أسماء طارق: سادة اسكتو.. تجربة علاجية فنية واقعية
أسماء طارق★
للفن المسرحي دور في علاج بعض الأمراض النفسية، ومنها الاكتئاب، وعرض سادة اسكتو، ينتمي للمسرح العلاجي، كما أشار مخرج العرض عبد الرحمن لاشين في البداية.
لماذا سادة اسكتو؟
عنوان العرض عنصر مهم، وليس هامشياً، فهو عنصر يحرك أفق توقعات الجمهور، ويدفعهم لحضور العرض، وفي ذات الوقت، يعطي انطباعاً مبدئياً عن ماهية العرض، وعند البحث عن هذا الاسم، نجد أنه نوع من أنواع القهوة السادة.
واختيار هذا النوع خاصة، له دلالة فنية ونفسية، حيث يدور العرض حول مجموعة من الشباب، اِجتمعوا في مقهى، والعامل المشترك بينهم، مرض الاكتئاب، حيث إن هذا المقهى، يتضح من خلال مُلاكه، أنه مخصصٌ لجذب الشباب، الذين يحملون بداخلهم ماضٍ مؤلم، غير قادرين على التخلص منه، وبالتالي يلجأون لحل وحيد، وهو شرب قهوة سادة اسكتو، وهذا المشروب يدل على اللا وعي لديهم، الذي يرغب هؤلاء في الهروب من الألم، أو التظاهر بعدم وجوده أي إنكاره، وإنكار الألم هو في حد ذاته اكتئاب حاد، بالإضافة أن القهوة السادة، ترمز للكآبة، فهي مرة الطعم، وتقدم في العزاء؛ لذلك هي اختيار موفق، كرمز ودلالة على مرض الاكتئاب، يظهر لنا سعيد وسارة أصحاب المقهى، ويتضح لنا أن سعيد هو صاحب فكرة هذا المقهى، وسارة تعمل لديه، وشخصيتها عنصر محرك للأحداث والصراع؛ لأنها في كل مرة يأتي فيها هؤلاء الشباب إلى المقهى، ليتناولوا ذات المشروب، تحاول تذكيرهم بذكرياتهم المؤلمة في حالة إذا حاول أحدهم أخذ خطوة للتعافي، ولضمان وجودهم في المكان، ومن خلال هذا العنصر، نكتشف قصة كل شاب وشابة منهم.
قضايا شائكة
العرض انعكاساً لمجموعة من القضايا، التي يتعرض لها أي فرد، مثل التربية الازدواجية، التي يمارسها الأهل على الأبناء، مما ينتج عنها فرد هش نفسياً، يفتقر للثقة في ذاته، بالإضافة لتقريرمصير أبنائهم في التعليم والعمل، دون النظر لرغباتهم وقدراتهم، من القضايا الأخرى، قضية المسؤولية سواء الخاصة بمسؤولية الأم، وواجباتها تجاه أبنائها، و طرح إشكالية، هل هذه المسؤولية فرض أم واجب، وهل هذه المسؤولية، يمكن أن تكون سبباً في تحول غريزة الأمومة للأسوأ، أم للأفضل؟ ومسؤولية اتخاذ خطوة الزواج، ومحاولة التصالح معه حتى لا تنتهي هذه المنظومة بالفشل، ومن أبرز القضايا، التي طرحها العرض أن المعالج النفسي بشرٌ مثلنا، يحزن ويعاني ويواجه هو الآخر ذكريات مؤلمة، فهو أيضاً في احتياج أن يستمع له الآخر، أو أن يلجأ للعلاج النفسي، وكان ذلك تشجيعاً لجميع من يعانون من أي مرض نفسي، أن يتخذوا خطوة العلاج دون تردد أو خوف، من نظرة المجتمع لهم.
القصص التي عرضت تحتوي على العديد من التفاصيل الحقيقة للشخصيات، التي قاموا بأدائها، بالإضافة للاستعانة ببعض المعالجين النفسيين، لتطوير نهاية العرض، هذه النهاية، التي تعبر عن شعور الأمل في التعافي، وتقلل من حدة شعور الاكتئاب، داخل العرض.
طاقات أدائية
العرض ينتمي للمسرح العلاجي، ومعظم القصص فيه حقيقية، وهي ناتجة عن جلسة تدعى brainstorming وهي جلسة قام بها الشباب، وهدفها إطلاق الأفكار والمشاعر، لمحاولة حل مشكلاتهم، وبالتالي تَطَلَّبَ هذا الأمر أداءً تمثيلياً خاصاً، اِعتمد في الأساس على الانفعالات النفسية الداخلية، وخاصة أن هذه الانفعالات، جزء منها يمس مشكلات حقيقية لبعض الممثلين، لذلك كان الأداء التمثيلي هنا، بمثابة تفريغ لكل المشاعر المكبوتة لديهم، والتعبير عن أفكارهم، فتنوع الأداء ما بين البكاء، والتبلد، وحالة الإنكار والصمت، وانفعالات الوجه كانت بمثابة بطل أساسي، لم يَتَطَلَّبِ الأمر أداءً حركياً مبالغاً فيه، حيث استطاع كل منهم التعبير عن قصته، ومعاناته، وعدم الثقة في الذات، وهو في مكانه، من خلال إيماءات الجسد أيضاً، وهو أمر في غاية الصعوبة والإرهاق، وفيما يخص لحظات الانهيار النفسي لبعض الشخصيات، حيث تَطَلَّبَ هذا الأمر، أداءً حركياً و انفعالياً، بالإضافة لوجود بعض الاستعراضات، وقد تمكن هؤلاء الشباب من أدائها، خاصة الممثل محمود سعيد، الذي قام بدور دكتور عمر، حيث كان بمثابة شعلة الأمل لهم من خلال محاولاته علاج مشكلاتهم النفسية، في حين أنه هو الآخر يعاني مثلهم، ومع ذلك تَمَكَّنَ في النهاية من مساعدتهم، ولكنه سرعان ما يتحول من شعور الأمل للحظات انهيار، بعد تَذَكُّرِهِ لذكراه المؤلمة، ثم النهوض مرة أخرى حتى لا ينقطع هذا الأمل، والممثلة هاجر فتحي، التي قامت بدور مي، حيث تمكنت من رسم ألمها النفسي على ملامح وجهها الساكن العابث، ونبرة صوتها الحادة، والتظاهر بالقوة حين شعورها بالألم الحاد، ومن ثَمَّ تتحول لشخصية أخرى منهزمة، ترغب في الخلاص، فتميزت هذه النقلات الأدائية الانفعالية لديها، بالقوة والتحكم، والممثلة الشابة بسنت العطار في دور سارة، قد تمكنت من التنقل من شخصية لأخرى، حيث جسدت بعض الشخصيات المرتبطة بماضي شخصيات العرض، بالإضافة لشخصيتها الأساسية سارة، فهي مثل شعلة نار، تطلق نيرانها بداخل كل شخصية، كي تثير آلامها، وتثبت قدميها في المكان، وعلى الرغم من ظهورها بقوة الشخصية، إلا أن هناك نقطة ضعف لديها تسبب لها هي ايضاً، ألماً نفسياً، وتتمثل في حبها الشديد لسعيد، الذي لا يأبه لحبها.
السينوغرافيا تعزز حالة الاكتئاب
تأسست سينوغرافيا العرض بشكل بسيط، لكنه عميق يعبر عن الحالة النفسية المحيطة بالعرض والممثلين، فنجد شكل المقهى، وكأنه مكان مغلق بلا مخرج، وتوجد حبال مشنقة في المنتصف، ويوجد إطار به مجموعة من اليفط ، مكتوب عليها: اِنتحار، الموت، اليأس، وهي دلالات مباشرة، تؤكد على مرض الاكتئاب، ويوجد أيضاً أيقونة لشكل إنسان، ولكن بدون رأس، وبديل الرأس، مايشبه بالخيوط المتشابكة المعقدة، وتميزت الملابس، بأنها تتشابه مع ملابس الواقع العادية بمصاحبة اللون الأسود، والرمادي المشترك بين الممثلين، لتعزز حالة الكآبة المسيطرة عليهم، بالإضافة لوجود كوفيات رمادية معلقة حول رقابهم، كعلامة تدل على أن الشخصية مازالت في حالة اكتئاب، وعندما قاموا بإزالتها أصبحت علامة تدل على تحررهم، وتعافيهم من المرض، وجود طفلين بالعرض، تم إدراجهم بشكل واعٍ، لطالما تمثلت رمزية ولادة، أو وجود طفل في النصوص، أو العروض المسرحية، باستشراق الأمل أو الخلاص، كذلك كان الطفلان في نهاية العرض بمثابة المَخْرَج، أو الأمل لدى جميع الشباب، كي يتعافوا، و يتركوا هذا المكان، الذي احتجز أرواحهم، وجاء ذلك من خلال الرسمة، التي قاموا برسمها للمقهى، الذي لم يظهر فيه أي باب خروج، ومن ثَمَّ، أوجدوا باباً للخروج بداخل هذه الرسمة، أما اختيار الأغاني والموسيقى، فقد كان اختياراً موفقاً، يتناسب مع الحالة الشعورية للعرض والممثلين.
اشراك الجمهور
من سمات المسرح العلاجي، أن تأثيره ليس على الممثلين فقط، بل الجمهور أيضاً، لأن مرض الاكتئاب، والقضايا التي تم طرحها، بالتأكيد تعرَّض لها الجميع، فهذا الانعكاس، كان مرآة لكثير من الجمهور، والدليل على ذلك، التجربة التي قام بها المخرج عبد الرحمن لاشين، قبل بدء العرض، وكانت عبارة عن إشراك الجمهور، أو تهيئة مشاعرهم، واللاوعي لديهم للدخول في حالة العرض، وبذلك يصبح العرض تجربة مشتركة، بين الممثلين والجمهور، حيث طلب المخرج من الجمهور ، النهوض وإغلاق العينين، وأخذ نفس عميق، وتَذَكُّر أسوأ ، وأجمل ذكرى مرت عليهم، وهذا يدل على فكره الواعي، كنت أود لو توَّسع عبدالرحمن لاشين في موضوعات نفسية أعمق، لأن هناك موضوعات تم طرحها في العرض، قُدِّمَت من قبل، مثل تقرير الأهل لمستقبل أولادهم، وقضية الخيانة، فهناك قضايا كانت ستثقل من العرض، مثل ارتباط الإنسان المبالغ فيه، بالواقع الافتراضي، والأمراض النفسية الناتجة عن الضغط الاجتماعي، والوضع الاقتصادي، الذي يحتجز نفسية الشباب في الوضع الراهن، ولكن في المجمل، يمكن تلخيص العرض، من خلال جملة لسعد الله ونوس، تتردد في ذهني دائماً في كل مرة، أشاهد فيها هذا النوع من العروض وهي: “إننا محكومون بالأمل”.
سادة اسكتو
تأليف وإخراج المخرج عبد الرحمن محمود لاشين، وإنتاج رشا إبراهيم، وبطولة شادي جمال، محمود سعيد، بسنت العطار، هاجر فتحي، ميار خالد، أحمد مصطفى، شهد شعبان، محمود رأفت، محمد جيكا، جودي أحمد، أحمد النوبي، والأطفال شهد عرفة ومصطفى عرفة. |
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
★ كاتبــة ــ مصــر