والقوانين في إدارة البيت، وخاصة مع أولاد زوجها، الذين اعتنت بهم منذ الصغر وكأنهم أبناؤها، الثيمة في الدور، مشابهة لمسلسل ساق البامبو، إذ تظهر كأمرأة متدينة ومحجبة، واعية وتعتقد أن الله يكشف لها الأمور، ومن خفايا تحدث في بيت زوجها، طيبة ومحبة، ومخلصة، ومتفانية، لأجل بيتها، ولا تحب أن يُهدم عليها، فكانت تحل مشاكلها بنفسها، دون تدخل عائلتها.

ريم أرحمة


-إيمان الحسيني (نادية):
أصغر الأخوات، وهي جامعية تحب مشاهدة الأفلام العربية، مثل أمها، والقراءة خاصة مجلات وقصص عبير، لأنها تعشق الرومانسية، وتريد أن تكون مثلهم، أو تتقمص دورهم في حياتها، تزوجت مرتين وتطلقت، في المرة الأولى كان زوجها عقيماً، وحاولت مساعدته، ولكن باءت بالفشل بسبب صراعاته، واضطراباته النفسية من شك، وعقد متراكمة، والزيجة الثانية كذلك أيضًا كان لدى الزوج  مشكلة نفسية، بل هو مُطَلّق، ومرفوع عليه قضية من زوجته الأجنبية بسبب العنف، وإن صبرها وكتمانها لجرحها، بسبب القناعة التي كسبتها من أمها، عندما قالت لها (تكبرين وتنسين) من هنا تحملت الضرب دون التكلم، أو إخبار أحد بذلك.

-محمد الدوسري (رياض):

يعمل موظفًا، وهو طليق خلود، ولديه ثلاث أبناء: ابنتان وولد، محب لهم، ولكنه يحتار بين زوجته الأولى، والثانية، مع تطور أحداثها وتعقيداتها بشخصه ومع عائلته، وهنا نجد التردد بين حبه القديم لطليقته، وما بين الأخرى، التي قامت بتربية أولاده واعتنت بهم، فهو يعيش صراعاً نفسياً عندما قال (أني محتار بين قلبي الموجود فيه خلود، وما بين عقلي الموجود فيه هنادي)

-شيماء علي (خلود):

تعتبر شخصية قوية، وتتلقى علاجاً بالطب النفسي، وتعشق السفر، سواء في فترة زواجها، أو بعد طلاقها، لها دور في تصاعد الاحداث وتقلباتها، وهي خصم لدود لزوجة رياض (هنادي) لا تهتم بالأولاد، ولا في تربيتهم، إنما جل همها نفسها، ورغباتها، وتحقيق ما تريده هي، ولو على حساب من حولها.

فاطمة الحوسني (عفاف):

وهي أخت (مشعل) تخلق المشاكل في بيت أخيها، ولا تحب الخير في البيت، حاسدة حقودة، وتتدخل في حياتهم الزوجية، وتريد التسلط بالمنزل، بسبب عدم زواجها، وكما  يصعب التعايش معها (على لسان آمنة عندما أخبرتها لماذا لا يسأل عنك أحد) هنا بيان على حالة الشخصية النفسية والاجتماعية، الممثلة الحوسني جسدت الواقع في تأدية دور، هكذا نساء من اللاتي يتدخلن في شؤون إخوتهم.

عبدالله التركماني (عبدالله):

هو الأب الحنون، الشخصية المتزنة العاقلة، التي تحملت عبء الحياة بعد وفاة زوجته، وثقلت المسؤولية عليه بسبب خسارته بالبورصة،  واشهار إفلاسه، وكون أولاده صغاراً، ويحتاجون الرعاية الجيدة والعطف والحنان، بعدها يوماً بعد يوم يكبر، وتبدأ الذاكرة تضعف، والجسم لم يعد يتحمل كما كان، وهذا التأثير من فقدان كل أملاكه وأمواله ، وكذلك كبر السن، وتراكم الهموم، التي تمكنت منه، فَثَقَلَّت عليه مسؤولية البيت.

الشباب والشبيبة:
سند المحافظ والمتدين والرياضي، ومشاري الطائش وغير المسؤول، وناصر الغني العصبي العقيم، ويوسف الذي انْجَرَّ للممنوعات، وسجى غير المبالية ، التي لا يهمها إلا نفسها، وابتسام المراهقة التي تهتم بنفسها كثيراً ، وأنوار القارئة ومحبة لسند، والظهور المميز لأبو زيد، كان لهم دور فاعل في تصاعد، وتغيير الأحداث، شيخة وفهد وحصة، عندما كانوا صغار أيضاً، لهم مساهمة في صنع المفاجآت. 
يقدم الصعوبات «أحمد ملا حسين» منتج المسلسل في لقاء له خاص مع (هي)عن تفاصيل القصة قال: «بدأنا تصوير المسلسل في فترة وجيزة ، وهو عمل جديد، تتناول حقبة التسعينيات، ومجموعة من الأحداث تقع لأفراد أسرة، وتتسبب في تغيير حياتهم، وتجبر بعضهم للتخلي عن أحلامهم، والبعض الآخر عن تحمل المسؤولية، فالعمل يقدم الصعوبات، التي تواجه الأهل في تربية الأطفال والمراهقين». 
تحدث كذلك أحمد ملا حسين وقال: 
«لعل الصعوبة تكمن هنا في تنفيذ العمل، وفق متطلبات الحياة خلال تلك الحقبة، من حيث الشكل وحتى المضمون، إذ أن الاختلاف كان واضحًا في كل شيء، لذلك حرصنا على الاستعانة، بكوادر محترفة تملك أدواتها».

عودة الذكرياتالمسلسلات أحد اتجاهات الدراما، كما تعتبر أحد الوسائل، أو المنافذ التي تهتم بالإنسان، والناس في هذا العالم، من ضمنها الأمور الاجتماعية والسياسية والدينية والاقتصادية، لذا نجد مسلسل الروح والرية، قدّم نموذجاً يُحتذى به، وجسد حقبتي الثمانينيات والتسعينيات، كما نجد فريق العمل، قد نجح في تصوير هاتين الحقبتين، فالكاتبة أنفال الدويسان، أجادت كتابة النص من رموز ودلالات، إلا أنها لو اختصرت الحلقات على خمسة عشرة إلى عشرين حلقة، لكان التركيز، وإعطاء الموضوع، أي الأحداث والمشاهد تأخذ حقها، أما المخرج منير الزعبي، فقد لمع في اختياره للسينوغرافيا من إضاءة وديكورات، بالإضافة لمصممة الازياء د. ابتسام الحمادي، التي كان لها الدور الواضح في الأزياء، التي تمتعنا دائماً في تصميماتها واختياراتها، فبفضلها، وبجهود الثنائي معها من كاتب ومخرج أعادوا لنا الذكريات، وأصبح حديث العوائل وذكرياتهم، وفي بعض الحوارات، مع بعض العوائل في المجتمع، وخاصة فئة النساء في مسألة الحجاب، وطريقة لباسه وشكله، أبدت إحداهن استحسانها لطريقة عرض المسلسل، فتذكروا هذه الفترة، فقالوا إن الكاتبة أصابت بدقة طريقة لبسه (الحجاب)، فنحن مجموعة أخوات لم نكن محجبات، ولكن في حقبتي الثمانينيات والتسعينيات تحجبنا، وكانت توجد معارضة، ولكننا أصررنا على لباسه، ومنا من لم تُرد لباسه.

المسلسلات أحد اتجاهات الدراما، كما تعتبر أحد الوسائل، أو المنافذ التي تهتم بالإنسان، والناس في هذا العالم، من ضمنها الأمور الاجتماعية والسياسية والدينية والاقتصادية، لذا نجد مسلسل الروح والرية، قدّم نموذجاً يُحتذى به، وجسد حقبتي الثمانينيات والتسعينيات، كما نجد فريق العمل، قد نجح في تصوير هاتين الحقبتين، فالكاتبة أنفال الدويسان، أجادت كتابة النص من رموز ودلالات، إلا أنها لو اختصرت الحلقات على خمسة عشرة إلى عشرين حلقة، لكان التركيز، وإعطاء الموضوع، أي الأحداث والمشاهد تأخذ حقها، أما المخرج منير الزعبي، فقد لمع في اختياره للسينوغرافيا من إضاءة وديكورات، بالإضافة لمصممة الازياء د. ابتسام الحمادي، التي كان لها الدور الواضح في الأزياء، التي تمتعنا دائماً في تصميماتها واختياراتها، فبفضلها، وبجهود الثنائي معها من كاتب ومخرج أعادوا لنا الذكريات، وأصبح حديث العوائل وذكرياتهم، وفي بعض الحوارات، مع بعض العوائل في المجتمع، وخاصة فئة النساء في مسألة الحجاب، وطريقة لباسه وشكله، أبدت إحداهن استحسانها لطريقة عرض المسلسل، فتذكروا هذه الفترة، فقالوا إن الكاتبة أصابت بدقة طريقة لبسه (الحجاب)، فنحن مجموعة أخوات لم نكن محجبات، ولكن في حقبتي الثمانينيات والتسعينيات تحجبنا، وكانت توجد معارضة، ولكننا أصررنا على لباسه، ومنا من لم تُرد لباسه.

الكاتبة الكويتية:أنفال الدويسان

ملاحظات على المسلسل:
-الأب عزيز نفس، ولا يطلب من أبنائه المال، فكان يُفترض على الولد أن يُحس بوالده، ويبادر لمساعدته.
-المدينة الترفيهية، كان يمكن فقط ذكر الذهاب لها، من دون استعمال الكرومة أو تصويرها.
-خمسة عشرة إلى عشرين حلقة، تكفي دون عمل ثلاثين حلقة، لأن بعض المشاهد مكررة، وتطيل القصة دون مبرر، ولتفادي الأخطاء.
-الكتب التي قرأها سند، مثل كتاب من مكتبة آفاق، وهذه المكتبة أُسست سنة 2009، وكتاب باولو كويلو (السادس والثلاثون) فكيف يتم وضعها في حقبة الثمانينيات ، والتسعينيات؟
-شركة المطاحن بتصميمها الجديد، كيف وضعت في أيام هاتين الحقبتين؟
-في بعض المشاهد، وقع الالتباس عند المتابعين والمهتمين، وهو موقف العزاء بين هنادي وآمنة، عندما قالت إحدى المعزيات (عظم الله أجركم) فَرَدَّت هنادي (أيامكم سعيدة) ففي هذه اللقطة، كانت الأخت الكبرى، تعلمها كيف ترد على المعزين، فعلمتها أختها، ولكنها نسيت الجملة، فتم الرد بهذه الطريقة، وهذا التصوير ينم على العفوية، وأن العمر له دور في عدم المعرفة، حتى الكبار في بعض الأحيان، لا يعرفون الردود، سواء بالعزاء أو الفرح.
مسلسل الروح والرية:
تأليف الكاتبة أنفال علي الدويسان، وإشراف أحمد ملا حسين، وإخراج منير الزعبي، ومن إنتاج ماجيك لنس ، ومدير الإنتاج عادل الشمري ، وتمثيل فاطمة الحوسني، وهبة الدري، وشيماء علي، ويعقوب عبدالله، وريم أرحمة، وعبدالله التركماني، ومحمد الدوسري، وإيمان الحسيني، وفهد البناي، وفيصل فريد، ونواف العلي، وإبراهيم الشيخلي، وصمود المؤمن، وجنى الفيلكاوي، وأحمد بن حسين،  والزين بوراشد، وغانم آل علي، وشهاب حاجية، و في الشرقاوي، وعبدالله الفريح، ومهدي كرم، وأحمد محمد مرتضى، وجنان راشد، ونورا مصباح، ولولوة الملا،  وتقى ، ومحمد الحملي.

محمد الدوسري

ناقد-الكويت.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى