أسماء طارق: (أوليفر).. هل يتماس مع واقعنا الحالي؟

أسماء طارق★
معالجة درامية بنكهة مصرية، كيف انتقل العمل من وسيط روائي، لوسيط مرئي؟
تتوالى عروض المهرجان القومي للمسرح المصري، فيقدم فريق مسرح كلية صيدلة جامعة المنصورة عرض أوليفر، وهو معالجة درامية لرواية أوليفر تويست، لتشارليز ديكينز، نشرها عام (1837).
حين يكون العمل المسرحي، معالجة لعمل فني آخر، فهذا يدفعنا إلى طرح السؤالين التاليين، هل نجح العرض في تقديم معالجة مختلفة للعمل الأصلي؟ وما أوجه الاختلاف والتشابه بين العملين؟
أوليفر من الرواية للعرض
تقع على كاهل المخرج والدراماتورج، مهمة شاقة عند تحويل عمل فني من وسيطه الأصلي، لوسيط فني آخر، فلابد أن تتوافر فيهما دراية بالأدوات، أو التقنيات، التي تساعدهما على معالجة العمل، وخلق رؤية جديدة من العمل الأصلي تتماس مع قضايا، وثقافة العصر الحالي، مع مراعاة التكثيف أو الإختزال، خاصة عندما يكون الوسيط الأصلي ” رواية ” علاوة على اختيار لغة سهلة تناسب ثقافة الجمهور الموجه له، هذا بالإضافة إلى دراسة الفترة الزمنية، التي كتبت فيها الرواية.
تبدأ أحداث العرض بمجيء طفل حديث الولادة لدار الأيتام، وهو الطفل أوليفر، وتتوالي الأحداث، لنرى حياة أوليفر القاسية سواء في دار الأيتام_ هذا المكان الموحش القاتم، الذي يتعرض فيه الأطفال للتعذيب، ونقص في وجبات الطعام _ أو خارج الدار، بعد أن تم بيعه، ويتعرض مجدداً للقسوة من الأسرة التي تبنته، ثم يفر هارباً منهم، ويلتقي بعصابة، ثم يلتقي بأسرة أخرى، ولكن هذه المرة كان سعيد الحظ، حيث قامت الأسرة هذه برعايته، ويكتشف في النهاية أن هذه السيدة، التي يقيم عندها هي خالته، وبذلك تنتهي معاناة أوليفر، ويحيا حياة سعيدة.
العرض اختزل مجموعة كبيرة من أحداث الرواية، وركَّز على الخط الرئيسي للعمل، وهو معاناة أوليفر، حيث بدأ في الملجأ، وقد التزم العرض بالمشهد الذي يطلب فيه أوليفر مزيداً من الطعام، فهو مشهد دافع بالأحداث، ولم يقدم العرض، تفاصيل فترة وجود أوليفر، عند أسرة الحانوتي التي أخذته، ولكنه ركز على مشهد الشِّجار، الذي جمع بين شخصية نوا، الذي يعمل مع هذه الأسرة، وبين أوليفر، ليعطي مبرراً لهروب أوليفر منهم، والأحداث الخاصة بانضمام أوليفر للعصابة، التي قابلها وإجباره على السرقة معهم، لم يقدم العرض مشهد إلقاء القبض على أوليفر أثناء قيامه بسرقة السيد “براونلو” من الشرطة، بل اكتفى بظهور أوليفر مع السيد براونلو، ثم ظهوره مع الأسرة، التي قامت برعايته بعد ذلك، مع اكتشاف صلة قرابته بهم، وهذا الحدث يتفق مع الرواية، ولكن دون عرض تفاصيل، كيف وصل أوليفر لهذه الأسرة، بالإضافة أن العرض أضاف شخصية جديدة، وهي “كارلا” إحدى فتيات الملجأ، حيث كانت أكبر داعم لأوليفر، أثناء وجودهما سوياً، و ألغى شخصية شقيق أوليفر، الموجود في الرواية، حتى يكون التركيز على محور الأحداث، وهو أوليفر فقط.
كيف عالج العرض الرواية؟
اِعتمد العرض في معالجته، على سرد الأحداث في قالب غنائي استعراضي بمصاحبة الشعر العامي، وقد سيطر عنصرا الغناء والاستعراضات على عنصر الحوار، حيث شكلا رؤية بصرية جديدة للرواية، وقد وُفِّقَ ” محمد السيسي” في تصميمه للاستعراضات، حيث أجاد استغلال مساحة الخشبة بأكملها، لذلك نجد سيمترية التكوين الحركي للمؤديين، بالتزامن مع سرد الأحداث، وكان عنصر الشعر الغنائي، مكملاً فنياً للاستعراضات.
سلك الأداء التمثيلي طريقين، طريقاً انجرف نحو المبالغة في الأداء، خاصة في المشاهد الخاصة بالأطفال في الملجأ، وطريقاً آخر سلك فيه الممثلون إتقان تجسيد الإيماءات، فنجد مثلاً شخصية أوليفر ” نور الدين زكي ” قد تمكن من تجسيد البعد الفيزيقي والنفسي، الذي يعطي دلالات عن شخصيته، فنرى أوليفر هزيل الجسد، بالإضافة أن جسده في وضع انحناء دائماً، يرهب التقرب من الآخرين، مما يدل على ضعفه، سواء جسدياً بسبب ما تعرض له في الملجأ، أو ضعف شخصيته، وخوفه الدائم، وعدم استقراره الداخلي، مع العالم الخارجي، لشدة ما تعرَّض له من قسوة في الحياة، وتمكَّنَ أيضاً من تجسيد شعور الحزن، من خلال إيماءات الوجه، ونبرة الصوت، خاصة في المشاهد، التي يتخيل فيها والدته، ولكن يحدث تحوُّل في نهاية العرض، فتصبح نبرة صوته، سعيدة مشبعة بالأمل ،مع إيماءات وجه مبتسمة مشرقة.
أما شخصية مشرفة الدار مسز بامبل ” إسراء عادل ” فقد تمكنت من تجسيد القسوة، كساحرة شريرة، وظهر ذلك من خلال نبرة صوتها الفج، واستخدام ألفاظ مهينة مع أوليفر، بإيماءات وجهها الحادة، وملابسها التي تشبه ملابس الساحرة الشريرة.
تم توظيف عنصر اللغة بشكل صحيح ، فعلى الرغم من أن الرواية قديمة، فيمكن أن يتجه البعض لمعالجتها باللغة العربية الفصحى، ولكن مخرج ودراماتورج العرض ” حازم أحمد ” قدَّمها باللهجة العامية، وأضاف بعض العبارات المتداولة في لهجتنا، ولكنه احتفظ بأسماء الشخصيات كما هي.
فنيات العرض
هناك بعض العناصر، كان من الممكن توظيفها بشكل أكبر ومتنوع، مما كانت عليه، مثل عنصر الديكور، حيث تم توظيفه بشكل بسيط يقتصر على إطار تنعكس عليه إضاءة، توضح شكل الباب والنوافذ، ويبدو أنه مكان قاتم يشبه المستودع، ولكنه دار الأيتام، ومكانه وسط أعلى الخشبة، أما وسط يمين المسرح، كان هناك ديكورٌ آخر، يمثل المنزل الذي مكث فيه أوليفر، ولم يتغير شكلهم، بل تم استخدامهم ليشيروا لأكثر من منزل ومكان، ولعبت الإضاءة دوراً مهماً في إعطاء بعض الدلالات، مثل، تسليط بؤرة الضوء على الطفل الرضيع أوليفر، وهو في وسط المسرح، يؤكد أن أوليفر هو محور الأحداث” البطل”، وساهمت الإضاءة أيضاً في الإيحاء بتعاقب الليل والنهار، فكانت الإضاءة الزرقاء توحي بجو البرودة والليل، مع وجود انعكاسات توحي بالسماء والنجوم، والإضاءة الصفراء توحي بالنهار.
عنصر الملابس هو الآخر، تم توظيفه بشكل جيد، حيث ساهم في نقطة التحول في الأحداث، فنجد ملابس أوليفر في البداية قاتمة مهلهلة، تدل على وضعه المتدني، وحياته القاسية، ولكن في نهاية العرض، بعد استقراره مع عائلته، نجد تحوُّل ملابسه لألوان مبهجة، تشير لحياته السعيدة القادمة، هناك عنصر آخر يسمى، props وهو عبارة عن أشياء يحملها الممثل في العرض، وتساهم في إبراز وتوضيح الحبكة، فكانت القلادة التي يحملها أوليفر، الخاصة بوالدته، كانت بمثابة الملاذ الأمن له، وكانت سبباً في إظهار بعض سمات الشجاعة به، حين يتلفظ أحدهم بكلام سوء عن والدته، وكانت أيضاً مفتاح الحرية والحياة السعيدة له، بعد أن اكتشفت السيدة روز أنه ابن شقيقتها، من خلال تلك القلادة، ولن نغفل عنصر الموسيقى، حيث ساهمت الفرقة الموسيقية، في خلق حالة الحزن السائدة في العرض.
ويؤخذ على العرض، أن هناك مشكلة تقنية في جودة صوت الممثلين، مما يسبب عدم فهم الكثير من الكلام.
هل أصابت المعالجة الهدف؟
تمثل أوليفر ديكينز، اِنتقاداً للوضع الاجتماعي في إنجلترا آنذاك، ولم تظهر أي دلالات ضمنية في العرض، توضح إسقاط أو انتقاد المخرج، لقضية اجتماعية، تمثل الحاضر، وكل ما قدَّمه العرض، معالجة مختلفة من حيث إخراج هذه الرواية، بشكل مرئي على خشبة المسرح، وقد أصاب ” حازم أحمد ” في كسره للحائط الرابع، حيث أدى الممثلون بين صفوف الجماهير، مما ساهم في إنشاء صلة حميمية بين الجمهور والممثلين، ويتضح ذلك في نهاية العرض، حيث يتكون لنا نفس مشهد البداية لمجموعة الأيتام، ونكتشف أنهم مجرد مجموعة من المشردين، اِستيقظوا من نومهم، وقرروا رواية حكاية أوليفر، وتجسيد شخصياتها، أي أننا بصدد لعبة مسرحية ” مسرح داخل مسرح ” وبعد الوصول إلى نهاية القصة السعيدة، تعود مجموعة المشردين مرة أخرى إلى ثيابهم، ويأتي الرجل وبيده المصباح، ويغلق الأنوار، ليعودوا إلى نومهم، ليؤكد لنا أن كل ما شاهدناه، لم يكن حقيقياً.
أوليفر
دراماتورج وإخراج: حازم أحمد، تمثيل: نور الدين زكي (أوليفر)، محمد الجندي (المدير-الطباخ)، محمد جمال (مستر بامبل)، إسراء عادل (مسز بامبل)، رنا الطرابيلي (كارلا)، ضحي زهر(الأم)، دينا سلامة (ممرضة 1)، رشا محمد(ممرضة 2)، مروان وائل (كستر سور بيري)، رودينا نادي (مسز سور بيري)، آية أشرف (شارلوت)، عمرو رضا (نوا)، عمر منتصر (دودجر)، كريم ماضي (فاجين)، رنا الطرابيلي(نانسي)، إسلام عادل (سايكس)، حسين وحيد (مستر براونلو)، مريم باسم(مسز روز)، عمرو القماش-أحمد سمير-زياد عرفات-عمر العزب-أحمد علاء-مروة جودة-سهيلة محمد-محمد عصام-عكر نور(الراوي)، أحمد وليد(الرجل ذو المصباح)، توزيع موسيقي وبيانو: مكاريوس ميشيل، تأليف موسيقي وألحان وتدريب غناء: زياد هجرس، إيقاع: مارك جورج، كلارينت: عمر خالد، أشعار: حازم أحمد، كمان: محمود سلامة-عمر فاروق، إضاءة: محمد سعد، ديكور:أحمد جمال، ملابس ومكياج: مصطفي إبراهيم، إستعراضات: محمد السيسي، مخرج منفذ: جون رؤوف-عبده عماد، مخرج مساعد: محمد رضوان، إدارة مسرحية: محمود سعد-محمد الشعراوي-أحمد حتحوت-منه شعلان، دعايا وبامفلت: جون رؤوف، مكان العرض: مسرح السلام. |
ـــــــــــــــــــــــ
★ كاتبة ــ مصــر