نهلة إيهاب: “إبسن” من تعبيرية الأسطورة لواقعية الحدث.


نهلة إيهاب ★
تبقى دائمًا الثقافة والمعرفة هما الجسر الحقيقي للتواصل الإنساني والاجتماعي ؛ فعلى هامش فاعليات معرض القاهرة الدولي للكتاب الدورة 55؛ عقدت هيئة الأدب النرويجي ندوة بعنوان ” إبسن على المسرح العالمي ” بالقاعة الدولية ؛ وذلك في إطار الاحتفال والترحيب بضيف شرف المعرض هذا العام (دولة النرويج)، ودارت الندوة حول أعمال “هنريك يوهان إبسن”، ولهذا وبشكل تحليلي سنتناول مجمل كتابات إبسن المسرحية.
إبسن هو كاتب مسرحي نرويجي ولد عام 1828 ولقب ب “أبو المسرح الحديث” و له 26 مسرحية ؛ أعماله في مجموعها تعكس إلى حد كبير أغلب الاتجاهات السائدة في وقته ، فقد صور إبسن (التناقض الثري الذي كان يقوم بين البيئة والفرد بما يتضمنه هذا التناقض من الكشف عن الحيرة والقلق وعدم الاستقرار بالنسبة للمجتمع والفرد.
فكتاباته الأولى أغلبها كتابات رومانسية باحثًا من خلاها عن الأساطير ولكنه منذ عام 1875 كتب مسرحيته المعروفة (أعمدة المجتمع) ثم تلاها (بيت الدمية ) و(الأشباح) و(عدو الشعب) .

وهذه المسرحيات في مجموعها تحتوي على أغلب العلامات المميزة لفن إبسن؛ فكلاهما يظهر كيف أن القيم الاجتماعية الزائفة تضطر الفرد إلى أن يعيش حياة تقوم على الأكاذيب والخداع.
وإذا أمعنا النظر بالتحليل لشخصيات إبسن المسرحية نجد أنها تتكلم لغة خالية من الأحاديث الغير واقعية كالمنولوجات والجانبيات ؛ فالمسرحية تصور عالمًا موضوعيًا نرى فيه الناس كما هم على حقيقتهم لا يمارسون البطولة أو مظاهر البطولة سواءً بالفعل أوبالقول.
وقد كان لصدق هذه المسرحيات أثرها القوي على الناس مما جعل إبسن غير مرحب به في كثير من البلاد الأوروبية لمدة طويلة .
ثم يتجه اتجاهًا جديدًا في مسرحياته الأخيرة ففي مسرحية (البطة البرية) نجده يمزج الرمزية بالواقعية كما نجد أن إهتمامه يتحول من المجتمع إلي الفرد في مسرحية (البناء العظيم ) والواقع أن هاتين السمتين(الاهتمام بالفرد والرمزية ) تميزان أعمال إبسن في المرحلة الأخيرة التي انتهت بمسرحيته (عندما نتيقظ نحن الموتي) عام 1899 .
لذلك نجد أن هناك مجموعة من السمات الفكرية والفنية التي تميز مسرحيات إبسن ومنها:
التركيز علي الإرادة الواعية عند شخصياته المسرحية وذلك ينبع من فلسفة إبسن الاجتماعية وفيها يتضح وعيه بتغيرات على وشك الحدوث وهو وعي مقرون بعدم ثقته بأساليب السياسة ونظمها ؛ حيث يرى أن الإنسان نتاج بيئته ؛ كما كان يرى أنه ليس في الإمكان تغيير البيئة إلا إذا تغير الإنسان نفسه.
فقد كان يقول: «نحن بحاجة إلى ثورة في النفس البشرية أولًا»

كما نلحظ أن شخصيات إبسن وخاصة في مسرحيات المرحلة الوسطى (المسرحيات الاجتماعية) مثل مسرحية ( بيت الدمية ،والأشباح، والبطة البرية) تكافح في سبيل التحرر من القيم الاجتماعية الزائفة.
والواقع أن أهم ما يميز مسرح إبسن أيضًا هو الهوة السحيقة بين الماضي والحاضر، فالحاضر لم يعد استمرارًا للماضي بل أصبح الماضي عدوًا للحاضر والمستقبل .
ومن هنا كانت المفارقة الدرامية التي تُبنى عليها أغلب أعمال إبسن أو كما كان يقول :«الماضي الذي يعيش داخلنا ميتًا ولكنه موجود كالشبح فنحن نعيشه وفي نفس الوقت لا نعيشه…»، فبرغم الانفصال بين الماضي والحاضر إلا أن الماضي لا زال يسكن الحاضر.
ولذلك نري أن إبسن مسرحي أمتلك القدرة علي رؤية الأشياء كما لو كان ينظر إليها للمرة الأولى ؛ محاولًا أن يرسم صورة متماسكة للحياة بأسرها، فيستطيع بإحساسه أن يستخلص من أوضاع الماضي ونظمه وعبره ما يظل به الماضي حيًّا كما لو كان جزءًا من الواقع.
ناقدة-مصر.