قصة

ميادة سليمان: قراءة نقدية في ست قصص قصيرة للأطفال للكاتبة السّورية بسّوم سلّوم

ميادة مهنا سليمان★

يقولُ هنري وارد بيتشير: “لا توجدُ صداقةٌ، ولا حبٌّ مثلَ صداقةِ، وحُبِّ طفلٍ”

ويقولُ المهاتما غاندي: “إذا أرَدنا خلْقَ سلامٍ دائمٍ يجبُ أنْ نبدأَ مع الأطفالِ”

ولأنَّ “الأطفالَ همْ أثمنُ موردٍ لدينا” كما يقولُ هربرت هوفر، لذا كانَ الاهتمامُ بالأطفالِ، ورعايتُهم، ومنحُهم الحُبَّ واجبٌ علينا، وأحدُ مفاتيحِ السّعادةِ الّتي من الممكنِ أن نمتلكَها بإغداقِ فيضِ المحبّةِ، والحنانِ على طفلٍ.

ولمَّا كانتِ الكتابةُ للطّفلِ في عالمِنا العربيِّ تقومُ على اتّجاهين:

الأوّلُ: الاتِّجاهُ الارتجاليُّ

وهو للأسفِ الاتِّجاهُ الشّائعُ، فالكتابةُ للطّفلِ لا تأتي اعتباطًا، وليسَ كلَّ من كتبَ نصًّا فيهِ حكايةٌ بسيطةٌ صارَ كاتبًا للأطفالِ، حتَّى أنّهُ من المؤسفِ أنَّ البعضَ يسرقُ أفكارَ الآخرينَ، ويطبعُها في كتابٍ، ويسمّي نفسَهُ كاتبًا للأطفالِ.

أمّا الاتِّجاهُ الثّاني: فهو الاتِّجاهُ النّوعِيُّ المدروسُ وأصحابُ هذا الاتّجاهِ نادرونَ، وهمُ الّذينَ يقدِّمونَ الفكرةَ القيّمةَ، والغايةَ النّبيلةَ بأسلوبٍ سلسٍ راقٍ وجميلٍ، يدخلُ قلبَ الطّفلِ، فيمنحُهُ المتعةَ، والفائدةَ.

وعلى كاتبِ أدبِ الطّفل أن يتمتّعَ بالموهبةِ الحقيقيّةِ، فبغيرِها لا يتحقّقُ الإبداعُ، والفنُّ، وعليهِ أنْ يكونَ مُطّلعًا على علمِ نفسِ الطّفولةِ، وغيرِها من العلومِ، وأنْ يخاطبَ الطِّفلَ بطريقةٍ ذكيّةٍ، فيُحرّضَ عقلَه على التّفكيرِ السّليمِ، مع التّنويعِ، والتّجديدِ في المواضيعِ المطروحةِ، بالإضافةِ إلى مراعاةِ قواعدِ الكتابةِ، واللغةِ والابتعادِ عن المخاطبةِ الرَّسميّةِ، والتَّكلُّفِ، وطرُقِ الوعظِ، والإرشادِ المباشرَين، فكما تقول آن سوليفان:

“يحتاجُ الأطفالُ إلى الإرشادِ، والتّعاطفِ أكثرَ بكثيرٍ من التّعليماتِ”.

و كذلك تقولُ تقول الكاتبة الألمانيّة كيرستن باوي في مؤلَّفها (كلّ شيء سيكون على ما يرام):

“أعتقدُ أنَّ القصصَ تجعلُ فهمَ الأمورِ أسهلَ على الأطفالِ من تلقِّي المعلوماتِ النّظريَّةِ.”

الكاتبة السورية بسوم سلوم

* ومِن قصصِ الكاتبةِ (بسّوم سلّوم) لدينا مجموعتانِ قصصيَّتانِ تتألّفُ كلُّ واحدةٍ من ثلاثِ قصصٍ، وأبدأ بقصّة:

١- نجمةُ هاني:

تطالعُنا قصّةُ نجمةِ هاني الّتي تقدِّم لنا مضامينَ عديدةً قيّمةً، فالقصّةُ تبتدئُ بحلمِ هاني أنّه يقفُ على حافّةِ الكرةِ الأرضيّةِ ويرى أمَّهُ الرّاحلةَ، ليوقظَهُ صوتُ زوجةِ أبيهِ على واقعٍ قاسٍ ومريرٍ، وهي تطلبُ منهُ العملَ في الحديقةِ، ونلحظُ أنَّها تصفهُ في القصَّةِ:

(بالولد البائس، والولد الغبيّ)

وفي ختامِ القصّةِ تصفهُ (بالولدِ الرَّائعِ)كونَهُ أبدى اهتمامًا كبيرًا، وتعاطفًا مع ابنِها الرَّاقدِ في المستشفى ومن ثمَّ تغيُّرُها تجاههُ وشعورُها بالذّنبِ، وهنا أتذَكَّرُ مقولةَ أنجيلا شويندت:

“بينما نحاولُ تعليمَ أطفالِنا كُلَّ شيءٍ

يُعلِّمُنا أطفالُنا ما هيَ الحياةُ”

وبعدَ شعورِ الخالةِ بالذَّنبِ، تُحدِّثُ نفسَها: (لا بُدَّ أنَّهُ عقابٌ منَ اللهِ، لأنَّني ظلمتُ هاني هذا الولدَ اليتيمَ المجنونَ)

وهنا وددتُ لو لَمْ تصفْهُ بالمجنون، فبعدَ شعورِها بالذَّنبِ، واستغفارِها اللهَ كانَ الأنسبَ لو وصفتْهُ بوصفٍ أجملَ، فيهِ حنانٌ أكثرَ، ولا سيَّما أنَّها نعتَتهُ بالرَّائعِ، فلمْ يكُنْ من داعٍ لوصفِه بصفاتٍ قاسيةٍ ككلمةِ

“المجنون” بعدَ إعطائِهِ صفةَ الرَّوعةِ.

ومنَ الأشياءِ الجميلةِ في القِصَّةِ:

الخيالُ: وهوَ عنصرٌ لا غنى للطّفلِ عنهُ في الحياةِ، ولِمَن أرادَ الكتابةَ للأطفالِ.

وفي القِصَّةِ أيضًا: وصفٌ جميلٌ للمساءِ والنُّجومِ:

(أرى النّجومَ أمامي وكأنَّها عِقدٌ من اللؤلؤ ..)

( رأيتُ أمّي كانَ وجهها مُشعًّا، كلُّه نورٌ ومحبّةٌ)

وتُظهرُ لنا الكاتبةُ كميّةَ المعاناةِ الّتي يعيشها هاني في

الجملةِ التّاليةِ مخاطبًا أباهُ:

(لماذا رحلتْ أمِّي إلى السَّماءِ

ولماذا أحضرتَ هذه المرأةَ الظّالمةَ؟)

ونرى لهفةَ هاني على أخيهِ، وهوَ على سريرِهِ في المُستشفى كما وصفَتها الكاتبةُ بقولِها:

(دخلَ هاني .. ورأى أخاهُ بهذهِ الحالةِ، فعانقَهُ، وشَجَّعهُ على تحمُّل الألمِ)

والجميلُ أنَّهُ لم يكتفِ بعناقِهِ، بل شجَّعَهُ على الصَّبرِ وتحمُّلِ الألمِ.

ونلمحُ فيها الأبعادَ الإنسانيَّةَ التَّاليةَ:

– تذَكُّرُ الأُمِّ الرَّاحلةِ.

– ندمُ خالةِ هاني زوجةِ أبيهِ على قسوتِها.

– حُبُّ هاني لأخيهِ من خالتِهِ، وإصرارُه على أنْ يأخذَهُ معَهُ في الحلمِ، ليرى أمَّهُ الرَّاحلةَ، وتأكيدُه بأنَّ أمَّهُ ستُحِبُّ أخاهُ الجديدَ هوَ شيءٌ جميلٌ جدًّا يُحسب للكاتبةِ.

يقولُ هاني:

(سآخذُ أخي معي في رحلتي القادمِةِ إلى الفضاءِ، لتراهُ أمِّي، وأنا متأكِّدٌ أنَّها ستُحبّهُ كثيرًا، لأنَّهُ أخي، ولأنِّي أنا أحبُّهُ أيضًا، ولأنَّ اللهَ يحبُّ الأطفالَ).

٢- ملكةُ الشَّمسِ:

نلمحُ في القِصَّةِ الطّفلةَ نايا صديقةً جميلةً لسلحفاةٍ تُحادِثُها، وتستمتعُ بقضاءِ وقتٍ معها، ونايا أيضًا صديقةٌ للطَّبيعةِ فهي تحبُّ الورودَ، والشَّمسَ، والحديقةَ وتخاطبُ إحدى الزَّهراتِ بقولِها:

(لماذا تحنينَ رأسَكِ يا غالية؟ مَن يملكُ الشَّمسَ، والهواءَ ومن لديهِ صديقةٌ مثلي عليهِ ألّا يَحنيَ رأسَهُ أبدًا).

وهنا أتذكّرُ مقولةَ دون بوسكو:

“أوَّلُ سعادةٍ للطّفلِ هو معرفةُ أنَّهُ محبوبٌ”

ثُمَّ نجدُ تركيزَ الكاتبةِ على العاداتِ الصِّحيَّةِ حينَ تُناديها الأمُّ لتناولِ الفطورِ:

(جاءتْ راكضةً، غسلتْ يديها جيّدًا)

ثمَّ سألتْ أمَّها: (أين السُّكَّرُ يا أمّي؟)

فتجيبُ الأمُّ: (لا تّكثِري من السُّكَّرِ يا نايا)

وحينَ تسأل نايا أمَّها:

(لماذا لا تشربين الحليبَ مثلي)

تقول ُ الأمُّ: (شربتُ كثيرًا من الحليبِ حتَّى أصبحتُ كبيرةً والآنَ دورُكِ لتشربي الحليبَ حتَّى تكبري)

وتنتهي القِصَّةُ بحديثِ الأمِّ عن المدرسةِ، وتشجيعِ نايا لتكونَ طالبةً عندما تكبرُ، وتكِوّنَ صداقاتٍ جديدةً في المدرسةِ، فَكما يقولُ كيسي ماكليستر:

” سوفَ يقومُ الأطفالُ في المستقبلِ بأشياءَ تعتبرُ الآن مستحيلةً”

٣- روادٌ وصديقهُ العصفورُ:

يَتّخِذُ روادٌ من العصفورِ صديقًا، فنراهُ يحادثه حين يأتي لزيارتِه في حديقةِ منزِله كُلَّ يومٍ، ويرحِّبُ به وهو واقفٌ على غصنِ شجرةِ التِّينِ، وتُرينا الكاتبةُ تمنِّيَ روادٌ امتلاكَ جناحينِ كصديقِهِ العصفورِ، ثُمَّ تشرحُ للأطفالِ بطريقةٍ لطيفةٍ أهميّةَ ما يمتلكونهُ:

فالعصفور يقولُ لروادٍ:

(أنتَ تمتلكُ أشياءَ أجملَ منّي بكثيرٍ، فلديكَ يدانِ تكتبُ بهما وقدمانِ تذهبُ بهما إلى المدرسةِ…)

ويفرحُ روادٌ، ثُمَّ ما يلبثُ أنْ يحزنَ حينَ يحدّثهُ العصفورُ عن قلقهِ الدَّائمِ من صيّادٍ يتربَّصُ به، وحينَ يحاولُ إنقاذَهُ بأن يقترحَ عليهِ وضعَهُ في قفصٍ جميلٍ، يردُّ العصفورُ:

(أنا وصغاري لا نستطيعُ العيشَ في داخلِ قفصٍ مهما كانَ كبيرًا وجميلاً، لقد خلقَنا اللهُ بِجناحينِ، لنحلِّقَ في السَّماءِ، ونجوبَ الحقولَ، والبساتينَ، وإن وضَعْتَني في قفصٍ كيفَ أعلِّمُ صغاري التَّحليقَ، والطَّيرانَ؟)

وتنتهي القِصَّةُ باقتناعِ الطّفلِ بأنّ العصفورَ يجبُ أنْ يبقى محلِّقًا في السَّماءِ يملأ الكونَ بألحانهِ الجميلَةِ، ويَعِدُ العصفورُ روادًا بأن يزورَهُ كُلَّ يومٍ لأنَّهُ ولدٌ رائعٌ، وصديقٌ وفِيٌّ وجميلٌ، فحقًّا كما يقولُ فيودور دوستويفسكي: “تُشفى الرُّوحُ بصحبِةِ الأطفالِ”.

٤- سِرُّ دَاني:

تبتدئ القصّة بفرض داني نفسَهُ بينَ جموعِ الأطفالِ ليلعبَ معهم، ممَّا يشي بعلاقتِهِم مَعَهُ، فكأنَّهم لا يتقبَّلونهُ، ولا سيَّما أنَّهُ كانَ يتلعثمُ مردِّدًا جملةً بطريقةِ الغناءِ: أرجوكم، احفظوا السِّرَّ..

أمَّا هم، فيضحكون، ويبتعِدونَ عنهُ، لأنَّهم لا يفهمونَ قصدَهُ، فيزداد حزنًا ولا سيَّما أنَّ المعلِّمةَ تدخلُ، وتسألهُ ما بهِ، فيعيدُ الجملةَ ذاتَها، لكنَّها أيضًا لا تفهمُ عليهِ.

وهنا يخاطبها بقولهِ:

على الإنسانِ النَّاضجِ أن يحفظَ السِّرَّ، وأنتِ لستِ ناضجةً!

وهنا أخالفُ الكاتبةَ في ورودِ هذهِ الجملةِ على لسانِ طفلٍ صغيرٍ يحادثُ معلِّمتَهُ، فداني سيجلسُ أرضًا، ويبكي معيدًا توجيهَ الجملةِ لمعلِّمتهِ (أنتِ لستِ ناضجة)، حتَّى يأتيَ صديقُهُ عمَّارٌ، فينهِضَهُ، ويقولَ لهُ:

أنا سأحفظُ السِّرَّ، لن أقولَ لِأحدٍ أنَّكَ بلَّلتَ ثيابَكَ، لأنَّني أحبُّكَ، فأنتَ لم تخبرْ أحدًا بأنَّني يومًا بلَّلتُ ثيابي!

وهنا تأتي جماليّة الفكرة لدى الكاتبة في طرحِها موضوعًا يعاني منهُ الكثيرُ من الأطفالِ، وأهاليهم، وكيفيَّة تعاملِ معلِّماتِهم معهم، فنلحظ هنا أنَّ المعلِّمة تحتضن داني، وتخبرهُ بأنَّهُ ولدٌ رائعٌ يحبُّهُ الجميعُ حتَّى لو كانَ سروالهُ مبلَّلًا.

وهنا أوصلتِ الكاتبةُ رسالَتها بطريقةٍ غيرِ مباشرةٍ عن كيفيَّةِ التَّعاملِ مع طفلٍ بلَّلَ ثيابهُ.

وتنتهي القصَّة بالسَّعادة، وبجلوس داني مع رفاقِهِ على مقاعدِهم لاستكمالِ دروسِهم.

٥- جدَّةُ ريمٍ:

مَن مِنّا لا يحِبُّ جدَّتهُ، ولا يحِنُّ إلى أحاديثِها، وحكاياتِها؟

تأتي قِصَّةُ الجدَّةِ لتُرينا الحُبَّ الكبيرَ الّذي تكُنُّهُ ريمٌ لجدَّتِها، فأوَّلاً: من خلالِ وصفِها؛ تقولُ ريمٌ:

(جدَّتي حكايةٌ من حكاياتِ الزّمنِ الرّائعِ

أحبًّها وأحبُّ حضنَها الدَّافئَ.. حتّى طعامَها ورائحتَها أحبُّهُما.. وكمْ أحِبُّ بيتَها، وقنديلَها، وورودَها)

ثُمّ تعبِّرُ ريمٌ عن حبِّها لجَدَّتِها بطريقةٍ ثانيةٍ، وذلكَ من خلالِ زراعةِ شتلةٍ من المنتورِ في منزلِها، كي تأخذَها في اليومِ التَّالي حينَ تزورُ الجدَّةَ، وتهديها إيّاها وتفرحُها بها.

والجميلُ هنا سؤالُ الأمِّ لابنتِها، والّذي يبيّنُ لنا من خلالِ ردِّ ريمٍ كمْ هي دقّةُ الملاحظةِ كبيرةً عند الطّفلِ:

تقولُ الأمُّ لابنتِها ريمٍ: (كيفَ عرفتِ أنَّ جدّتَك تحبُّ المنتورَ؟)

فتردُّ ريمٌ: (لأنَّ لها رائحةً عطرةً كجدَّتي، ولاحظتُ أنَّ جدَّتي تبقى سعيدةً كُلَّما نظرتْ إلى وردةِ المنتورِ الّتي تضعُها في شُبّاكِ غرفتِها).

٦- منزلُ أسامة:

ملخَّصُ القصَّة عن طفلٍ يراقبُ أمَّهُ كيفَ تعجنُ، ويبدي سعادتهُ، واندهاشهُ بخبزِ أمِّهِ، فالموضوعُ جميلٌ بالنِّسبةِ لطفلٍ صغيرٍ، لكن مأخذي على الكاتبةِ هو السَّردُ، والإطالةُ المملَّةُ في هذهِ القصَّةِ، فالموضوعُ لم يكنْ يحتملُ عددًا كبيرًا من الصَّفحاتِ للحديثِ عنهُ، عدا عن أنَّ اسم الطٍّفل يتغيّر في القصَّة، فمرَّةً اسمهُ أسامة، ومرَّةً اسمه رواد، وفوق ذلك العنوان لم يكن مناسبًا للقصَّة، وكان الأجدرُ لو كانَ للعنوانِ علاقةٌ بالخبزِ لأنّهُ محورُ القصَّةِ الأساسيِّ.

أخيرًا: أرجو للكاتبةِ دوامَ الألقِ، والتّوفيقِ، والنّجاحِ

وأختمُ قراءتي النَّقديَّةَ بمقولةِ إريك هوفر: “الأطفالُ هم مفاتيحُ الجنَّةِ” وأرجو أن نكونَ ممّنْ يمتلكونَ هذهِ المفاتيحَ.

ــــــــــــــــــــــــــــ

★ كاتبة ــ سوريا

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى