سارة عمرو: (عاصف ممطر جدا).. أغرقه غموض النص!
سارة عمرو★
عاصف ممطر جداً، أحد العروض الكوميدية في المهرجان القومي للمسرح المصري، لهذا العام في دورته السادسة عشرة، والذي تم تقديمه على مسرح الغد.
تدور أحداث العمل من خلال نزول الصواعق من السماء، في ليل عاصف ممطر جداً ، يتم تبادل مهمات الصواعق بشكل خاطئ، لتسقط على أحد الفئران، وأحد الأشخاص، فتتبدل أرواحهما في أجساد بعضهما البعض، بسبب نزول الصواعق على كليهما بالخطأ، فالصاعقة التي كان من المفترض أن تنزل على الإنسان، نزلت على الفأر، والعكس، مما أدَّى إلى انتقال روح الفأر إلى جسد الإنسان، متنقلة بين العالم، وروح الإنسان ظلت حبيسة في جسد الفأر!!
ما يميز هذا العرض، التكنيك الخاص به، حيث نجح المخرج، محمد مرسي في عرض الصورة البصرية للعرض، بشكل مبتكر وجديد، رغم بساطة الديكور، الذي صممه محمد البرشومي، فالعرض بشكل ما، يعتمد على تقنيات التغريب، التي تمثلت في عدة أشياء، أهمها:
اِختلاط ثلاثة ممثلين بالجمهور، والذين تمثلوا في الراوي، وانقسامهم إلى ( ظرف زمان) الذي يخبر الجمهور بالزمان (وظرف مكان) المختص بتحديد المكان، (وظرف كمان) وهو الثالث، والرئيسي بينهما، ومن يسترسل بالأحداث، حيث كانوا يحدثون للجمهور، ويصافحونهم، مما جعلهم يسحبون الجمهور معهم للحكاية بشكل عفوي، وقد كان دور هؤلاء الممثلين الثلاثة دوراً واضحاً، لأنه يُمثل فواصل للحكاية، لكسر الإيهام، لتحقيق التفكير في القضية المُراد عرضها، لكن اشكالية العرض تكمن في القضية نفسها، وبالتالي يجعلنا هذا نعود للورق وللنص، فالحكاية ليست مترابطة مع المعنى والمراد من القصة، كما عُرض في النهاية، فنحن نرتحل مع روح الفأر، التي تنتقل من جسد لآخر تارة، وتارة أُخرى نرى روح الإنسان محبوسة في جسد الفأر في مقلب القمامة، لكن القصة لم تكن واضحة، وبحاجة لتعميق ما كان واضحاً فقط، أن هناك فأراً، تبدلت روحه في جسد إنسان، والعكس، وتستمر المواقف في الظهور موقفأً تلو الآخر، ولم يكن واضحاً، المقصود كما جاء على لسان الممثلين، بأن روح الفأر الأناني ذي النفس العُليا في جسد كل بشري، بينما جسد الإنسان محبوسة في جسد الفأر، في مقلب قمامة، في الحقيقة لم تُبدِ روح الفأر أي أفعال تعبر عن الأنانية، فطوال العرض هو يسعى خلف الطعام وشهوته، ولا يمكن اعتبارها أنانية، لأنه حيوان في النهاية، يسير خلف غريزته، وهذا طبيعي عند حيوان يسعى لإشباع غرائزه، ولايمكن أن نقارن الحيوان بالإنسان، لأن الإنسان ذو عقل كرَّمه الله، ليحد من السير خلف غرائزه، عكس الحيوان، لذلك لا حساب له، ولو كان مقصوداً أن الإنسان في زمننا هذا، قد تحول لحيوان، بسبب سيره وراء غرائزه مهما كان الثمن، فالنص لم يكن واضحاً كفاية، ليبرز ذلك، وكل ما فعله العرض هو إبراز مدى حقارة مجتمع الفئران، وظهر هذا في مشهد اجتماع الأربع فئران النسوي على جسد الفأر، الذي بداخله روح سامي، ليتزوجهن عنوة، وانتقال روح الفأر عن طريق القُبلة، ولكنه لم يكن في صميم المعنى، ليبرز فكرته، ولم يكن واضحاً لماذا الفأر بعينه هو المُحدد لحصر روح الإنسان، وجعله رمزاً للأنانية، والطمع، والشهوة، بذلك الشكل؟…لم تكن المواقف بمعانيها في محلها، فلم نرَ في العرض ما يستدعي تجمُع رؤيتنا على فكرة تحول الإنسانية لوحشية، وكل ما وصل لنا قليل من الكوميديا، مع الاستعراضات، وقصة خيالية فقط.
كان للمابينج والجرافيكس – التي قام بهما محمد المأموني – دورٌ في إبراز الجماليات البصرية للعرض، فكان يعرض الديكور، الذي يدل على الأماكن على شاشة عرض كبيرة، جعلت مساحة القاعة أوسع، وكأننا أمام عرض سينمائي حي، فكان له دور كبير في خلق حالة المعايشة مع الأحداث والأجواء، دون الشعور بأننا في عرض تمثيلي، وهذا ما نجح فيه في مسرحية يهودي مالطا، لنفس المخرج محمد مرسي، حيث كان بارعاً جداً في توظيف الجرافيكس، بشكل خدم العرض.
أداء الممثلين كان جيداً نوعاً ما، ولم يكن مبتذلاً، ولا مُفتعلاً، وخطواتهم لم تكن ذات إيقاع منظم، فنجحوا في دفع عنصر الملل، ولكن كما ذكرت سابقاً خلل النص، وبنيته جعل القصة المُقدمة، بلا هدف واضح، مما أثَّر على الأداء، بحيث لم يستطع ايصال المعنى، فأداء الممثلين، كان ناجحاً بشكل بصري، وليس بارتباطه الموضوعي.
الأستعراضات ( صممها سمير نصري )، بسيطة جداً لم تكن تواكب الموسيقى، بسبب إيقاع حركة الممثلين، المرتبطة بالموضوع، فالموسيقى كانت حماسية أكثر، وقوية، ومندفعة، لا تتلاءم مع حركة الممثلين، أما الإضاءة، لإبراهيم أحمد، فكانت بارزة في العرض، مما ساعد على إبراز وجوه، وأجساد الممثلين، بشكل سينمائي، وجعلها مميزة .
في النهاية كان الحال عاصفاً ممطراً جداً بالفعل، ولكن المعنى، غرق للأسف بسبب عدم وضوح النص.
عاصف ممطر جدا
استوديو الممثل الدفعة الثامنة: إخراج محمد مرسي، تأليف سامح عثمان، تمثيل: (محمد حسين، منه حسين، بلال مسعود، مونيكا موسى، داليا سمير، فارس راسم، عمر غزال ومجموعه من خريجي استوديو الممثل، ديكور: محمد البرشومي، إضاءة: ابراهيم احمد، كريوجراف: سمير نصري، فديو مابنج وموسيقى: محمد المأموني، دعاية: احمد صيام. |
ـــــــــــــــــــــــــ
★ كاتبــة ــ مصــر