محمد القلاف: إلى أي حد كان غوغول حاضراً في مسرحية (المحترمين)؟!
محمد علي القلاف★
الأدب والمسرح الروسي، حاضر منذ القدم في الوطن العربي وبالأخص الكويت، فنجده في روايات الأدباء ونصوص المسرحيين، ففي حقبة الثمانينيات كان الممثل القدير سعد الفرج والمخرج الكاتب عبد الأمير التركي رحمه الله يقتبسان ويُعِدَّان مسرحياتهما من كُتاب يوغسلافيا، كمسرحية حرم سعادة الوزير، وممثل الشعب لمؤلفها اليوغسلافي (برانسيلاف نوشيتش)، هذا الاهتمام جاء بسبب تقارب وتشابه الفساد في تلك الفترة عند يوغسلافيا والوطن.
وفي هذه الأيام في مسرحية (المحترمين) الكوميدية والتي حملت ملامح سياسية، من تأليف وإخراج عبد العزيز صفر وتمثيل: خالد المظفر، ومحمد الدوسري، وإبراهيم الشيخلي، وإيمان فيصل، وزينب بهمن، ومهدي دشتي، وأحمد المظفر، وسلمان كايد، وهيا السعيد، نجدها تحاكي الواقع الحياتي، الذي يعيش فيه الإنسان، تسلط الضوء على الفساد المستشري في قرية سلمار.
هذه المسرحية مقتبسة من أهم المسرحيات الروسية (المفتش) للكاتب الروسي نيكولاي غوغول، فقد تناول غوغول في مسرحيته، الفساد الحكومي، وكيف انتشر بين الموظفين، مما جعل المجتمع في حالة تذمر وشكوى دائمة، بسبب الوضع المزري الذي يمر به.
ومن هذه الاقتباسات، فكرة الفساد في القرية، ومحاولة إخفاء فسادهم ومشاكلهم، بسبب الرسائل التي أُرْسِلَتْ إلى العاصمة، فهو تناص لقرية سلمار، التي تَفَشَّى فيها الفساد، ولا يريد أحد أن يعرف عنه، حتى الصحافة لا تريد معرفة ذلك، فنجد أبطالها يُخفون عنهم الحقيقة، ويصورون حالهم بأنهم بخير ومعيشة كريمة.
التشابه الثاني في فكرة حضور مفتش من العاصمة في مسرحية (المفتش) لغوغول، وخوف المسؤولين أن يفتضح أمرهم أمام القيادة بالعاصمة، ونجد هذا الدور في مسرحية (المحترمين) في دور الممثلة إيمان فيصل بشخصية (فترة)، أي بقدومها من العاصمة إلى قرية سلمار، وخوف المسؤولين منها بأن تكشف أمرهم.
أما التناص الثالث هو التقرب من المفتش، ففي مسرحية المفتش نجد تَقَرُّبَ الموظفين والمسؤولين الفاسدين منه، وتقديم الهدايا، وإسكانه أفضل المساكن، وتقديم أفضل الأطعمة له، معتقدين أنه المرسل الحقيقي، وهذا التماثل نجده عند الممثل خالد المظفر بشخصية (محضر خير) ومن معه من الموظفين حين يتقربون من القادم، المفتش فترة، ويقدمون لها كل ما تريد حتى البوفيه، بل وصلت الحالة بأن يتزوجها محضر خير، لكي يتقرب من السلطة في العاصمة، ويعرف أحوالها ولا يحاسبوه على أفعاله.
لذا فإن ثيمة مسرحية (المحترمين) تتشابه مع ثيمة مسرحية غوغول (المفتش) كونها تكشف حال البلد، وما وصل إليه من فساد مستشرٍ، وبيروقراطية في العمل وإنجاز المعاملات، مما سبَّبَ فساد موظفيه ومسؤوليه، وتفشي الرشوة والمناقصات غير العادلة، بل حتى إخفاء حالة المجتمع وما يعاني ،وتصوير الوضع وكأنه طبيعي وسليم، وهذا ما تبيَّن لنا عندما أرادت الممثلة هيا السعيد بشخصية (اسهام حصري) الصحفية، معرفة اخبار القرية، فكان بشوش لا يجيبها بالحقيقة، وإن القرية دائماً تخدع بالشعارات المنافقة والخطابات والوعود الكاذبة، وهذا ما كان يقوله محضر خير “بيدي أقتل، واليد الأخرى تمسح على رأس طفل، ومع الأيام سوف يتذكرون عطفي ورحمتي، وينسون قتلي وجرمي”، وأما الغيرة بين النساء (فترة) مفتشة العاصمة و(تركيز) الكاتبة والحبيبة، فهو يجسد الصراع بين السلطين والنزاع فيما بينهما، والحسد والغيرة من أجل المصالح.
المسرح الملحمي حاضر
وهو أحد المذاهب المسرحية الذي أسَّسه بريخت، والذي يعتمد على المضمون وليس الشكل، بل يدمج بين الدراما والملحمية، ومن أهم ركائزه:
- التوعية السياسية.
- لا توجد حبكة قصصية، ولا تعتمد على تسلسل الأحداث.
هذا ما نجده في مسرحية (المحترمين) أنها لا تهتم بالقصة والحبكة وترابط الاحداث، إنما تعتمد على مشاهد بتطور سريع، فلكل حدث، قصته وحكايته الخاصة، كونها تناقش أمور الفساد بالقرية، ومن هنا استطاع المخرج عبد العزيز صفر أن يجعل لكل مشهد قصير واقعي، حكايته، وهو ما ذكرنا في مسرحية (حامي الديار) من تأليف عبد الأمير التركي وسعد الفرج، وكأننا نشاهد لوحات، والجميل في الممثلين أنهم كانوا متعاونين ومتميزين في تنفيذ ما يريده المخرج، وهذا الاندماج فيما بينهم شكَّل لوحة جميلة للحضور، لكي يستمتعوا بالمشاهدة والإضحاك.
كان على المخرج
على الرغم من الإمكانيات في المسرح، الذي لا يساعد على المشاهدة، خصوصاً الجالسين بالأعلى، يجب على المخرج، مراعاة المتلقي (الجمهور) الذين يجلسون في الأطراف، لأنهم فقدوا المشاهدة، كان عليه من اجل ذلك، استغلال المكان الذي توضع فيه الملفات، والأمر الآخر، هو الوقت، الالتزام بنفس الوقت الذي يوضع بالإعلان لمراعاة وقت الحضور ومشاغلهم، ونشكرهم على هذا الجهد والإمتاع للعرض، الذي فقدناه في خضم التراجع، الذي نشهده في المسرح المحلي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
★ ناقـد ــ الكويــت