خلود عماد: كيف تقاوم الرغبة في الِانتحار “جوه الصندوق”؟!

خلود عماد★
أصبح فقدان الرغبة في الحياة حالة، يعيشها أغلب الأشخاص من حولنا، بل وأصبح الإقدام على الِانتحار فعل يلجأ إليه بعض اليائسين، على أنه حل سريع للتخلص من بعض المشاكل، دون تفكير بالعواقب الدينية، والاجتماعية لهذا الفعل المرفوض.
في ساحة قصر الأمير طاز أعلن المخرج “إسلام إمام” أن أبطال عرضه المسرحي “جوه الصندوق” الذي هو نتاج ورشة عمل، مقبلين على الِانتحار.
العرض يبدأ بتجمع بعض الأشخاص، الذين لديهم ميول انتحاريه في مكان ما، فيبدأون التعرف على بعضهم، ومعرفة السبب الذي يجعل كل واحد منهم، يريد إنهاء حياته بنفسه، فهنا حارسة البناية التي أجبرها أهلها على الزواج من “سائق توكتوك” معتقدين أن هذا سيحسن من دخلهم المادي، وأنهم بهذا يعرفون مصلحة ابنتهم جيداً، لتبدأ معاناتها معه بسبب تركه عمله، والِاعتماد عليها في الإنفاق على المنزل وعلى ابنه، حتى تكتشف أن زوجها يقوم بتأجير ابنها لِامرأة فقيرة تتسول به، وتبدأ الأم في البحث عن ابنها، وعندما تعجز عن إيجاده، تقبل على الِانتحار.
وقصة الأب الذي يريد إرسال ابنه للعمل في الخارج، عن طريق الهجرة غير الشرعية، معتقداً أن هذا هو الطريق الوحيد، الذي سيجعل ابنه رجلاً لديه عمل يجني من خلاله المال، دون الالتفات لرغبة ابنه المتعلم، هذا الجهل جعل الوالد لا يستمع إلى ابنه، مما كلفه خسارته مدى الحياة، وكان السبب في رغبته بالِانتحار.
إضافة لحكاية بطل ألعاب القوى البورسعيدي، الذي حظي بالكثير من الدعم، وحب الناس، وإشادة الإعلاميين به إلى أن اعتزل، واعتزل معه احترام وحب الناس له، ودعم القيادات والإعلاميين، وأصبح يعمل في جمع الأشياء، القابلة لإعادة التدوير من القمامة.
والمرأة العجوز، التي تركها ابنها، وسافر للعمل بالخارج، وأصبحت تشعر بوحدة شديدة، والبلوجر التي ضاع حلمها في أن تصبح ممثلة مشهورة، بالرغم من وجود الموهبة لديها، والمرأة التي كانت تعاني من ضغوطات كثيرة في حياتها، وكانت تتعايش معها، إلى أن وجدت “شعرة بيضاء” في رأسها، وكانت هذه بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، وجعلتها تلجأ للِانتحار، وغيرها الكثير، من الحكايات التي قدمها “إسلام إمام” للجمهور في عرضه، قد يراها، البعض أنها أسباب تافهة، لا تستحق أن يفكر صاحبها في الإقبال على الِانتحار، وقد يتعاطف معها البعض الآخر، وفي كلتا الحالتين، لا يعرف أي شخص تفاصيل حياة شخص يائس في أصعب حالاته.
عدم وجود ديكور يساعد الممثلين على سرد حكاياتهم، كانت فكرة موفقة تماماً، فوقوف الممثلين أمام الجمهور في مكان مفتوح، يمثل فكرة المكان الذي جاءوا إليه لينتحروا، جعلت المتفرج متعايشاً مع حالة كل شخص، دون الشعور بالملل.
وكانت الإضاءة عاملاً مساعداً في خلق روح للعرض، تتماشى مع الحالة العامة، ومع الحالة الخاصة لكل شخصية، فتداخل الألوان الباردة مع الساخنة، أثناء عرض القصة الخاصة للشخصية، ساعدت على إظهار الحالة التي يشعر بها الممثل، سواء كانت جيدة أم لا، فمعظم الحكايات كانت تحمل لحظات سعيدة عاشها أبطالها، وكانت الإضاءة عاملاً مساعداً، في النقل بين حالات العرض.
وبالرغم من عرض المسرحية في ساحة مفتوحة، إلا أن الصوت كان واضحاً جداً، والموسيقى والمؤثرات الصوتية، وصلت بشكل جيد.
العرض نتاج ورشة، قام بها المخرج “إسلام إمام”، وظهر نتاجها على ممثلي العرض، الذي قُدم بروح ارتجالية، أدى فيه جميع الممثلين مجهود جيداً، ظهرت فيه موهبة للبعض بشكل متميز، خرج عن إطار الِارتجال، والحالة الخاصة بالعرض، فمنهم من قام بتقليد بعض الإعلاميين المعروفين، وكان التقليد في صالحهم، ومنهم من نطق باللغة العربية الفصحى، وإلقاء بعض جمل من مسرحيات كلاسيكية بحالات مختلفة، وبالرغم من اختلاف حجم الموهبة لدى كل ممثل، إلا أنهم جميعاً كانوا صادقين في تمثيلهم، وفي مشاعرهم الأدائية.
في نهاية العرض، قام الممثلون بسؤال الجمهور أسئلة لمعرفه وجهات نظره، حول فكرة الإنتحار أهمها: هل المُنتحر شخص ضعيف أم لديه أسبابه؟ وكانت إجابات الناس تؤيد الفكرتين، فالبعض قال إنه ضعيف، والبعض الآخر قال لديه أسبابه، ولكن مهما كانت الأسباب، فلا يجب أن تجعله يقوم بهذا الفعل.
وأمَّا فكره الانتحار بشكل عام؟ فقد بررها بعض الجمهور بأسباب، قد تجعل المرء لديه ميول انتحارية، يرسخها في دماغ هذا الشخص، عدم شعور من حوله به، وعدم فهمه وتقديم المساعدة له.
أمَّا الحكاية التي تعاطف الجمهور معها؟ فاختار البعض حكاية البطل البورسعيدي الذي فقد حلمه، وحكاية الرجل الذي مات ابنه، وكان هذا رأي امرأة فقدت ابنها أيضاً فلامست هذه القصة قلبها، ووجهت نصيحة عن الِابتعاد عن الِانتحار، وأن أصعب الأمور، هو الضعف الذي يجعل الِانتحار، أول فكرة تخطر على بال الشخص الضعيف، لإنهاء كل ما يشعر به.
وفي النهايه طالب بعض من الجمهور بتقديم الدعم المجتمعي للمرضى النفسيين، والأشخاص المصابين بحالات الِاكتئاب، والأشخاص الذين يمرون بمواقف صعبة، حتى لا يفكروا بالِانتحار، كما يجب على الأشخاص القريبين منهم، المساندة، والاحتضان لليائسين، لطرد تلك الفكرة، مع الأخذ بالاعتبار، أن المُنتحر لا يؤثر على نفسه، بل يؤثر على من حوله، وعلى الأشخاص الذين يحبونه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
★ كاتبــة ــ مصــر