مسرحمشاركات شبابية

أسماء طارق: بوسطة.. قول للزمان اِرجع يا جواب؟! 

أسماء طارق★

نشهد مراسم افتتاح المهرجان القومي للمسرح المصري في دورته السادسة عشرة، والذي بدأ يوم التاسع والعشرين من شهر يوليو لعام 2023، ويحفل المهرجان بمجموعة متنوعة من العروض المسرحية، ومن ضمن العروض المشاركة عرض (بوسطة) للمخرج خالد جلال، وهو يعرض على مسرح السلام.

اِكتبلي جواب: 

يدفعنا التطور المستمر في وسائل التواصل الاجتماعي، وتطور الأفكار والقيم، إلى محاولة استحضار الماضي بما يحويه من رقي وقيم راسخة وتواصل حقيقي. وميزة اللعبة المسرحية، هي تحويل، أو توظيف فكرة معنوية بسيطة إلى فكرة عميقة تثير أذهان ووجدان البشر مرة أخرى، وهذا الأمر نشاهده ونستشعره في عرض (بوسطة)، حيث يدور العرض حول تيمة كتابة الجوابات قديماً، والتي كانت ترسل بواسطة البوسطجي، مما يكسبه وظيفة مهمة وثرية، بالطبع تتعارض الآن مع سهولة إرسال الرسائل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى إبراز أثر وسحر كتابة الجوابات، على اعتبارها وسيلة تواصل مهمة بين البشر، ويؤكد العرض على أن الرسائل ليست بالضرورة أن تكون مكتوبة بين إنسان وإنسان فقط، بل يمكن أن تكون بين إنسان وحيوان، أو بين أي كيان آخر، وتم توظيف هذه التيمة من خلال مجموعة اسكتشات كثيرة ومتنوعة، تعرض لنا قوة وأثر ووظيفة الجوابات المكتوبة، وكيف تساهم الجوابات المكتوبة بجمع الشمل، أو الفراق، أو التواصل مع شخص فقدناه، أي استشعار وجوده من خلال كتابة جواب.

 ثنائية الماضي والحاضر

بالإضافة لعرض لمحة عن الزمن القديم، الذي كانت تكتب فيه الجوابات بين الأحبة، والتي كانت عبارة عن كلمات راقية تمتزج بها بعض المقاطع، لأغنيات رومانسية لعبد الحليم مثلاً، وبالطبع طريقة التعبير عن الحب الآن أصبح لها أسلوب ومعايير، تختلف تماماً، ومن ضمن الاسكتشات التي عرضت، مفارقة بين الجوابات المكتوبة، و الرسائل النصية على مواقع التواصل، الزوجة التي قررت ترك زوجها، و العيش بمفردها في منزل والديها المتوفيين، بسبب وجود مشاكل زوجية بينهما، وتظهر حولها ثلاث شخصيات، يمكن اعتبارها صوتها الداخلي، فهناك من تشحنها بالكلمات على زوجها، وتنصحها بتصوير نفسها ونشرها على الفيس بوك مع كتابة single كي تثير غضبه، وهناك من تبرر لها أفعال زوجها، وتحاول أن تصلح بينهما، وتنصحها بأن تستبدل هذا الفعل، بكتابة جواب له، تعبر فيه عن مشاعرها، وهذا بالفعل يوضح أثر كتابة جواب باليد، نطلق فيه جميع مشاعرنا، بدلاً من اتخاذ فعل خطأ، يدمر العلاقات الإنسانية، ومن الاسكتشات المؤثرة أيضاً، الذي يوضح أثر عدوى الكلمة الطيبة على الجميع، فالكلمة الطيبة كانت بمثابة سحر، حوَّلت العلاقة بين الشخصيات من النفور إلى الحب، وتقبل بعضهم البعض، والبوسطة كما أشرنا يمكن أن تكون وسيلة لكشف أسرار، فنرى اسكتش الزوجة، التي تكتشف من خلال البوسطجي أن زوجها البخيل، لديه مبلغ كبير في البنك، ومن ثَمَّ تقرر خداعه والانفصال عنه.

كيف وظف العرض التيمة سينوغرافياً؟

تم توظيف العرض من خلال شبكة من التقنيات والعناصر المتصلة ببعضها، التي تخدم تيمة البوسطة وكتابة الجوابات، فنجد أن المساحة المقتطعة من خشبة المسرح، التي يؤدي فيها الممثلون عبارة عن تصميم لشكل مظروف/جواب، والحائط الخلفي مطبوع عليه شكل بوسطة وجوابات وكلمات مكتوبة، كذلك في يمين ويسار المسرح، نرى شكل طوابع وكلمات وأظرف، لم يستهلك العرض الكثير من الديكور، ولكن اكتفى العرض بمجموعة كراسٍ وطاولة حسب متطلبات الاسكتش، تنوعت الإضاءة بين الإنارة الكاملة في بعض الاسكتشات، والإضاءة المسلطة حمراء، وصفراء، وبيضاء في اسكتشات أخرى، خاصة إذا كان الاسكتش عبارة عن مونولوج، وتنوعت الموسيقى ما بين موسيقى تصويرية، تفصل بين كل اسكتش وآخر، و الموسيقى الخاصة ببرنامج المقالب “اِديني عقلك”، وموقعها كان في نهاية بعض الاسكتشات، التي تحمل قالباً كوميدياً، بالإضافة لوجود بعض الأغاني المؤلفة للعرض، أما فيما يخص الأداء التمثيلي،فقد كان مبالغاً فيه، حيث الأداء الدرامي الكلاسيكي في بعض الأحيان، و المبالغة في البكاء والنحيب والعويل، وهذا الأمر كان مزعجاً بعض الشيء، وأدى إلى فقدان التوازن في إيقاع العرض، بالإضافة أن أسلوب الأداء لبعض الممثلين على الرغم من قوة أصواتهم وانفعالهم، تسبب في عدم فهم بعض الكلمات، ويؤخذ على العرض أيضاً، الإسهاب، ومد الاسكتشات، وهذا الأمر يسبب الشعور بالملل، خاصة أن العرض بدأ بإيقاع قوي.

وتبقى أصالة الفن.. 

يتميز ختام عروض المخرج خالد جلال بالتأكيد على قيمة وثراء الفن المصري الأصيل، ليس فقط على مستوى الشكل الخارجي في العرض، ولكن في المحتوى الداخلي، أي الفكرة المقدمة للجمهور، وهذا بالفعل ما حدث في ختام عرض بوسطة، فكانت آخر رسالة أرسلت للجمهور، هي أن الفن سيظل أصيلاً مهما تطورت التكنولوجيا، وظروف، وأفكار العصر الحالي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

★ كاتبــة ــ مصــر

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى