إذاعة وتليفزيون

عباس الحايك: هل التريند يعني نجاح المسلسل؟

عباس أحمد الحايك★

أتابع مسلسلات رمضان، والجدل الذي يصاحبها خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بين نقيضين، بين من يدافع، وبين من يهاجم في أقصى حالات التطرف، مع أو ضد، وبين أيضاً التقلب في الآراء، فما يعجب الجمهور اليوم، قد يتعرض لأقسى حملات الانتقاص غداً، وهذا ما حدث مع مسلسل (الكبير أوي6) من حملة إعجاب، وإعلاء في أداء الممثلة (رحمة أحمد) التي أدت دور (مربوحة)، واعتبرها رواد التواصل الاجتماعي، اكتشافاً كبيراً لنجمة كوميدية قادمة، الممثلة ذاتها تعرضت لحملة تنمر، ونقد لاذع من ذات الشريحة من المشاهدين، حين عرض (الكبير أوي7) هذا العام، فرحمة  أو مربوحة، لم تتغير، ولم تتبدل، هي ذاتها الشخصية، وهو ذاته الأداء، ما الذي قلب مزاج الجمهور تجاه شخصيتها؟

 لا يمكن لأحد تفسير الأمر، لكنه بعيد كل البعد عن أي وجهة نظر نقدية، هذا ما جعلني أتساءل، كيف يقاس نجاح المسلسل التلفزيوني؟

في الماضي كنا نتابع ما يكتبه النقاد عن المسلسلات في الصحف أو الدوريات، فكان النقاد هم من يقاس برأيهم نجاح المسلسل فنياً، لذلك كان للناقد قيمته ومكانته، ولا يقاس بمدى انتشار المسلسل، ونسب المشاهدة، التي يصعب قياسها في الماضي، ولكن في الوقت الحاضر صارت المسلسلات تقاس بمدى الشهرة، وبالترند على وسائل التواصل الاجتماعي، ويقاس أيضاً بالتوب10الذي تعتمده المنصات، ولكن هل يعني النجاح الجماهيري، ووصول المسلسل للترند، ولقائمة العشرة أن هذا المسلسل ناجح؟

مشهد من مسلسل الكبير اوي الجزء السابع

في زمن التواصل الاجتماعي، ينحسر دور الناقد، ويعلو دور الرأي الانطباعي، الذي يتسيد منصات التواصل، وهو ما يجعل مسلسلات لا تملك قيمة فنية تصل للترند، وما يجعل أيضاً ممثلين محدودي الموهبة يصبحون نجوماً، لأن النقد الفني، والقراءة المتعمقة الواعية لا صوت لها وسط كل هذا الضجيج.

 أضف إلى ذلك أن أي صوت نقدي يغاير السائد، سيواجه قمعاً غير محدود من مريدي مسلسل ما، أو نجم ما، فلو أبدى ناقد رأيه الفني في مسلسل من مسلسلات التوب 10، بعيداً عن رأي جمهوره، سيكون في مرمى مدافع هؤلاء المريدين على وسائل التواصل، وهذا ما حدث لعدد من الأصوات النقدية، التي تنشر أراءها على تويتر، أو الفيسبوك، أو الانستغرام، حيث قُمِعَتْ، وتصدى لهم جمهور المسلسل بشكل عنيف جداً، فلا فسحة إلا للتصفيق والتطبيل لهذا المسلسل، أو ذلك بعيداً عن قيمته الفنية.

أظن أن غياب المنصات النقدية مثل الصحف والمجلات، هو ما غَيَّبَ الأصوات النقدية الجادة، وحسرها في حسابات تواصل، قد لا تمتلك قاعدة من المتابعين والمعجبين، فالزمن صار زمن الـFollowers ، ومن لا يملك العدد المطلوب، لا يمكنه إيصال صوته الجاد.

 يلاحظ أيضاً في هذا السياق، أن التلفزيونات الرسمية – للأسف -، والخاصة، والمنصات صارت تعتمد في قياسها على نجاح المسلسلات على نسب المشاهدات، وهو الأمر ذاته المتبع في تطبيقات التواصل الاجتماعي، فعدد المشاهدات، والترند، والتوب 10 يؤشر بالنسبة للمنصات هذه على نجاح المسلسل درامياً، سأذكر مثلاً المسلسل الكويتي (أمينة حاف) الذي شوهد بنسب عالية في جزئه الأول، لا لقيمته الفنية، بل لذكاء القائمين عليه في تسويقه على وسائل التواصل، فاعتبرت منصة (شاهد) عدد المشاهدات مؤشراً على نجاحه، فعرضت لاحقاً (أمينة حاف2) الذي أخفق من كل النواحي، حتى في عدد المشاهدات، ولم ينجح تسويقه في رفع عدد المشاهدات.

مسلسل أمينة حاف

هذه المعايير التي تعتمدها التلفزيونات في قياس نجاح المسلسلات، هي أحد أسباب انحدار مستوى الدراما الخليجية، وحتى العربية، فالمسلسلات خاصة الرمضانية، تكون مسلسلات سريعة الطهي بلا طعم ولا نكهة، تعد وتنفذ بسرعة للحاق بالموسم الرمضاني، ولا تترك أثراً في المشاهدين، حتى لو شوهدت بنسب عالية، فكم من مسلسلات عرضت وانتهت، وكأن شيئاً لم يكن، تماما كالوجبة السريعة، التي غالباً ما تسبب عسر هضم، وهذه المسلسلات تسبب عسر ذائقة.

إذا لم تعتمد المنصات، والتلفزيونات على رأي نقاد متمكنين ــ يقرأون بعمق هذا الكم من المسلسلات، ويحللونها، ولا يجاملون ــ، وتظل في اتكالها على معايير السوشيال ميديا، فإن الدراما التلفزيونية، ستواصل انحدارها وضياع بوصلتها، فالسوشيال ميديا ليست إلا أحد المقاييس، وليس كل المقاييس.

ـــــــــــــــــــــــــــ

★ كاتب مسرحي ــ السعوديــة

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى