مسرحمشاركات شبابية

مي الدماصي: من الضاحك.. ومن الباكي في(المشهد الأخير)؟!

مي الدماصي★

محاربة التنمر على أصحاب الإعاقات، أوالأمراض من القضايا الشائع تجسيدها مؤخراً، في الأعمال الفنية بمختلف أشكالها، فتارة تجسد المتنمروما يقع عليه من عقاب نتيجة تنمره، أو كيف أنه يكتشف مساوئ ما يفعله فيتراجع عنه، وتارة تجسد من يقع عليهم التنمر، وكيف يعانون  منه، وبين ذلك الطرف وذاك يكون الصراع قابعاً لا يخلو من مشادات وسخرية وعتاب ومواعظ، ولكن كيف يتم تجسيد التنمر في عرض مسرحي مونودرامي لممثل واحد؟ من يقوم بدور الجلاد، ومن يكون الضحية؟ من يبكي من الألم، ومن يضحك من السخرية والنكات السخيفة؟

هكذا قدم عرض “المشهد الأخير” حالة التنمر والسخرية، التي تتعرض لها إحدى ضحايا حوادث الحريق، بعد أن تشوه نصف وجهها وجسدها نتيجة ذلك الحادث، وفي تلك الحالة، أغلب الظن أن البطلة الوحيدة للعرض، ستسرد ما تتعرض له بشكل أو بآخر، لكن ما تم على المسرح، هو تأدية البطلة لجميع الأدوار بنفسها، فهي تجمع بين السرد والتقليد، فمثلاً إذا أرادت أن تقص عن سخرية أحد الرجال منها، تستخدم قطعة اكسسوار بسيطة، مثل الشنب، وتغير أداءها وحركاتها وصوتها، لتقلد ذلك الرجل، وهو يتحدث، وسرعان ما تذهب للاتجاه الآخر، لتقوم بالرد عليه من خلال شخصيتها، فهي لا تسرد المواقف بشكل مباشر، قالوا لي، وفعلوا بي، بل إنها تجسد كل شخصيه تحكي عنها، ما بين شخصيات تسخر منها بشكل صريح، وشخصيات تقوم يتجاهلها، وأخرى تخاف منها، وحتى أمها، التي تطبطب وتهون عليها قامت بتجسيدها، وكأنها نائمة على قدمها، وأمها تربت علي رأسها؛ ولذلك فقد اعتمد العرض بشكل كبير، على عنصر التمثيل، وهو العنصر الأبرز لذلك العرض، كما هي طبيعة المونودراما، التي تعتمد على الممثل، وبرعت في تأديته البطلة، من حيث التلون والتنوع بين كل شخصية، وأخرى، وسرعة التنقل بين تلك الشخصيات، دون أن يتداخل أداء الشخصيات، والمزج الأكبر والأكثر إتقانا في نهاية العرض، عندما تحولت من ألما، الفتاة الطيبة، إلى مهرج شرير، ينوي رد كل سخرية مؤلمة، تعرض لها من خلال نكاته وسخريته من الناس، ليرد لنفسه ما تعرض له، فكانت تتحول الشخصية ما بين المهرج وألما الشخصية الحقيقيه، ليدور بينهما صراع البقاء، وأي شخصية أحق بأن تبقى، لتواجه المجتمع.

تصوير: سعيد سمير
تصوير: سعيد سمير

 ومنذ اللحظة الأولى، ولغة الجسد تمثل الكثير، فمنذ خروج ألما لأول مرة على المسرح، وهي خائفة من الناس، كانت منحنية الظهر، ويداها منسابتين، تحاول إخفاء وجهها أغلب الوقت، ولكل شخصية تقلدها حتى ولو للحظات، تكون لغة الجسد مختلفة ومتنوعة، حسب الشخصيات.

وعلي الرغم من مأساوية الفكرة، التي يقدِّمها العرض، إلا أنه تم تقديمها بشكل أقرب إلى الكوميديا من خلال النص، الذي يناقش الفكرة بشكل ساخر، فهو لا يسرد المواقف بشكل مأساوي، ولا تتحدث البطلة عن مشكلتها، وهي حزينة،  بل على العكس تحكي بمرح وانطلاق وهي تضحك، لا يمنع ذلك التحول إلى الحزن في الكثير من الأحيان، لكنها في الغالب تجسد المواقف،  بشكل ساخر وضاحك

تصوير: سعيد سمير
تصوير: سعيد سمير

واستكمالاً لتلك الشخصية متعددة الأدوار، جاء دور الأزياء والاكسسوارات، فبقطع بسيطة جداً، كانت تساعدها في التحول من شخصية إلى أخرى، مثل الشال الذي كان له أكثر من استخدام مختلف داخل الأحداث، والكرة الحمراء، التي ارتدتها، لتتحول إلى المهرج والشنب،  كذلك سهولة التحول من ألما، التي ترتدي فستاناً أبيض رقيقاً إلى المهرج، ذي الملابس الملونة، وحدوث ذلك التغيير على المسرح بسرعة وخفة.

كما شارك في ذلك المكياچ، بدايةً من تأثير الحروق الذي كان موفقاً بنسبة كبيرة، وحتي أدق التفاصيل، تم الاهتمام بها، مثل طلاء الأظافر الأحمر، الذي وضعته البطلة في اليد السليمة، واليد الأخرى، لتنقسم بشكل متساوٍ بين ألما، التي تعاني، وألما الفتاة، التي كانت عليها قبل الحادث.

تصوير: سعيد سمير
تصوير: سعيد سمير

وقد تم ذلك كله باشياء بسيطة، وغير مكلفة،  لكنها أدَّت  المعني المراد. كذلك جاء الديكور بسيطاً، عبارة عن مرآة، تشاهد بها نفسها، قبل وبعد لحظات تحولها، وتضع عليها اكسسوارات الشخصية، وفي الجهة الأخرى، كرسي تجلس عليه أثناء القيام ببعض الشخصيات، وفي الخلفية، ستار أسود عادي، تخرج وتدخل خلفه، وتبدأ العرض، وهي مختبئة خلفه، قبل أن تظهر للجمهور، واكتملت بساطة الصورة وتعبيرها من خلال الإضاءة، التي في الغالب ما تكون دافئة، تتبع الشخصية حسب حركتها، وتتغير في شدتها، ولونها، مع تغيير الشخصية، وتحولها من الطيبة إلى الشر، لتبرز الصورة الجمالية، والمعنى المراد بثه، للمتلقي.

وفي البداية استعان المخرج بتسجيل صوتي voice over “أخرجي للناس يا ألما متخافيش” ليكون سبباً في بداية ظهور الشخصية على المسرح، ولكن بسبب ذلك التسجيل، وقبل بداية العرض وقع المخرج في خطأ كبير، فبعد دخول الجمهور، ظل المخرج واقفاً أسفل الخشبة، يراجع مع الفنيين -مثل الصوت والإضاءة- أدوارهم، وقاموا أثناء ذلك بتشغيل جزء كبير من التسجيل الصوتي الموجود، في بداية العرض، مما قام بحرق البداية، والمعنى من العرض نفسه، فقبل البداية الفعلية عرف الجمهور ما تعاني منه بطلة العرض من خوف من الناس، كذلك خرجت الممثلة بنفسها، لتضع بعض الاكسسوارات، ولم يكن الستار مسدلاً، فظهرت أمام الجمهور، وهي تتحرك بنفس حركات الشخصية، ولغة جسدها، فقام ذلك أيضاً بحرق الاستهلالة الأولى، لبطلة العرض.

تصوير: سعيد سمير
تصوير: سعيد سمير

كنا تتوقع  أن يكون لذلك هدفاً داخل العرض، مثل ادخال المتلقي داخل حالة العرض، أو أن يكسر المخرج الإيهام متعمداً، لكن على العكس كان تأثير ذلك سلبياً على المتلقي، فقد عرف وتأكد قبل بداية العرض مما سيراه بعد دقائق، فقلل ذلك من التأثر بالعرض والدخول في حالته، لأنها باتت متوقعة.

اِستعان المخرج أيضاً بأغنية مع استعراض بسيط، لتجسيد التحول من شخصية ألما، إلى المهرج، وتكررت جملة مباشرة  “بلياتشو من برا ضحك وهزار ومن جوا لحن حزين” داخل الأغنية، وخارجها في نهاية العرض، لتكون هي الأكثر تعبيراً عن الحال، الذي وصلت إليه تلك الفتاة،  نتيجة السخرية منها، ومن هيئتها التي لا ذنب لها،  فتحولت من شخص يضحك عليه الناس دون إرادة منه، إلى شخص يُضْحِكُ الناس بكامل إرادته، ليسخر منهم من خلف ستار المهرج ذي الألوان المبهجة  والضحكة، التي يخفي خلفها ألمه وحزنه.

المشهد الأخير

تأليف: يوسف ناصر، إخراج: عمر أشرف، تمثيل: حنين العايدي، مكياج: نادين عبد الحميد، إضاءة: أحمد أمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

★ ناقــدة ــ مصــر

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى