مسرحمشاركات شبابية

آية سيد: (السراج) يرتحل بين القصص

آية سيد سعد الدين★

في وقت ما سيطرت الخرافات على عقول الناس، فكان الناس يلجأون إلى أناس أخرى، بحجة أنهم صالحين، أولياء الله على الأرض، فمثلاً التضرع أمام مقابر أحد الأشخاص، والذي يطلق عليه اسم مقام، ويكون مزيناً بالعديد من الأنوار والأقمشة، بمجرد رؤية هذا المقام، يلجأ الناس إليه، لكي يتخلصوا من المشكلة، التي يعانون منها، على أساس أن الشخص المدفون في هذا المكان، شخص ذو بركات، يقوم بتلبية احتياجات من يطلب المساعدة منه، وبالتالي فإن هذا الفكر، يؤدي إلى مزيد من الجهل والتفكير بشكل غير سليم،  وحمل مشاعر الكراهية والعدوان تجاه الآخرين،  وهذا ما يدور حوله العرض المسرحي “السراج”.

   يقدم العرض المسرحي “السراج” من خلال فرقة قصر ثقافة طنطا المسرحية، ضمن عروض الهيئة العامة لقصور الثقافة، المشاركة في المهرجان القومي للمسرح المصري على خشبة مسرح السامر، يُذكر أن العرض المسرحي “السراج”، تم عرضه مسبقاً على خشبة المركز الثقافي بطنطا.

 تدور أحداث العرض المسرحي “السراج” في إطار من الفانتازيا، مع إضفاء القليل من الكوميديا.

 تعيش إحدى القبائل وسط مجموعة من الخرافات منذ قديم الأزل، حيث إن احتياجات ومتطلبات أهل هذه القبيلة، متعلقة بالمقام الموجود في مدينتهم، وهو مقام “سيتنا المحروسة”، وقد كان للجهل الذي نشأ عليه أهل القبيلة، نصيب كبير في التأثيرعليهم فيما بعد، وزرع مشاعر الكره تجاه بعضهم البعض، يقوم كل واحد منهم باستغلال الآخر، من أجل الحصول على رغباته الدنيوية، تظهر فتاة وسط هذه القبيلة اسمها”بدر”، تتمتع بقدرات خارقة قادرة على شفاء المرضى، وبعد اكتشاف بعضهم لقدراتها، يقررون استغلالها في تحقيق مطامعهم الشخصية، ولكن تظهر إحدى الأرواح، التي تساعدها على الهروب من القبيلة.

 نشأت القبيلة على كذبة، وهي مقام “سيتنا المحروسة”، وأول من استغل هذه الكذبة، هو نعمان أحد أحفاد السيدة المحروسة، والذي يقوم بحراسة المقام، ووظيفته هذه تورث من جيل إلى آخر، وبما أن هذه السيدة تتمتع بسمعة جيدة، يظن الناس أنها تقوم بتلبية جميع متطلباتهم، وهي في قبرها، ليستغل نعمان ومن قبله هذه الفرصة، في صنع صندوق مال، يضع فيه من يأتي إلى المقام ولديه حاجة، كل ما يملك في سبيل تحقيق هذه الحاجة، لم يكن يعلم نعمان أن هذه الفرصة، سوف تزرع القسوة والعداوة بداخل أبنائه، الذين كانوا أول من استغلوا المقام، من بعد مرضه.

الابن الأكبر لنعمان، والذي يُدعى عزيز، وهو أول من استغل مرض والده، وسرعان ما ارتدى عباءة نعمان الملطخة بالدماء والكذب، في بداية العرض المسرحي، يظهر عزيز في صورة شيخ متدين لم يترك السبحة من يديه، لا يغيب ذكر الله عن لسانه، ولكن بتصاعد الأحداث، تتضح شخصية عزيز الزائفة، فباطنه على عكس ظاهره، يقوم بخداع أهل القبيلة، من خلال حمل زوجته غير الحقيقي، وذلك لأن نساء القبيلة، تعاني من قلة الحمل، وبالتالي فإن عزيز، قد استغل هذه النقطة لحسابه، ولكي تأتي النساء إلى المقام، ويضعن المال في الصندوق، كما أنه شخص لعوب، ليس لديه مبادئ، ظهر ذلك من خلال علاقته غير الشرعية، مع زوجة أخيه.

الابن الثاني لنعمان، والذي يدعى غالي، ويمكن وصفه بأنه ذو شخصية ضعيفة، أو هذا ما يبدو عليه، تتحكم به زوجته وأخوه الأكبر عزيز، من وجهة نظري أن هذه الشخصية من أكثر الشخصيات المسرحية، التي ظهرت ملامحها بشكل متقن، وذلك من خلال المونولوج “الحوار الفردي”، الذي قامت به هذه الشخصية، والذي عبَّر فيه عن الظلم والقساوة والعداوة، التي نشأت بينه وبين أخيه الأكبر، الذي كان أبوه يفضله عليه، ولكن غالي يقرر في نهاية العرض أن يأخذ ثأره من عزيز.

الابن الثالث لنعمان، والذي تظهر عليه ملامح الطمع هو زوجته، لذلك هم مهمشون من قبل عائلة نعمان، فمنذ بداية العرض المسرحي يريدون الحصول على الصندوق، وبعد معرفتهم بقدرات بدر الخارقة، يقومون باستغلالها من أجل مطامعهم الشخصية.

أما عن الابن الرابع لنعمان، والذي يدعى باهي، فهو بمثابة المثقف التنويري بالعرض المسرحي، يقوم بتنوير أهل القبيلة، ونصحهم بعدم الذهاب إلى المقام وأنه مجرد خدعة، كما أنه يقوم بتحفيظ القرآن الكريم للأطفال، وذلك لتنشئة جيل واعٍ قادر على التمييز بين الصدق والكذب، باهي هو الشخص الذي يقوم بإنقاذ الصالحين من القبيلة، وبالتالي يعتبر المخلص الموجود في الأساطير.

يحمل كل واحد من أبناء نعمان الأربعة، مشاعر غير سوية تجاه الآخر، وهذا ما أدى إلى المواجهة، التي تحدث في النهاية بينهم، حيث المواجهة بين عزيز وغالي، بعد اكتشاف باهي خيانة عزيز مع زوجته، فقد كان الصراع يدور حول ذكرى زوجة غالي، لينتهي بقتلهم لبعض، ولكن المواجهة الحقيقية هي مواجهة باهي مع إخوته، حيث إن باهي يمثل الصدق والحقيقة والتنوير، بينما إخوته يمثلون الخداع والمكر، يقفون مقابل بعضهم، وبالتأكيد يحاولون التخلص من باهي، الذي يمثل عقبة في طريقهم، ولكن هذا الصراع نهايته تُحسم لصالح باهي.

كان يجب أن يعلم نعمان بنتائج خداعة لأهل القبيلة، فأثناء مرضه كانت روحه هائمة لا يعرف هويته، حتى ظهرت له سيدة ترتدي ملابس بيضاء، ويتضح بعد ذلك أن هذه السيدة هي المحروسة جدة نعمان، لتبلغه أن معرفته لهويته مقترنة بحماية فتاة تدعى بدر، لديها قدرات خارقة، ويريد البعض استغلالها، ليكتشف خلال محاولاته لحماية بدر، نتائج أفعاله، التي انعكست على أبنائه، وبالتالي يحاول نعمان إصلاح الفساد الموجود بالقبيلة، وذلك من خلال خروج باهي من القبيلة مع الشخصيات الصالحة، وقد اشترط عليهم عدم النظر إلى الخلف، وهذا يذكرنا بقصة سيدنا لوط عليه السلام، الذي أمره المولى سبحانه بالخروج من القرية، وبعدم النظر إلى الخلف، حتى لا يقع في ما وقعت به القرية من دمار.

لم يكن خداع نعمان لديه أثار سلبية على أبنائه فقط، بل كان على مستوى القبيلة جميعها، حيث يريد الجميع استغلال الآخر، كما أن معظم الشخصيات، تريد سرقة الصندوق والحصول على المال.

الخيال في المسرحية لديه دور كبير، وذلك من خلال إظهار أحداث لم تحدث على خشبة المسرح، حتى لا يخدش أعين الجمهور، كما أنه ساعد على إظهار الجانب الأخر من الشخصيات، وتصوير القدرات الخارقة لبدر.

لعبت الإضاءة دوراً كبيراً في توصيل المعلومات الدرامية إلى الجمهور، فقد كان اللون الأحمر مرتبط ظهوره بظهور شخصيات مثل شخصية ذكرى وعزيز، واللذان يرمزان إلى الجانب الشيطاني في المسرحية، كما أن المقام كان مسلط عليه اللون الأزرق والأخضر، وذلك محاولة لخلق شعور لدى الجمهور، أنه مقام حقيقي، وقد تم وضعه في مستوى أعلى من خشبة المسرح، ليدل ذلك على قيمة المقام لدى أهل القبيلة، وأنه في منزلة عالية، وقد كان اللون الأزرق في العرض، مقترناً بإبراز المشاعر العاطفية مثل علاقة الحب، التي تجمع بين باهي وبدر.

كانت الإضاءة في بعض الأحيان تظهر على مستويين، حيث كان يوجد نصف المسرح مضاء بلون، والنصف الآخر مضاء بلون آخر، وذلك ظهر خلال المشهد، الذي تحاول أسرة باهي التفرقة بينه وبين بدر، فالنصف الذي تتواجد فيه الأسرة، مضاء بالأحمر، والنصف الذي فيه بدر، مضاء باللون الأزرق.

نجح الممثلون في نقل الشخصيات المسرحية وملامحها إلى الجمهور، وإظهار جوانب الشخصيات، وذلك من خلال أسلوب متقن في إلقاء الحوارات، والتناغم بين الشخصيات وبعضها، وحركة كل واحد على خشبة المسرح، وفي وسط الحالة الجادة للعرض المسرحي، كان هناك بعض الكوميديا، منها كان له تأثير إيجابي على الجمهور، وبالفعل خدم فكرة العرض، ولكن كان هناك أيضاً كوميديا، يمكن قول إنها دخيلة على سياق العرض، كان من الممكن الاستغناء عنها، كما كان من الممكن تكثيف الأحداث بشكل مبسط أكثر، حتى لا يشعر الجمهور بالملل أو الإرهاق في المنتصف.

كانت خشبة المسرح منقسمة إلى مستويين، المستوى العلوي، والذي كان يوجد به المقام، وقد تم ذكر سبب وجود المقام في هذا المستوى، أما عن المستوى السفلي، فهو خشبة المسرح، والذي كان يحدث به جميع أعمال المكر والخداع، كما يتضح في نهاية العرض المسرحي، أن المقام هو كذبة، وأن المحروسة لم تُدفن في هذا المكان.

الموسيقى في العرض المسرحي، تخلق حالة خاصة بالعرض، فقد كانت تشبه موسيقى الزار المصرية، حيث تم الاعتماد على الطبول والمزمار، كما أن الاستعراضات المسرحية بالعرض، كان معظمها يشبه طقوس الزار المصري، بخلاف الاستعراض الثنائي الذي يجمع بين باهي وبدر، ولكن كان العرض المسرحي، يفتقر إلى الموسيقى التصويرية، التي تساعد الجمهور على الانسجام مع أحداث العرض.

المخرج (محمد السباعي)،والذي هو نفسه، مؤلف العرض، اِستطاع أن ينقل جواً خاصاً مرتبطاً بالعرض بأسلوب بسيط، وقد نجح في توظيف الشخصيات المسرحية، بشكل يخدم فكرته وحبكته الدرامية، ليقدم في النهاية، عرضاً مسرحياً بهذا الشكل.

السراج

تأليف وإخراج: محمد السباعي، ديكور: رانيا حداد، غناء: عمر فتحي ووسام محمد،ألحان: محمد السعيد، أشعار: عبدالله المداح، تنفيذ موسيقى: مروان مصطفى، درامية حركية واستعراضات: محمد صبحي، إضاءة: محمود فايد، تمثيل: مصطفى طارق، ندى عادل، عبدالله عبد الفتاح، مريم ماجد، هبة البشكار، أحمد صلاح، محمد صبحي، نانسي كمال، عمر فتحي، يارا علي. مكان العرض: مسرح السامر.

ــــــــــــــــــــــــــــ

★ باحثة ماجستيــر ــ مصــر

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى