مشاركات شبابية

محمد القلاف: اِقتباس وإعداد، أم استيلاء!

محمد علي القلاف★

الإعداد هو عملية تعديل تجري على العمل الأدبي، أو الفني من أجل التوصل إلى شكل فني مغاير، يتطابق مع سياق جديد، أما الِاقتباس فهو أخذ الخطوط الرئيسية للحكاية، أو الفكرة، وخلق مواقف جديدة مختلفة تماماً.

موضوع الإعداد والِاقتباس في السابق، وإلى يومنا هذا، حاضر وعليه جدل واسع في الأوساط الفنية والثقافية، فمنهم من يقول إنه جائز الِاقتباس أو، الإعداد دون ذكر المصدر، والطرف الآخر ينادي بذكره من باب الأمانة العلمية والأخلاقية.

إذا رجعنا إلى أيام بزوغ المسرح كان الإغريق يقتبسون نصوصهم من تراثهم، وأساطيرهم، أو يُعِدُّ كُتَّابُ المسرح النصوص مرة أخرى فيما بينهم، مثل مسرحية ألكترا، وأنتيجون لسوفوكليس، ثم قام يوربيديس ايضاً بإعادة كتابتهما، ثم بعد ذلك في عصر الرومان قام الرواقي سينيكا باقتباس وإعداد النصوص الإغريقية مرة أخرى، مثل مسرحيات أوديب وميديا وهرقل، وهذه الحالة استمرت إلى القرون المتأخرة من القرن السادس عشر، وما بعدها، من كُتاب أمثال شكسبير، وبن جونسون اللذين كانت مسرحياتهما إعداداً عن الأحداث التاريخية، حتى الكُتاب والمؤرخون يشيرون إلى أن مسرحية السيد لبيير كورني، ومسرحية دون جوان لموليير، هي إعداد عن الأساطير الإسبانية، ونجد أيضاً سارتر في مسرحية الذباب التي تعتبر إعداداً لمسرحية ألكترا لسوفوكليس، وهناك نماذج عديدة سواء كانت مقتبسة أو معدة.

وعند المسرح العربي نجد في بداياته، كانت تترجم وتمثل أو إعداد لها أو اقتباس، كان مارون النقاش أول من عمل على مسرحية البخيل لموليير، و قام بإعدادها ، ثم يقال إنه أول من ألف نصاً مسرحياً بعنوان “أبو الحسن المغفل”، بل حتى سليم النقاش، كان لديه اقتباس لمسرحية هوراس لكورني التي أسماها (مي) وقام بكتابتها، والتغيير فيها بحد قوله إنه خالف أصلها، لكي تناسب الذوق العام العربي، وبقية العرب إما يقتبسون، أو يُعِدُّون نصوصهم عن الغرب، وكذلك من أدبياتهم كألف ليلة وليلة، أو من الأحداث التاريخية، وفي مقال عواد علي يشير إلى ذلك بقوله: “أعدت لطيفة الدليمي مسرحية «الليالي السومرية» عن ملحمة «جلجامش» وأخرجها سامي عبدالحميد عام (1994) م للفرقة القومية العراقية، وفي الكويت قال الممثل سعد الفرج في أحد لقاءاته إن مسرحيتي ممثل الشعب، وحرم سعادة الوزير كاتبهما الكاتب الصربي برانيسلاف نوشيتس، ومن قام بإعدادهما، هما سعد الفرج، وعبد الأمير التركي رحمه الله.

البعض يذكر الأصل الذي اقتبس عنه، والبعض الآخر لا يشير إلى ذلك، وحين يتم الإشارة إلى المصدر الحقيقي الذي تم الِاقتباس منه يكون ذلك احتراماً لحقوق الملكية الفكرية والنشر، فالمفهوم الحديث للملكية الفكرية تطور في إنجلترا في القرنين السابع عشر، والثامن عشر، فقانون الاحتكارات (1624)م، والنظام الأساسي البريطاني في قانون آن (1710)م هما أصل قانون براءات الاختراع، وحقوق التأليف والنشر على التوالي، ما يرسخ مفهوم الملكية الفكرية بحزم، فقد قدّم قانون حقوق التأليف والنشر لعام (1814) م المزيد من الحقوق للمؤلفين، لكنه لم يحمِ المؤلفين الإنجليز من عملية إعادة الطباعة في الولايات المتحدة الأمريكية، وبدأ استخدام مصطلح «الملكية الفكرية» في القرن التاسع عشر، على الرغم من أن الملكية الفكرية لم تصبح شائعة في غالبية النظم القانونية في العالم حتى نهاية القرن العشرين؛ حيث أصبح كل من يقتبس أو يُعِدُّ أو يأخذ دون ذكر المصدر يعتبر سارقاً، وهذا الأمر طبق في مؤسسات التعليم والصناعة والثقافة كالمسرح، والفن، والأدب، والموسيقى، وغيرها من المؤسسات المتنوعة، بل الغالب يتعمد عدم ذكر الأصل، وينسبه لنفسه، ومنهم من يهمل هذا الشيء، كما أوردت الدكتورتان السوريتان ماري الياس، وحنان قصاب حسن في معجمهما المسرحي عن (أبو خليل القباني) في مسرحيته (باب الغرام، أو الملك ميتريدات) على أنها من تأليفه، ومن الواضح أنها مقتبسة عن الكاتب الفرنسي جان راسين.

أيها المؤلف، والكاتب المسرحي، أو الأدبي، أو الكاتب في أي حقل آخر كن واعياً، وأميناً في اقتباسك، أو اعدادك، واذكر المصدر الذي أخذت منه، فليس عيباً، إنما تعتبر مسألة أخلاقية، وأمانة علمية.

ـــــــــــــــــــــــــ

★ ناقد ــ الكويــت

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى