مسرحمشاركات شبابية

يوسف العصفور: عرض جماهيري بصيغة أكاديمية

يوسف جمال العصفور★

قد يأتي اليوم الذي يصبح فيه المحترم عملة نادرة، وأن الحب ليس بمحضر خير، هذا ما حاول توصيله المخرج عبد العزيز صفر في عرض (المحترمين)، الذي كان من تأليفه، وبطولة كل من خالد المظفر، ومحمد الدوسري، وإبراهيم الشيخلي، ومهدي دشتي، وسليمان كايد، وأحمد المظفر، وإيمان فيصل، وزينب بهمن، وهيا السعيد.

تدور أحداث العرض حول قرية سلمار، التي يعم بها الفساد، وذلك بسبب قائدها المدعو “محضر خير”، مما أدى إلى إرسال مكتب كشف المستور، ممثلاً عنه من العاصمة، لكي يكشف خبايا الفساد في هذه القرية.

الفنان الراحل حسين العوض

طرح العرض الكثير من القضايا، ومن أهمها كيف يتم الفساد، وكيف يتقاسم أصحاب السلطة ما يجنى من هذا الفساد، من حيث المال، أو المناصب، أو المناقصات التجارية، فالقصة قائمة على شخصيات ذات مناصب عالية في القرية، وفي الوقت ذاته، لديهم شركات تجارية، وهذه الشركات محتكرة السوق في هذه القرية.

تميز المخرج في هذا العرض في الكثير من الجوانب، ابتداءً من المدرسة الإخراجية، فإنه التزم في المدرسة الملحمية، والتي تنص على مخاطبة العقل وليس العاطفة، حيث جعل العرض قائماً على قصة حدثت في السابق، وفضول صحفية أدى الى نبش هذه القصة في ذكراها السنوي، واللافت في هذا العرض، كيف طبق المخرج بعض عناصر المدرسة الملحمية، مما جعل شخصية الصحفية، وإحدى الشخصيات في القصة، يقومان بأداء شخصية الراوي، التي عرفت في المسرح الملحمي، حيث جعل المخرج الشخصية الأخرى تروي المشهد، وشخصية الصحفية تعقب.

خالد المظفر وايمان فيصل ومهدي دشتي وابراهيم الشيخلي ومحمد الدوسري

لفت انتباهي أحد العناصر في هذا العرض، وهي رسمة للقائد “محضر خير” بعد انتهاء أحد المشاهد، كانت تسلط إضاءة حمراء على هذه الرسمة، وكأن المخرج يقول من خلال تسليط الإضاءة بأن هذا خطر قائم، وصعب انتشاله في الوقت الحالي، وأن هذا الخطر سوف يستمر.

كانت تروى الاحداث على أن القرية تعيش في سلام تام، وأن قائدها “محضر خير” كان يطبق القانون بكل شيء، حيث تم وصفه على أنه أسطورة، لكن في الواقع، هو عكس ذلك تماماً، فبسببه عم الفساد، مما أدى إلى شكوى أهل القرية.

إيمان فيصل

لم توضع أسماء الشخصيات عبثاً، إنما كان لها معانٍ عميقة، على سبيل المثال كان هناك شخصية اسمها “فترة”، وهي الشخصية التي تم إرسالها من مكتب كشف المستور، فإن اسم الشخصية له دلالة، بأن على الشعب أن ينظر لهذا الفساد القائم في القرية، على أنه مجرد فترة، وسوف تمر، لكن الواقع يقول بأن هذه الفترة سوف تدوم، وقد لا تنتهي.

من الشخصيات التي لفتت انتباهي في هذا العرض، شخصية “بشوش” الذي يروي الأحداث للصحفية، فعلى الرغم من فساده، إلا أنه بشكل دائم يطمح للسلطة، حيث من خلال الأحداث، كانت هذه الشخصية هي الند للشخصية الرئيسية، وعلى الرغم أنه الند، فهو مستمر في الفساد ولا يحاربه، ولا فكَّر بأن يُحَسِّن صورته أمام الشعب.

هيا السعيد ومحمد الدوسري

لا يمكن التحدث عن الشخصيات، دون التطرق الى شخصية “محضر خير”، التي لم تكن بمحضر خير على القرية، حيث لم يتم وضع هذه الشخصية عبثاً، وذلك بسبب سلوكيات هذه الشخصية، عكس اسمها تماماً، وهذه الشخصية قائمة على الخبث، والتدبير في الفساد بشكل دائم.

 من خلال أحداث العرض تم إثبات مدى خبثه، عندما قرر التلاعب على ممثل مكتب كشف المستور “فترة”، وطلب الزواج منها، لكي تكون غطاء دائماً على فساده، وأن يكون له سند في العاصمة.

من وجهة نظري، تلاعب المخرج من خلال شخصية “ممثل كشف المستور”، وجعل هذه الشخصية تجسدها امرأة، وهي بشكل عام العاطفة، في بعض الأحيان تكون غالبة عند المرأة، وهذا ما حدث عندما تزوجت “فترة” بمحضر خير، فإن عاطفتها جعلتها تتغاضى عن الفساد بمقابل شرط واحد، بأن يكون محترماً، وأن يبدأ صفحة جديدة في هذه القرية.

محمد الدوسري

تلاعب المخرج من حيث العاطفة، حيث جعل قائد هذه القرية يقنع “فترة” بأن يتزوجا، حيث كانت الموسيقى عنصراً أساسياً في هذا المشهد، وكأنه يقول: إن الموسيقى لها تأثير كبير على العاطفة، وقد تُغير الكثير من القرارات.

وقد صف المخرج مدى خبث هذه الشخصية بِدِقَّة، ففي أحد المشاهد بعد أن قرر “محضر خير” أن يكون محترماً، قام بالتلاعب بالخفاء، عن طريق إدراج مناقصة تجارية لتحسين أوضاع القرية، من حيث المرافق والأماكن العامة، وقام بإدراج شركة وهمية، وقام باختلاس أموال المناقصة، وكان يوهمهم بأنه ليس مقتنعاً بهذه الشركة، واقتراحاتها للقرية، وفعل ذلك ليكون في بر الأمان، لكي لا يتم اتهامه، فجميع المقترحات كان يرفضها، ويتم تسجيل هذا الرفض في المستندات.

لم يذكر في العرض بأنه يتحدث عن الكويت، ولكن المخرج قام بوضع قضايا فساد حدثت بالفعل في الكويت، حيث تلاعب على جانب الخيال، وأيضاً الزمان، ليبدو وكأن أحداث العرض تدور في إحدى الدول الأوروبية ما قبل الحرب العالمية الثانية، فصفات قائد هذه القرية، كأنها صفات رئيس الحزب النازي من حيث الدكتاتورية.

خالد المظفر وإيمان فيصل

في أحد المشاهد، كان قائد هذه القرية، ومساعده يتشاوران حول زيارة ممثل مكتب كشف المستور، حيث اقترح المساعد، بأن يتم عمل احتفال، لكي يتم استقبال ممثل المكتب، ولكن في البداية كان القائد رافضاً هذه الفكرة، وذلك بسبب وجهة نظره بأن مظاهر الاحتفال، والموسيقى تثير العاطفة، وهذا دليل آخر بأن هذا القائد يتمتع بحس دكتاتوري، وعلى الرغم من رفضه للفكرة إلا أنه وافق، لكي يغطي على الفساد الذي فعله في هذه القرية.

كانت مظاهر الاحتفالات تعتبر كنوع من المجاملة في كل دولة في العالم، حيث يتم عمل حفل استقبال لأي مسؤول، أو وفد من خارج البلاد، وكما وصفها المخرج بأن هذه الاحتفالات تحرك العاطفة، وقد يتم التغاضي عن بعض الأمور، أو يتم التغاضي عن الفساد بسببها.

خالد المظفر وابراهيم الشيخلي ومهدي دشتي ومحمد الدوسري وزينب بهمن

على الرغم من جمال العرض، إلا أنه لا يخلو من بعض الملاحظات، فقد تم عرضه بصيغة أكاديمية، مما يجعل المتلقي في بعض الأحيان، يصعب عليه تفسير عناصر العرض، لكن قد يكون هذا هو توجه صناع العمل، بأن يعوّد الجمهور على نوع جديد من المسرح الجماهيري.

ومن الملاحظات المهمة، ومن المتوقع أنها سقطت سهواً من صناع العمل هي عنوان العرض فإن كلمة (المحترمين) لغوياً خاطئة، ومن المفترض تعديلها إلى (المحترمون).

لمسة الوفاء من صناع العمل، حيث في نهاية العرض، تم الطلب من الجمهور الوقوف لمدة دقيقة وقراءة الفاتحة، حداداً على أحد زملائهم في العرض، وهو (حسين العوض) الذي توفاه الله تعالى قبل عرض المسرحية بمدة قصيرة.

في الختام قدَّم العرض الكثير من قضايا الفساد، التي حدثت في الكويت بطابع مسرحي، وتلاعب المخرج من حيث الخيال، والمدرسة الإخراجية، لكي تصل الرسالة بشكل مبسط للمتلقي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

★ ناقد فني ــ الكويــت

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى