مسرحمشاركات شبابية

آية سيد: هل هذه هي (الليلة الأخيرة) لمريم؟

آية سيد★ 

يعد فن المونودراما من أقدم الأشكال المسرحية الراقية، الذي يعتمد على قدرات الممثل الواحد، على الرغم من أن فن المونودراما، يتميز بالممثل الواحد، إلا أن وجود هذا الممثل الواحد على خشبة المسرح، يثير الجدل، لعدم وجود شخصيات أخرى، تظهر أبعاده النفسية، ولكن قد أثبت فن المونودراما، قدرة هذا الممثل، على البوح بما لا يمكن البوح به، في حضور الشخصيات الأخرى، بل ساعد ذلك على إظهار ذاته.
شاركت جمعية دبا للثقافة والفنون والمسرح، بمهرجان أيام القاهرة الدولي للمونودراما، في دورته السادسة، تحت إدارة الدكتور أسامة رؤوف رئيس ومؤسس المهرجان، بمسرحية الليلة الأخيرة، التي تمثل دولة الإمارات العربية المتحدة، المسرحية من تأليف محمد سعيد الضنحاني، وإخراج فيصل جواد، وتمثيل لمياء كرم.
يذكر أن مدينة دبا، وإمارة الفجيرة، ارتبطتا بـ فن المونودراما، منذ ربع قرن تقريباً، فقد اهتمتا بالترويج لهذا النوع من الفن المسرحي، في الوطن العربي.
تدور مسرحية “الليلة الأخيرة”، حول فتاة شابة جميلة، تُدعى مريم، تعاني مريم من الوحدة، التي كتبها عليها والداها المتحكمان في كافة أمور حياتها، وبتصاعد الأحداث، تكشف مريم عن رفض والدها المتسلط، الزواج من حبيبها، لتظل مريم وحيدة، تعاني بين جدران غرفتها الأربعة.


تظهر مريم في بداية المسرحية، خلف قطعة صغيرة من القماش الأبيض، تنبعث عليها الإضاءة الحمراء، ثم تخرج أمام الجمهور، مرتدية فستاناً بسيطاً، وطرحة عروس بيضاء، تجلس مريم على السرير، وتحاور نفسها، ثم تناجي ربها، ليرحم هذه الطفلة الصغيرة، فهذه اللحظة تجسد مرحلة الطفولة لدى مريم، منذ اللحظة التي تكون فيها ببطن والدتها، أي خلف قطعة القماش، مروراً بالطفلة الصغيرة، التي تحلم بالزواج، وارتداء الطرحة البيضاء، وإنجاب طفل، حيث إن معظم الفتيات، ينشأن، وبداخلهن هذا الحلم، وقد ظهر ذلك عندما أخرجت مريم، قطعة من السرير، وكأن هناك طفلاً، يرقد بهذه القطعة.
خلال حديث مريم مع الطفل، تتذكر والدتها، وتبحث عنها في أرجاء المسرح بجنون، منادية، أمي أمي، ليدل ذلك على التشتت بدون والدتها، ليصدر صوت مصحوب بجملة “لا إله إلا الله” كناية عن وفاة الأم، لتمسك مريم قطعاً من ملابس والدتها، ثم ترثيها قائلة: “أمي يا رقة الدنيا، يا عطرها الفواح”، “أشعر بالغربة، أمي أشعر بالخوف، أمي أشعر بالعطش” حيث إنه بفقدان الأم، يفقد الشخص نصف حياته، إن لم تكن أكملها.

محمد سعيد الضنحاني
محمد سعيد الضنحاني

تتراقص مريم على أنغام الراديو، فبينما يُظهر رقصها ملامح جسدها الأنثوي، ورقتها، إلا أنه أيضاً، يبرز صراعها النفسي الداخلي، ومعاناتها، فهناك تضارب بين المشاعر أثناء رقصها، تضارب بين حركاتها الأنثوية على الموسيقى، وبين ملامح وجهها، الذي تظهر عليه مشاعر الحزن.
“ألست جميلة، ألست جذابة” هكذا كانت تحدث مريم نفسها أثناء الاستحمام، فهي ترى نفسها جميلة، وتتغزل في نفسها، وأيضاً تذم الرجال الذين لا يلتفتون إليها، لكنها تذكر أن لديها حبيباً ، وهذه نعمة كبيرة تمتلكها، لكن والدها رفض هذا الزواج، لشدة تعلقه بابنته، نظراً للتشابه الكبير، بينها وبين أمها التي تركتهم، فبالتالي يرفض الأب أن تتزوج ابنته، وتتركه هي أيضاً، كما أنه يتعلق بها تعلقاً شديداً، يحبها حب امتلاك، وذلك يتمثل في قوله “أنتِ ملكي أنا وحدي، خذي ما أردتِ ولا تتركيني”.


نشأت مريم على العادات والتقاليد، التي تمجد الرجل وتقدسه، حيث إن أمها قد ربتها على أن الرجال هم كل شيء في الدنيا، يجب إطاعة أوامرهم، وإفناء الحياة من أجلهم، وفي خدمتهم، لكن مريم تريد رجلًا حقيقياً تلجأ إليه، وأثناء ذلك يصدر صوت خطوات قدم رجل، وكأن هناك رجلاً تقدم لطلب الزواج منها، ليصدر بعد ذلك أنغام عرس وطبول، لتفرح مريم وتتراقص، على صوت هذه الأنغام، وتطير فرحاً في غرفتها، تتحرك في أرجاء غرفتها، وتدور في دوائر، ممسكة بيدها السرير، فذلك يدل على الفرحة التي تعيشها مريم، وكأن جدران غرفتها لا تسع أجنحتها، وترتدي فستاناً أبيضَ، وطرحة بيضاء طويلة، لكن تتباعد الأنغام، لتعود حالة مريم الحزينة مرة أخرى، بل تزداد سوءاً، وتردد “أنا مريم، أنا العروس، أجمل النساء، وأطهر البنات، وحلوة الحلوات”.
تكبر مريم بالعمر، منتظرة مجيء الرجل الذي تريده، لكنه لم يأت، وهي على فراش الموت، تمسك مريم مجسماً لوجه رجل ، وتتحدث إليه، كم كانت تنتظر مجيئه، عاشت مريم حبيسة داخل جدران غرفتها، نشأت على العادات والتقاليد لاحترام الرجل، تعاني من تسلط والدها، الذي يرفض كل من تقدم لخطبتها، لكي لا يفقدها، مثلما فقد أمها، ظلت مريم تنتظر الزواج من الرجل الحقيقي، الذي تستأنس به، هكذا عاشت مريم، وهكذا ماتت مرددة ” تلك الليلة الأخيرة التي أنتظرها، ليلة الغروب، الذي ليس بعده إشراق، إنها طبول الموت، تدق في جوفي، في روحي، إنه الفراق، إنه الموت، أو ربما هو الحياة”.


على الرغم أن هذه القصة، تم تقديمها في العديد من الأعمال الفنية، من سينما، وتلفزيون، ومسرح، وإذاعة، إلا أن تم تقديمها في مسرحية”الليلة الأخيرة”، بحبكة مختلفة من الشكل المسرحي، أي المونودراما، وانفراد الممثلة (لمياء كرم) على خشبة المسرح، فقد ساعدها ذلك في إظهار جوانب الشخصية، وصراعها النفسي، كما أنها نجحت في نقل خلفيات عن الشخصيات، التي تشاركها الأحداث، الأب والأم، وقد كان أداؤها مميزاً، اِستطاعت تقديمَ الشخصية بشكل سلس، ونقلَ الصراع من خلال خطواتها على خشبة المسرح، ووجودها في مقدمة الخشبة، لتجعل الجمهور يتعاطف معها، ويشفق عليها.
كُتبت المسرحية بالطريقة الشاعرية، وفي نفس الوقت، كانت الكلمات بسيطة، تحمل معاناة مريم.
كان للموسيقى والمؤثرات الصوتية، دورٌ مهم طوال الأحداث المسرحية، وذلك للتفاعل مع الحوار والأحداث، وتقديم ما تكثفه الأحداث، كصوت جنازة الأم، وصوت إذاعة الراديو، وخطوات الأقدام.
جاء الديكور بسيطاً، لكنه خدم الأحداث المسرحية، فالسرير استُخدم لأكثر من غرض، حيث إظهار رغبة مريم في الزواج وإنجاب طفل، كذلك استخدم، ليعبر عن أوقات الفرح، التي مرَّت بها مريم، وأيضاً قطعة الديكور، التي تمثل مكان الاستحمام، فهو المكان الذي تتغزل فيه مريم بنفسها.
أما عن الإضاءة، فقد كانت أغلب الوقت، إضاءة حمراء، أو صفراء، لإظهار صراع مريم، وفي الأغلب كانت تجلس مريم في بقعة ضوء صغيرة باللون الأصفر، للتعبير عن الضيق والحزن.
نجح المخرج فيصل جواد في تقديم المسرحية، بإطار مأساوي، ينقل صراع مريم الداخلي، ومدى معاناتها، خلال فترات حياتها.

المخرج فيصل جواد
المخرج فيصل جواد
عرض الليلة الأخيرة: تأليف: محمد سعيد الضنحاني، إخراج وسينوغرافيا: فيصل جواد، تمثيل: لمياء كرم، مساعد مخرج: أحمد كرم، مصممة الملابس: زهره الحمادي، منفذ الصوت: أحمد رزق، مصمم ومؤثرات موسيقية: محمد المنصوري، الإشراف العام: حمد الضنحاني.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

ناقدة- مصر 

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى