شيماء مصطفى: حماقي..هل هو فعلًا الفنان الذي لا يثير الجدل؟

شيماء مصطفى★
تمنيت طوال حياتي لو ألتقيه، أحضر له حفلًا، بات حُلمي الأكبر لو أسمع كلماتي بصوته، كتبت عشرات الأغاني، قبل اتجاهي للنقد، ومن قبله الخوض في تجربة كتابة القصة القصيرة والرواية، ظلت الكلمات حبيسة أدراج مكتبي ، لم أطلق سراحها،لا أريد أحد غيره، اعتدت أن أراه بعين مُحبة، أن أحكيه بنبرة حميمية،بات الجميع ينظرون إليَّ بابتسامات بعضها بريئة والبعض الآخر لا، يرسلون لي أي خبر يخصه،استضافة برنامج له، موعد صدور ألبومه الغنائي، حفلٌ سيقيمه ويعرفون أنني لن أحضره بحكم طبيعة جغرافية أسكنتني في الريف، عرفت حماقي، شابٌُ في بدايته وسط حشد كبير من النجوم أبرزهم الراحلة هدى سلطان، بأوبريت” القدس هترجع لنا”،تأليف مدحت العدل وألحان رياض الهمشري، وتوزيع حميد الشاعري.
” وإزاي نار تحرق في القلب،ونفضل كدا ساكتين !” كانت أول ما سمعت بصوته حينها، إحساسه العالي، صدق نبرته،تعبيرات وجهه البريء، أشياءٌ جعلتني أمسك قلمي لأول مرة وأكتب إلى فلسطين..إلى محمد الدرة.
مرت السنوات، استطاع حماقي أن يظل رفيقي الأبدي، أصبحت أحسب المسافات بأغانيه، هذا الطريق يستغرق ثلاث أغنيات لحماقي، أما هذا فألبومًا كاملًا؛لذلك كثيرًا ما كنت أستعير مقطعًا من الأغنية العراقية الشهيرة “هذا الحلو قاتلني ياعمة” لوصفه مستبدلة قاتلني ب (أحبه) فأقول “هذا الحلو أحبه يا عمة”
لا يا حماقي لن نظل ساكتين، معي قلمي سأكتب، سنوات تجاوزت العشرين،أكتب بدفتري ولا يقرأ هو ، ولا أسمعها بصوته، صرت أحتفل بصدور أي أغنية له وأردد كطفلة غمرتها السعادة للتو :”وراء كل صغننة مبسوطة كائن زي البسكوتة،،.
ظن الجميع أني مراهقة، فتاة تقتل أوقاتها بسماع الأغنيات، مساكين لا يعرفون أنه هو ولا أحد غيره من جعلني أمسك بالقلم لأول مرة لأكتب أول أغنية لي.
ولكن وبعد كل هذه السنوات المرة الأولى وربما تكون الأخيرة التي سأحكيه أمام الجميع كناقدة.
الحب على الطريقة الميثولوچية.
يفضل حماقي دائمًا في أغانيه الحبيبة الاستثنائية،التي تتشابه مع نساء الأساطير اليونانية والرومانية، ولأنها غير عادية فالجمال بعض من بهائها، فحضورها طاغٍ، وصمتها مؤثر.
فيتعامل على أنها دافنى وهو إيروس، ولقاؤهما الأول له قدسيته.
قالوا عنك ..كلمات أمير طعيمة وألحان مدين.
قالوا عنك الجمال في عينيكِ بات..قالوا أنك أحلى من كل البنات.
وإن حبك سكة شايكة..قالوا أحلى من الملايكة..
بس في سور بيداركي..صعب يوصل حد ليكي..
روحت أشوفك..وبصراحة فوقتي كل التوقعات..قلت أشوفك هو مين من الحب مات.
مقاطع متفرقة من الأغنية تتقاطع مع أغنية العندليب قارئة الفنجان في مقطع: فحبيبة قلبك يا ولدي تسكن في قصر مرصودة..من يطلب يدها ..من يدنو من سور حديقتها..مفقود مفقود.لكن سماءك ممطرة وطريقك مسدود.
أعرف أن الكتابة بشكل عام إعادة تدوير للكلمات، فقديمًا قال الجاحظ “المعاني مطروحة في الطرقات يعرفها البدوي والحضري” ولكن حماقي ربما اختلفت نهايته عن نهاية حليم.
لم تكن هذه المرة الأولى فأغنية كانت هناك تقاطعت هي الأخرى مع أغنية العندليب( فاتت جنبنا ) من كلمات حسين السيد وألحان عبد الوهاب.
كانت هناك .. كلمات أمير طعيمة وألحان إيهاب عبد الواحد .
أعرف منين أن اللي واقفة معه يا قلبي مش حبيبها،خايف أروح تحصل معايا أي حاجة مش حاببها..لو كان يا قلبي قلبها من الحب فاضي.. ممكن قصاد الناس أخدها في حضني عادي.
ويتسأل العندليب: وأعرف منين أن الضحكة دي مش له هو ..وليا أنا مش هو!
ويقول العندليب أيضًا في نفس الأغنية : وابتديت أسمع في قلبي لحن حب جديد عليا.
ويقول حماقي في كانت هناك: وابتديت أسمع جوايا حاجة.
صدفة أم قدر أن تتقاطع أغنيتين من أغاني حماقي من كلمات أمير طعيمة مع أغنيتين للعندليب من كلمات حسين السيد ونزار قباني
وفي أغنيته من البداية كلمات أمير طعيمة وألحان عمر مصطفى -رغم نجاحها- إلا أن كلماتها تتجاوز القرض والوزن ثم تركيبها على مقتطفات موسيقية.
تقنية الذكاء الاصطناعي وآلية التوظيف.
مع بدء بزوغ نجم الذكاء الاصطناعي في عالم الغناء بدت فكرة الكليبات المصورة بالتلاشي، لا أقول أنها انتهت فما زالت في مرحلة الردع والصمود، فضلًا عن عدم صدور الألبوم دفعة واحدة خاصة بعد تعرض الأعمال الفنية للقرصنة وإهدار حقوق الإنتاج والفنانين، أصبحنا نعتاد على صدور أغنية كل أسبوع على اليوتيوب فيصبح الألبوم كاملًا لدينا ربما بعد شهر أو شهرين،وأحيانًا يكون ذلك لغرض التريند.
لا أنكر أنني فزعت من فكرة اندثار الذكريات بشيوع الذكاء الاصطناعي واقتحامه عالم الغناء، صرت أترقب ظهور أغنية حماقي بهذه التقنية.
حبيت المقابلة..كلمات تامر حسين وألحان عزيز الشافعي.
أصبح عزيز الشافعي كلمة السر في نجاح بعض الأغنيات في الفترة الأخيرة فلديه انسيابية ومرونة غير عادية في التعامل مع الكلمات والأصوات بمختلف توجهاتها،أحبب تعاونه مع حماقي، فرحت حين تعرفت على لحنه بمجرد سماعه، “هذا اللحن بالتأكيد لعزيز الشافعي”.
أحببت (حبيت المقابلة)،ولكني لم أستسغ الذكاء الاصطناعي
فبدا الراقصون كقوالب مصمتة لا حميمية ولا نماء، ربما كان التناسق والتناغم فقط في الأطوال والألوان للأشخاص،ميزة أخرى في وجود فتيات بشعر مجعد وملامح إفريقية خالصة.
عدم تقبلي هذا جعل قلبي يتشبع بالسكينة، فلا أحد يقدر على أن يحل محل البشر، ربما نجد في أغانٍ قادمة مراعاة لهذه الأخطاء.
إيه السعادة دي..كلمات تامر حسين وألحان عزيز الشافعي.
يطل علينا حماقي كل ألبوم بمزيد من الانبهار على مستوى الكلمات والألحان والتوزيع، يجيد حماقي اختيار فريقه من الملحنين والموزعين كإجادته للشعراء الذين يتعاون معهم.
وهذه الأغنية على وجه التحديد الأقرب للكمال فيما صدر من الألبوم حتى الآن كلمات ولحن وإذا شابها شائبة فستكون بسيطة قد لا تلاحظ وهي أن في ثوانٍ معدودة قد يختلط عليك الأمر فلا تميز صوت حماقي لتقاربه مع أصوات مغنيين آخرين، ولكن صدقه وإحساسه الذي لا مثيل له يجعلك بسهولة تلتقطه .
دلعنا كتير..كلمات أيمن بهجت قمر ..ألحان حماقي..
أحب أيمن بهجت قمر وأحب قدرته على التلاعب بالكلمات ولكني لم أحب هذه الأغنية رغم دندنتي اليومية لمقطع منها:
قل لي أن أنت جيت في الدنيا علشاني..
قل لي أنك لاقيت اللي مش هيجي تاني..
أحببت الاستثنائية التي يفضلها حماقي..لكني لم أتقبل
أن تكون العلاقة بين الحبيب خد وهات..
“وزي أنا ما اديتك هات” فهذا المقطع جعلني متخوفة فأي علاقة هذه! أعلم أن الحب عطاء ولكن التعبير بهذه الطريقة جعلني أشعر بنوع من المعايرة والمن.
فالكلمات هذه ربما تتلائم أكثر مع أغاني المهرجانات الشعبية لكن حماقي لا أظن، وهذا لا يعني أن تجربة أيمن بهجت قمر غير موفقة معه، فلهما معًا أكثر من أغنية مميزة على سبيل المثال: أغنية “قصر يا بابا” من تيتر بداية مسلسل تسعة جامعة الدول العربية للراحل خالد صالح، وأغنية ذكريات ميح في فيلم الزعيم عادل إمام زهايمر.
الأسوأ على الإطلاق.
ربما يكون أضعف ما قدمه حماقي خلال مسيرته الفنية، هو الإعلان الأخير والذي ظهر فيه من خلال أغنية فضوله المكان، لم يكن الضعف على مستوى الكلمات أو اللحن فتجاربه مع مدين وتامر حسين مميزة ومختلفة، لكن الضعف نبع من الفكرة في التصوير في أن يذهب عميل (حماقي) للاتفاق على شراء بناية، فيقع في حب الفتاة(sales)،فيتخيل نفسه معها،فيغني لها،وتخرج معه في غير مواعيد العمل،وكأن الموضوع بهذه السهولة.
محطات فارقة.
في رحلته الغنائية قدم لنا حماقي العديد من الكليبات المميزة على مستوى الأداء واللحن والتوزيع أهمها :حاجة مستخبية كلمات محمد عاطف وألحان مدين، كليب وافتكرت كلمات أيمن بهجت قمر وألحان تامر علي،وأغنية لا ملامة كلمات تامر حسين وألحان محمد رحيم، وأغنيته “لو هتسيب ” كلمات تامر حسين وألحان أحمد إبراهيم.
ورغم نجاح كليب قادرين نعملها المقدم لمستشفى ٠٠٥٠٠٥ كلمات أمير طعيمة وألحان عمرو مصطفى وتوزيع أحمد إبراهيم إلا أن التصوير كان فوضويًا لحد كبير بسبب التزاحم الكبير من قبل الممثلين الذين ظهروا في العمل.
فاجئنا حماقي في الألبوم الأخير بغنائه من ألحان موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب “ده قلبي ده”، ويُحسب له التجريب.
كما تفاجئنا بلون شعبي بمزيج مميز من موسيقى البوب حظى بإعجاب الكثيرين في أغنية لمون نعناع من كلمات فلبينو أحمد وأحمد طارق يحيى.
تعاون حماقي في هذا الألبوم مع توما،ولا أحد يمكنه نكران براعة توما في التوزيع الموسيقي، تعاون أيضًا مع عمار خاطر وتميم،ومصطفى أصلان،وخالد ماندو،ووائل النجار.
سبق وتعاون مع مجموعة من الشعراء والملحنين المتميزين
كالشاعر أحمد علي موسى في أغنية لا عتاب ولا حيرة،والشاعر والملحن محمد ودود في أغنية الحكاية حكايتنا،والشاعر خالد تاج الدين في كفاية حلول وسط، وحبيبي عمره ما يغيب.
المستمع لمحمد حماقي والمتتبع لسيرته، سيجدها مليئة بالقفزات الثابتة،فالنجاح عنده مزيج من الاختيار الجيد والتوفيق من الله،
فلا يمكن أن نختزل رحلته في جملة الفنان الهادىء الذي لا يثير الجدال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
★ناقدة – مصر