د. داليا همام: السيرك فوضى ونظام…قرب قرب

د. داليا همام★ 

يتكون العرض المسرحي من سلسلة من الأبنية السمعية والبصرية، التي في حقيقتها غير ثابتة، بل إنها تنتقل من حال إلى حال، إبان العرض وتطوره، وفي عرض “قرب قرب” إخراج شادي سرور، وتأليف وأشعار أحمد نبيل، والذي يقدم على خشبة مسرح الهناجر، تتعدد الأبنية البصرية والسمعية المتتالية، ويعتمد المخرج بشكل أساسي، على الحشد لكم هائل من الرسائل الدرامية، التي قد وضع قاعدتها منذ أن جعل بعضاً من ممثليه، القائمين بأداء أدوار المهرجين، يخرجون إلى المتلقي حتى يجذبونه إلى الدخول خلفهم للمسرح، ليبدأ العرض بالألعاب البهلوانية والموسيقى والغناء، من خلال ترديد “قرب قرب يا اللي بعيد، قرب قرب يا اللي هناك” لتصبح هذه الجملة الغنائية، تيمة أساسية على مدار العرض، سواء على مستوى الموسيقى أو الغناء، وهي جملة تعلن عن الولوج  لعالم السيرك، والجدير بالذكر أن الموسيقى أيضاً “لأحمد نبيل”.

إن البقاء في السيرك والانتماء إليه، هو جوهر دراما العرض، والسيرك ذاته والحفاظ عليه، هو ما يدفع الشخصيات الدرامية، إلى التحول من حال إلى حال، فهو عالم إنساني مغاير، لما يمكن أن يتوقعه ذهن المتلقي، حال ذكر كلمة سيرك، ذلك أنه فوضى ونظام وكره وحب وحياة وموت، وغدر ووفاء.. إنه جميع الأشياء ومقابلها.. يمكنك أن تتأكد، أنه نموذج مصغر للحياة نفسها، حيث تتشابك العلاقات الإنسانية بداخل السيرك، وتشعر بالدفء والمحبة بين أعضائه، ويمكنك أيضاً أن تجد الغدر والخيانة والخذلان، كما في الحياة ذاتها.

ينطلق العرض من فكرة ، يحاول تنفيذها الخال “بهنوس”، وهو المتولي لأمور السيرك، والذي أراد الحفاظ على السيرك من الِانهيار، وقرر أن يعترف لأبناء أخته، التي تُعَدُّ شريكته في السيرك، وكانت مروضة أسود – وهي تظهر في دراما العرض بين حين وآخر على أنها شخصية من الماضي، تتبدى في سياق لحظات الاسترجاع فقط، لأنها توفيت منذ زمن – وقد قرر الخال “بهنوس” أن يجعل أبناءها يرثون السيرك، بل بالأحرى يحاول أن يجعلهم ينتمون إليه، ومن هنا تبدأ الرحلة، فعليهم البقاء في السيرك مدة ستة أشهر، ومن ثم يستلمون الميراث، ولأنهم في اتجاه آخر ليس له أي علاقة بأي نوع من الفنون، فهم “محامية ودكتور وضابط “وهم يرون السيرك شيئاً بعيداً كل البعد عنهم، ولذلك أصبح هذا الميراث حملاً ثقيلاً عليهم، تَحَمَّلَهُ تلك المدة للتخلص منه بالبيع، لكن التجربة، هي التي تغير كل شيء، وتصنع لحظة التحول الدرامية، فقد رأوا في السيرك حياة، يسعى أفرادها إلى الحفاظ عليها، وقد أحب كل منهم أحد أفراد السيرك ، فتغيرت الأحداث، ونجحت خطة بهنوس.

يصوغ المخرج شادي سرور عرضه من خلال عناصر العرض المختلفة، والتي اعتمد فيها التأكيد على المعاني الإنسانية، وقد قدم المبررات الدرامية لشخصياته المختلفة، وتبدى ذلك من خلال حوار أحمد نبيل، والذي أكد على طبيعة كل شخصية، ليظهر التناقض بين الشخصيات بوضوح، ونتأكد أن ما يجمع كل هذه المتناقضات، هو الحب لعالم السيرك.

الممثلون “إسلام إبراهيم، نهى المصري، بولا نبيل ذكي، نور شادي، ندى محمد، شروق عوض، هاني عاطف، فاتن حسني، أحمد هشام، أحمد بهاء الدين، محمد علي، هاجر إبراهيم، سارة ،مصطفى رأفت، كوثر محسن، عبد الرحمن طارق، محمد السعدني، حسين طارق، باسم امام، عبد الرحمن عبد الله، ماريز لحود، أحمد حوين، أحمد سوو، على حميدة، فاطمة فاروق، شيرين طيرة، طارق الشرقاوي أحمد، محمد أشرف إسماعيل، محمد أسامة، طوسون عبد الحميد، هنا معتز “قدموا أدوارهم بشكل يتوافق مع الشخصيات الموكلة إليهم، والجدير بالذكر أن العرض نتاج ورشة أقامها المخرج شادي سرور لمدة سنة.

الديكور لـ ” فادي فوكيه” يميل إلى التجرد عدا بعض القطع، التي يتم الاستعانة بها عند الحاجة وبعض المستويات، التي تقدم في عمق خشبة المسرح حال بَدْءِ الاستعراض الدعائي  للسيرك، هذا إلى جوار البوابة، التي توضع في منتصف عمق خشبة المسرح، ويكتب عليها (السيرك)، وهو هنا يحدد المكان، الذى تدور فيه جميع الأحداث الدرامية، أما الإضاءة لـ “محمد عبد المحسن” فقد دعمت من إبراز عالم السيرك ولحظاته الصاخبة، التي بدأ فيها التفاعل  بين الممثلين واضح، وكانت الألوان، هي العنصر الداعم لحالة البهجة المصاحبة لفقرات السيرك، والملابس لـ “مها عبد الرحمن” اِعتمدت فيها على الألوان، التي تتناسب مع طبيعة كل شخصية وعملها، وقد استعان المخرج بمدرب من السيرك “عبد الرحمن كريم” حتى يتمكن بعض الممثلين، الموكل إليهم بعض الأداءات الجسدية الخاصة بالسيرك، من تأديتها بشكل منضبط، والاستعراضات لـ “هاني فاروق”، وقد عبرت عن الطبيعة المبهجة لعالم السيرك حال تقديم عروضهم، مخرج منفذ العرض سامي يوسف.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

★ ناقــدة فنيــة ــ مصــر