مسرحمشاركات شبابية

سارة عمرو: (يهودي مالطا).. سامح بسيوني يتحمل العبء الأكبر

سارة عمرو★

عرض ضمن فعاليات المهرجان القومي للمسرح المصري في دورته السادسة عشرة عرض (يهودي مالطا) إخراج محمد مرسي، عن مسرحية يهودي مالطا، لكريستوفر مارلو

يقدِّم العرض بشكل مختصر، قصة يهودي في مالطا كما النص الأصلي، لكن بشكل مكثف حيث يعرض في شكله الظاهري، حياة هذا اليهودي، وثروته، ومكائده، التي يخطط لها، لينفرد بالثروة صعوداً للسُلطة، وفي باطنه يناقش صراع الأديان…لتكون اللوحة في النهاية من نصيب اليهودي، القابع مسجوناً بداخلها!

القضية الأساسية التي يناقشها العرض، هي صراع الأديان في تلك الفترة، حيث يظهر صراعٌ في بداية المسرحية، بين الدولة العثمانية والإسبانية، يطالبون المسيحيين بدفع الجزية المتأخرة لأعوام، ويتسلل في الخفاء، منتصفاً صراع اليهودي، ليصبح لدينا طرف ثالث، على الساحة، في الحقيقة لم يكن العرض بارزاً، لأفكاره بشكل واضح من البداية، فطوال العرض نرى مشاهد لليهودي باراباس، وهو يدبر المكائد، و يخطط ليزيح كل من في طريقه، ليصل لبر الأمان، وأن ينجو من أي تهمة ارتكبها، أو أتهم بها ، كان الهدف إبراز ماهية اليهودي بصفاته الانتهازية، فقد بدأ منذ الأغنية الافتتاحية، التي ذُكر فيها تشابه، والتباس باراباس بشخصية ميكيافيلي، ففي النص الأصلي يظهر تشابه، أوإعجاب بارباس بأفكار ميكيافيلي، وكأنه يتلبس عباءته خلسة، لكن في العرض، لم يكن واضحاً سوى في كلمات الأغنية الافتتاحية، التي مهدَّت للمشاهد، ظهور فكرة ميكيافيلي بشكل رمزي فقط، في الأفعال، وهو ما لم يكن واضحاً برغم شخصية باراباس الدنيئة، إلا أن ليس كل دنيء، ميكيافيلي، فالشخصية تمزقت لنصفين، نصف يحاول أن يكون يهودياً، والآخر يحاول أن يكون ميكافيلياً، في حين أنه كان يجب أن يقدم الشخصية ممزوجة بكلا الجانبين، مما أدَّى لانشطار الشخصية في اتجاهات فرعية، لم تكن مُحكمة كما النص، خصوصاً وأن أفكار ميكيافيلي، برغم سوداويتها، إلا انها لم تكن عبثية، أو حتى اعتباطية، لتُذكر بشكل سريع دون إثبات، فبرغم سلبيتها إلا أنها كانت أفكاراً، اتخذها أكبر حكام العالم، للوصول لغايتهم وهذا لا يعني أنه منهج سليم!، فباراباس حاول تطبيق أبسط أفكار ميكيافيلي ( الغاية تبرر الوسيلة)، ونتج عن ذلك جرائم عدة، منها قتله لابنته، لكنه في الحقيقة لم يربط بين هذا الفكر، وبين فكرة الهروب من التهمة بأي ثمن على خشبة المسرح، وقد يرجع ذلك لوجود بعض الخلل في الخط الدرامي نفسه، من الممكن أن يكون ناتجاً عن تكثيف الأحداث بشكل غير منظم، فبرغم ذلك لم تكن بعض المشاهد، والأحداث مترابطة، وسلسلة للمتلقي، بل كانت أشبه بلوحات مُنفصلة غير متصلة، وهو ما كان مربكاً في بعض الأحيان، خصوصاً مع وجود مشاهد زائدة طويلة لا مبرر لها، مثل مشهد خادم باراباس، وفتاة الليل، التي تحاول إغواءه للحصول على ثروة باراباس، في حين أنه كان هناك مشاهد أولى بأن تطول مدتها، لأهميتها كمشاهد باراباس، وصراعه مع السلطة، واصطدامه مع الديانة المسيحية.

كان العرض مميزاً في الجرافيكس والمابينج، (صممه محمد المأموني)، مما أضفى طابعاً سينمائياً حياً للعرض، في بعض مشاهده وكان مُلفتاً ومميزاً، والإضاءة (صممها تامر صبري)، فقد نجح في تركيز البؤرة على الشخصيات بشكل لافت، وأبرز المشاهد كان مشهد باراباس، والنسخ الكثيرة التي كانت تظهر على المسرح في وقت واحد متتالين، لعبت الإضاءة دوراً مميزاً في إظهار المشاهد، و التلاعب بالعواطف الناتجة عنها.

معظم الممثلين كانوا يؤدون بانفعال زائد عن حَدَّه، بخلاف البعض الذي نجح في إتقان دوره، لكن من أكثر التقنيات التي كانت سطحية جداً في العرض، هي فكرة مخاطبة الممثل للجمهور بخطواته، وأفعاله القادمة، مما أضفى طابع المباشرة بحدَّة على الأحداث، وسبب تساؤلاً لدى الجمهور ممثلاً في (لماذا لا تترك الأفعال تروي عنك؟)، تلك الفكرة قد تكون مناسبة لمسرح الأطفال، وليس لجمهور واعٍ حتى وإن تفاوت في وجهات النظر.

ما كان بارزاً في العرض شخصية اليهودي باراباس، الذي قام بدوره بإتقان (سامح بسيوني) الذي اجتمع في شخصيته السِّلاحين ذوَي الحدين، فهو الشخصية الرئيسية، التي قامت عليها أغلب الأحداث، فكان مميز الأداء من البداية للنهاية، فتحركاته وانتقالاته و أداؤه جَسَّد بها شخصية اليهودي بجدارة وذكاء، وإن كنا نتمنى أن ينتبه إلى بعض المشاهد، التي ارتفع فيها صوته بشكل مفاجئ او قدمها بشكل سريع ، فلم توضح بعض المفردات للمتلقي، لكنه في المجمل، حمل عبء المسرحية الأكبر على أكتافه، ونجح في تجسيد الشخصية بثبات.

 ميَّز العرض كذلك ،تنظيم إيقاع الممثلين، وحركتهم على الخشبة، برغم بُطء الإيقاع الخاص بالحركة أحياناً، وخصوصاً في الاستعراضات، لكن حركتهم كانت منظمة من البداية للنهاية، حتى الختام، وخصوصاً التحية المميزة في النهاية، والتي ذكرتنا بمشاهد العصور الوسطى، حيث أخذ كل ثلاثة ممثلين، يقفون في شكل مثلث ويدورون بالتدريج، حتى يحيي كل منهم الجمهور، ثم يتحركون، لتأتي مجموعة أُخرى، وهكذا.

تداخل الموسيقى والأغاني(كتبها د. محمد مخيمر)، كانت فكرة عبقرية ضمن أحداث العرض، لتكون بديلاً للراوي في تكثيف الأحداث، ولتخلق أجواء ومشاعر لدي الجمهور، تجعله يندمج ويتساير مع الحدث، وكانت معظم الأغاني، التي لحنها (محمد شحاته) في محلها، وإن مالت في بعضها للطابع الطفولي، القريب من مسرح الطفل …خصوصاً أغنية البداية، وهذا يُحيلنا للاستعراضات (صممها محمد ميزو) في نفس ذات السياق، فالرقصات كانت أحيانا طفولية جداً، وحركات الجسد ذات إيقاع بطيء غير ملفت، ولا تتوافق مع فكرة المسرحية العميقة، والنص المأخوذ عنها.

 الملابس (صممها وليد جابر) كانت في محلها، منضبطة مع الحقبة الزمنية، ومتلائمة وشخصيات الممثلين، والديكور كذلك برغم بساطته، إلا أن بعض القطع متحركة، كانت عنصراً ملفتاً في العرض، ومميزة، كعرش الحاكم والأرجوحة، والحائط الذي انشق عن بارباس فجأة، كل ذلك خدم العرض بشكل بصري سينوغرافي جميل.

أغنية العرض الختامية، لخصت العرض بأن (المسيحي والمسلم يد واحدة) مع أن فكرة العرض ومغزاه من بدايته حتى نهايته، كانت ابعد وأعمق من فكرة المساواة والتعاون بين تلك الديانتين فحسب!

يهودي مالطا

تأليف: كريستوفر مارلو – إخراج: محمد مرسي – أشعار: د.محمد مخيمر- بطولة: سامح بسيوني، أحمد صيام، إبراهيم جوصم، أمير زويل مسعد سالم، هاشم عثمان، محمد منتصر، رحماني الشيخ، آثار وحيد، محمد عوض، أحمد إيهاب، إيهاب الرفاعي، حازم صلاح، بلال مسعود، محمد عصمت، رضوی حسن، محمد عويضة، أحمد اسماعيل، منار البدري
ديكور وملابس: وليد جابر – إضاءة: تامر صبري – موسيقى وألحان: محمد شحاتة – كريوجراف: محمد ميزو – مابينج وجرافيك: محمد المأموني
ماكياج: مارينا مجدى – دعاية: أحمد صيام.

ـــــــــــــــــــــــــ

★ كاتبــة ــ مصــر

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى