إذاعة وتليفزيون

رانا أبو العلا: تحت الوصاية.. من الأحق بالوصاية؟!

رانا أبو العلا★

متى يعترف القانون بأحقية الأم بالوصاية على أبنائها؟ أليست هي الأجدر بمراعاة شؤونهم، والأكثر وعياً بأمورهم؟ وإذا كانت الإجابة نعم! فما الذي ينقصها، لتصبح وصية على أبنائها القُصَّر؟، هل من العدل أن تذهب الوصاية لعائلة الأب ولا تذهب للأم؟، وطالما نعلم جميعاً الإجابة، ونعلم أيضاً ضحايا هذا القانون الظالم، والمعاناة التي تتعرض لها الأم، لتحصل على حقوق أولادها، من عائلة الأب بعد وفاته، وإن كنت أرى أن الوصاية ليست الجزء الوحيد في قانون الأحوال الشخصية الظالم للمرأة تحديداً، فمثلاً يحق للأب ان يُسافر بأبنائه خارج البلاد، دون علم الأم، ولكن على الأم أن تُحضر موافقة كتابية من الأب، للسماح لها بالسفر مع أبنائها، وغيره من الثغرات القانونية، التي تحرم المرأة حقها في أبنائها، أليس هذا ظلم بَيِّن، وغير مبرر تجاه الأم، ألم يحن الوقت لتتغير تلك القوانين البائسة؟

تبادرت تلك الأسئلة، وأكثر بكثير إلى ذهن المتلقي، بعد عرض الحلقات الأولى من مسلسل “تحت الوصاية” للمخرج محمد شاكر خضير، تأليف شيرين دياب وخالد دياب، وبطولة الفنانة منى زكي، والذي عُرض في النصف الثاني من شهر رمضان.

 يناقش المسلسل قضية اجتماعية شديدة الخطورة، وهي قضية الوصاية على الأبناء القُصَّر، والتي تعطي حق الوصاية على الأبناء بعد وفاة والدهم، للجد من ناحية الأب بناءً على قانون الأحوال الشخصية، ففي الحلقة الأولى يكشف لنا آل دياب الصراع الذي تدور حوله أحداث المسلسل، وهي معاناة الأم، التي تقرر الهروب بصغارها إلى محافظة أخرى، والاستقلال عن أسرة الزوج، بأخذ مركب الصيد الذي تركها زوجها لأولادها، حتى تتخلص من سيطرة عائلة الزوج على حياة أبنائها، حيث يتألف الصراع من طرفين، الأول الأم والصغار، والثاني عائلة الأب المتوفى المتمثلة في الجد والجدة والعم، ومن ثم يبدأ آل دياب في كشف مبررات الأم في الهروب من خلال الرجوع بالفلاش باك، بعرض مشهد قبل بداية الحلقة يبين ما تعرضت له الأم، لتصل إلى هذا القرار، والذي يكشف للمتلقي، كيف عاشت الزوجة حنان أثناء حياة زوجها، والتحول الذي حدث لها عقب وفاته، وكيف عانت مع أسرة الزوج، حيث يكشف مشهد ما قبل بداية الحلقة، عن تدخل الجد والجدة في رسم مسار صغارها، حيث يمنع الجد الطفل من أخذ الدروس، والاشتراك في النادي، وحتى عدم دفع إيجار المنزل، لإجبارهم على العيش معه، ثم قص شعر الطفلة، وأخيراً غياب الطفل من المدرسة، وذهابه إلى الورشة، والتي تسببت في أن يقع حادث للطفل كاد أن يفقده عينه، وعلى الرغم من أن حق الوصاية، لا يعني حرمان الأطفال من أسلوب حياتهم المعتاد في ظل حياة الأب، ولكن هذا ما حدث وهو ما يحدث كثيراً، ويتكرر على أرض الواقع أيضاً، فلم يكن أمام حنان سوى أن تهرب بأولادها، إلى مكان جديد رغبة منها أن تحيا حياة طبيعية مع صغارها، ولكن الحياة أيضاً ليست عادلة، فقد واجهت حنان الكثير من التحديات والأزمات، حتى جاءت النهاية بحبسها، بسبب تبديد أموال أولادها القصر، وذلك بعد حرق المركب، رغم كل محاولاتها للنجاة، وعلى الرغم من أن نهاية الأحداث كانت صادمة، لكنها كانت الأوقع، كتجسيد منطقي لواقع أشد قسوة، وسيدات أكثر عناء، وأولاد يظلمون من قبل القانون، الذي من المفترض أن يحميهم

لعب آل دياب من البداية على رسم خطوط دراما واقعية، على مستوى الحدث، وتركيبة الشخصيات أيضاً، فنجد رسم الشخصيات أشبه بالشخصيات الواقعية، فلا شخصيات تحمل الخير المطلق، أو الشر المطلق، فهم بشر عاديون، يحملون قوى الخير والشر، وأفعالهم ليست بغرض الأذى، أو الشر، ولكن لكل فعل مبرر يدفع صاحبه، لارتكابه دون أن يفكر في الأذى للطرف الأخر، كشخصية إبراهيم زوج الأخت، والذي يقرر في لحظه الاتفاق مع العم، لإحضار حنان وتسليمها للشرطة، وبالتالي يحصل العم على المركب مرة أخرى، فكان هذا الفعل بالنسبة لـ “إبراهيم” زوج أخت (حنان) ليس بفعل شر، لكنه من منظور آخر حماية لزوجته التي تم حبسها، وكذلك شخصية العم صالح، فعلى الرغم من كونه المحرك للأحداث، كونه القوى المضادة للبطلة، لكنه ليس أيضاً بغرض الشر، فتركيبة شخصية العم صالح، أوضحت أنه قليل الحيلة، فهو لا يود أذى حنان، لكنه يرغب في أخذ المركب وحسب، فهو مصدر رزقه الوحيد الذي يجيده، وهذا ما ظهر في مشهد ورشة والده، حيث لم يتمكن من استكمال العمل عقب وفاة والده، وكذلك في مشهد المواجهة الأخير، بينه وبين حنان، والذي يعقبه حريق المركب، فيتصدى للرجل الذي يحاول الخوض في عرض زوجة أخيه، فهدفه ليس الكره، ولكن بغرض أخذ المركب وحسب، وهكذا جاءت جميع شخصيات المسلسل، تكشف عن قوى الخير والشر داخلها، والذي يتضح بمبرر، ودافع منطقي نابع من أبعاد الشخصية، وتركيبتها.

على الرغم من القضية، التي أثارها المسلسل، وأهميتها، والرغبة الملحة في أن يحقق المسلسل هدفه، وتتغير قوانين الوصاية، لتصبح أكثر عدلاً، إلا أننا في النهاية أمام عمل فني، هدفه الأسمى متعة المتلقي، خاصة مع رفضي التام لفكرة أن الفن رسالة فحسب، فالفن أيضاً متعة، حيث يجب أن يتمتع المتلقي، وهو يشاهد العمل، فقد نجح صناع المسلسل بقيادة المخرج محمد شاكر خضير في خلق دراما ماتعة للمتلقي، ورغم ما يحمله من قضية، إلا أنه ابتعد تماماً عن الخطب الرنانة، والرسائل الخطابية المباشرة، والفجة، فالمتلقي ليس بحاجة إلى أن يسمع الخطب، والرسائل المباشرة، بل أن يدركها من المضمون، وهو ما فعله صناع “تحت الوصاية” على مستوى الكتابة، وكذلك اختيار أن يكون عدد حلقات المسلسل خمس عشرة حلقة، جعل الفكرة مكثفة ثرية بالأحداث، حتى وإن دارت حول حدث رئيسي، بينما الخطوط الفرعية، ليست بقدر قوة الخط الرئيسي من الحدث.

أما على مستوى الصورة، والتي أخذنا بها خضير إلى محافظة دمياط، لنرى خلال الأحداث عالم البحارة، والصيد، وخبايا تلك المهنة ومعوقاتها، وهو عالم جديد على الدراما، غالبا لم تدخله من قبل، وهو عالم زاخر بالتفاصيل، وقد جَسَّده خضير بواقعية، وبكادرات فنية متقنة، وكأنها لوحات فنية مرسومة بدقة وبحرفية، خاصة مشاهد المراكب، ولحظات الصيد، وتجسيد تفاصيل الصيد من لحظه رمي الشبك إلى توريد الأسماك، وغيرها، بالإضافة إلى الموسيقى التصويرية، التي أضافت لمسه فنية متميزة على كل حدث، وجاءت الأزياء، والمكياج، لتكتمل الصورة، وهنا لا يمكن أن نغفل الحرب، التي أشعلها الجمهور على صناع المسلسل، والرفض لشخصية منى زكي، واتهامها بأنها تُسيء للحجاب، وغيره من الاتهامات الباطلة، فالحكم على العمل من مجرد (الأفيش والتريلر) لم يكن سوى اتهام لا أساس له من الصحة، فالملابس، والأزياء، كانت من أكثر العناصر تميزاً في المسلسل، فنحن أمام شخصيات متوسطة الحال، واختيار أماكن التصوير تشبه طبيعة الحدث، وكذلك الأزياء، التي تشبه تركيبة، وطبيعة كل شخصية، بعيداً عن (الهوليود سمايل) الفجة، والأظافر المصطنعة، التي لا تشبه طبيعة الشخصية، والتي رأيناها في الكثير من الدراما الرمضانية لهذا العام، حيث اهتم صناع “تحت الوصاية” بأن تظهر شخصياته بصورة واقعية، تشبه تماماً شخصيات الشارع المصري العادية، بملابسها، وطريقتها، فبعد عرض الحلقات الأولى من مسلسل “تحت الوصاية” أدرك الجمهور أن هذا من طبيعة الشخصية، ومعاناتها، وحسب.

أما على مستوى الأداء التمثيلي، فقد قدمت منى زكي دور الأم بإتقان، ووعي بطبيعة الشخصية، وأبعادها، وتفاصيلها، وكذلك دياب الذي تمكن من أن يجسد شخصية العم، ويكشف عن أبعادها المختلفة، كما ذكرنا سابقاً، فهو ليس بشخص شرير، وإنما تكشف علاقته بالشخصيات الأخرى عن أبعاده النفسية، وهو ما اتضح من خلال حركاته الجسدية، وانفعالات وجهه، وغيرها، فقد أصبح دياب من الممثلين المحترفين، الذين تأكدت موهبتهم في الآونة الأخيرة، حيث ظهر في “تحت الوصاية” بتطور كبير عن شخصياته، التي جسدها سابقاً، وأيضاً الصيادون الثلاثة خالد كمال، وعلي صبحي، وأحمد عبد الحميد، الذين جسدوا أدوار البحارة، وكأنهم يعملون في مهنة الصيد، ويحترفونها منذ سنوات، وأخيراً لا يمكننا أن نتحدث عن الأداء التمثيلي، دون أن نذكر نجم المسرح القومي رشدي الشامي، الذي جَسَّد دور عم ربيع، بصدق تام، وتماهى مع طبيعة الشخصية، وتركيبتها، وأيضاً الطفل عمر شريف، الصغير سناً، والكبير موهبة، فقد كسب الجمهور وكسبت الدراما أيضاً طفلاً موهوباً، جَسَّد دور الطفل ياسين باحتراف شديد، وكأنه ممثل كبير، لديه خبرة فنية متعددة رغم صغر سنه، ولكن أداءه بدا مبشراً بميلاد موهبة كبيرة، تستحق الكثير من الفرص في المستقبل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

★ سكرتيــر التحريــر

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى