مسرحمشاركات شبابية

سارة عمرو: (يا شيخ سلامه).. جدلية الفن بين الماضي والحاضر

سارة عمرو★

على خشبة مسرح صلاح جاهين بمسرح الطليعة، ضمن عروض المهرجان القومي للمسرح المصري، تم تقديم مسرحية (يا شيخ سلامة) الاستعراضية الغنائية، من إخراج محمد الدسوقي، وتأليف يسري حسان، العرض باطنه الجوهري، رسالة خاصة بالفن مع الوضع في الاعتبار، المفارقات الزمنية، من خلال التباين بين الحاضر والماضي، في شكل ديالكتيكي بين الفن القديم التراثي، وبين الفن الحاضر، الذي لم يعد مفهوماً بسبب انحداره بشكل سلبي، مما يخلق فناً هابطاً!

لعنوان (يا شيخ سلامة) دلالة مهمة جداً، بسبب أداة النداء (يا) وهي أداة تُبرر حالة استحضار الشيخ سلامة، بمُناداته وسط الفوضى الفنية المعاصرة، تذكيراً بمكانته وفنه، ومناداته هنا، نوع من أنواع الاستنجاد به…فعبارة يا شيخ سلامة، قد يكون لها أكثر من مدلول، لكنها تصف هنا حاله من المناداة، بسبب حلول كارثة، وهي فكرة انحلال الفن في عصرنا الحالي، وتبدو الجملة كنداء، ليلحق بتراثه وفنه ما فسد، أو للمقارنة بين الفنين، عرضاً للتحسر الظاهر، ولإبراز حال الفن، بعدما ساقته أقدار الحياة الانتهازية، ليُصبح مهنة وسلعة، عوضاً عن كونه فناً!.

يُعد عرض يا شيخ سلامة، واحداً من العروض التي تحرص على إرساء فكرة الفن الحقيقي،  من خلال التباين بين زمنين مختلفين، زمن الفن القديم التراثي، الممثل في الابتهالات والأغاني ذات المعاني والقيمة، وما بين الفن الحديث الملئ بالانحطاط والإسفاف، يقدم العرض تلك الفكرة، من خلال استحضار لحظات ومواقف، من حياة الشيخ سلامة، باعتبار أن العرض يحكي بخط درامي منضبط ومختصر، السيرة الذاتية للشيخ سلامة، حيث تقرر إحدى الباحثات، أن تقوم بعمل بحث عن الموسيقى التراثية في القرن الماضي، وتقرر أن تزور مسقط رأس الشيخ سلامة حجازي، وهو رأس التين، بالإسكندرية، لتتفاجأ بسكان المكان مغنين شعبيين، يقومون بعمل مهرجانات وأغانٍ بكلمات، ورقصات، وألحان مُتدنية للغاية، ويترأسهم مخرج، وهو بذلك يظهر لنا فكرة الميتدراما، أو المسرح داخل المسرح، فتحاول من خلال التحاور معهم، ومع المخرج الخاص بهؤلاء الناس، والذي يُدعى خشبة باستحضار السيرة الذاتية للشيخ سلامة، ويحدث ذلك على المستوى الفني، من خلال فكرة الفلاش باك، حيث ينقسم المسرح لنصفين، الحاضرالذي يستحضر فيه سيرة الشيخ سلامة الذاتية بشكل تحاوري، والماضي الذي يعرض تلك السيرة بشكل حي من خلال تقنية الإضاءة، التي كان مسؤولاً عنها أبو بكر الشريف، والتي نجح المخرج في توظيفها، لتكون عنصراً فاصلاً، ينقلنا ما بين الماضي والحاضر.

يناقش العرض فكرة شائكة نعلمها جميعاً، لكننا نتعمد تجاهلها وعدم التطرق لها بحجة المُسايرة ومواكبة العصر، وهي فكرة انحدارالفن وانحلاله لطريق غير مجدٍ، ويرجع ذلك بسبب عامل رئيسي، وهو فكرة امتهان صناع الفن له، أي يتخذونه كمجال لربح الأموال، إلى أن أصبح المال هو المترئس والمتربع على عرض المادة، فأصبحت الكلمة الأولى والأخيرة له، حيث أخذ الناس ينصاعون خلف كل ما هو رائج ومنتشر، فقط من أجل المال، نافين تماماً فكرة الإفادة، أو الأصول للفن الحقيقي، محاولين بذلك خلق عتبة عبثية للفن، ويتعمدالمخرجون، كالمخرج داخل العرض بمحو الفن الحقيقي، برغم علمه بأهميته، وأهمية التراث الذي يسعى لجعله يندثر، وذلك من خلال إنتاجه وإخراجه لتلك الأغاني المتدنية، وتكون حجته أن الفن قد أصبح مهنة للعيش، وليس للتعبير الإبداعي الحر، فلا مشكلة لديه في إفساد الفن، وجعله يندثر على حساب المعيشة والمال.

تناقش المسرحية أيضاً، مسألة التنافس بين الفنانين، الشائعة في عصرنا الحديث، حيث تعرض لنا من خلال الشيخ سلامة خطوطاً بينية لمفهوم الخوض في الفن، فهو ليس قائماً على التنافس، وإنما لكل من الفنانين المختلفين مكانته في المجتمع، وله جمهوره، وآراء الناس تجاهه، فلا أحد يسرق مكان أحد كما يروج البعض، ولا أحد سيكون أفضل من أحد، فلكل منا أسلوبه الخاص، مهما تشابهت المادة المُقدمة، سيظل الاختلاف في الأسلوب، والتأدية هو عنصر التميز.

نجح المخرج في إبراز الفكرة، من خلال مجهود كبير مع فريق العمل، لتتكون لدينا لوحة فنية بين زمنين، تعرض وجهتي نظر مختلفتين، دون الانحياز بشكل ما، لأي جهة، وقد نجح الممثلون في أداء كل لشخصيته، فالفنان علي الهلباوي، نجح بشكل كبير ومبهر، في الحقيقة في تجسيد شخصية الشيخ سلامة، وما كان مميزاً جداً، هو صوته الخلاب، الذي نجح من خلاله في استحضار صورة في أذهان الناس، عن عهد الشيخ سلامة وكأن الجمهور في الصالة، قد انتقل بصوته عبر الزمن للقرن الماضي، كما نجح الممثلان، مراد فكري ونجاة محمد في تجسيد شخصيتي المغنيين الشعبيين بشكل بارع، في إبراز تلك الفئة من المجتمع للفنانين، الذين لا يفقهون شيئاً عن الغناء، والمقامات، والفن، ويرغبون في اقتحام المجال بمجهودهم النابع من الجهل، فينتج عن ذلك فناً متدنياً، وقد نجحت الفنانة نهلة خليل، في تجسيد دورها بشكل جعلنا نراها بوابة تنقلنا لعالم تراثي يكاد يُطمس، أبدع جميع الممثلين في أدوارهم، كل على حدة لإبراز المراد من العرض.

جاء الديكور بواسطة د. حمدي عطية، مواكباً ومتناسقاً مع أحداث المسرحية والعصور، التي ناقشت فيها رسالة المسرحية بين الماضي والحاضر، معبرة عن عصرنا الحالي، من خلال الديكور الشعبي، والقرن الماضي الخاص بأحداث الشيخ سلامة، كما أن للأزياء دوراً في توضيح الفكرة بواسطة هبة جودة، حيث نجحت في إبراز الشخصيات الهمجية من خلال الملابس الممزقة، والألوان الزاهية، وغير المتناسقة، بينما على الجانب الآخر، نجحت في إبراز عهد الشيخ سلامة من خلال الملابس الخاصة بتلك الفترة، وهو ما يجعلنا نلاحظ، اختلافاً كبيراً، بين الماضي وما نحن فيه الآن، في الحاضر.

يا شيخ سلامه

تأليف: يسري حسان، إخراج: محمد الدسوقي، تمثيل: على الهلباوي، مراد فكري، نهلة خليل، نورهان أحمد، نجات محمد، حسني عكري، سيد عبد الرحمن، يىسف عبيد، احمد شومان، سحر عبد الله، محمد عمر، احمد مصطفى زهرة ابراهيم، صابر عبد الله ،ريهام درويس، محمد ابو عيسى، محمد بيومي، ابراهيم غنام

ديكور: د.حمدي عطية، إضاءة: أبو بكر الشريف، ملابس: هبه جودة، ألحان: علي الهلباوي، توزيع:محمد الكاشف، استعراضات:اشرف شرف.

ـــــــــــــــــــــــــ

★ كاتبــة ــ مصــر

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى