علاء عباس: ظاهرة «الزعيق» في مسلسلات رمضان.. كيف وصلنا هنا؟


علاء عباس★
يُحب المخرجون عادةً اللحظة التي ينفجر فيها بطل الفيلم لأنها غالبًا ما تكون نقطة تحول في الأحداث في بعض الحالات أو تكون في حالات أخرى خِتام مُعبر عن الرسالة التي يريد أن يُوصلها صانع العمل، وتخرج لحظات الانفجار تلك في أشكال عدة منها الغضب والصراخ أو البكاء الشديد أو حتى الضحك الهستيري.
ابتزاز عاطفي!
يُمكن للحظات الانفجار تلك أن تجعل من عمل أسطوري يجتاز اختبار الزمن ويُمكن أيضًا أن تجعل منه عملًا رخيصًا ينساه المُشاهد بمجرد ظهور تتر النهاية، وهنا يكمن الفارق بين كاتب سيناريو مُتمكن من أدواته وبين آخر يبحث عن ابتزاز عاطفي لحظي لمشاعر الجمهور غير مبني على أساس قوي، من ثم يأتي دور المُمثل الذي لابد له من أن يملك الحد الأدنى من الموهبة الذي يسمح له بالتألق في تلك المشاهد، فالأمر لا يقتصر أبدًا على نحر الحناجر بأعلى صوت مُمكن مع بروز عروق الجبهة واتساع حدقات الأعين لآخرها، فأسلوب التمثيل ذاك إن جاز أن نُطلق عليه تمثيلًا من الأساس ما هو إلا محاولات مُثيرة للشفقة لجذب انتباه المُشاهد وتشتيته.

لحظة انفجار البطل!
يأتي على قمة الأمثلة التي من المُمكن طرحها للحظة انفجار مُميزة أداء المُمثل العالمي آل باتشينو في نهاية فيلم العرّاب الجزء الثالث حيث ينهار باكيًا عقب حدث مُعين في مشهد خالد بتاريخ السينما الأمريكية والعالمية ليس لأنه ملئ بالعاطفة والمشاعر ولكن لأن القصة حول المشهد تم بناء عالم كامل حولها على مدار ثلاثة أفلام شهدت تطور للعديد من الشخصيات عاشت تقلبات أحداث بين صعود وهبوط في حبكة مُتماسكة من البداية للنهاية، ولذلك حينما نصل للحظة انفجار البطل المُنتظرة تكون مُرضية ومُثيرة لمشاعر حقيقية وليست لحظية، لأن صانع الفيلم هنا استطاع أن يخلق رابط حقيقي مع المُشاهد من خلال جعله يتعلق بعالمه وشخصياته وبالتالي فهم دوافعها ولحظات انكسارها، وهنا تُثار المشاعر بدلًا من ابتزازها وتسولها.

لجم المتفرج!
عندما نُلقي نظرة سريعة على مسلسلات السباق الرمضاني لهذا العام سنجد أبرز ما يُميزها الصوت العالي فقط طوال الوقت ولا شئ آخر، الأمر وصل لمرحلة أنه من المُمكن أن تفتح أي مشهد عشوائي من أي حلقة وستجد شخصية واحدة على الأقل إما أنها تصرخ على الأخرى في غضب شديد غير مُبرر أو تبكي بحُرقة غير مُبررة أيضًا ولن يكون مُفاجئًا على الإطلاق إذا تصادف أن المثالين يحدثان في آنٍ واحد، وإذا وجدت في نفسك قدرة التحمل اللازمة لتشاهد هذا العبث لأكثر من دقيقة فستجد البطل قد اقتحم المشهد بدون مُقدمات وبدأ في إلقاء كلام عشوائي بوزن وقافية خالٍ من أي معنى أو منطق لكنه وبطريقةٍ ما يُلجِم كل من حوله، لينتهي المشهد وقد أُلجِمت أنت أيضًا كمُتفرج من فرط العبث الذي شهدته في بضع دقائق سائلًا نفسك العديد من الأسئلة الوجودية.

دون أي فائدة!
لا نستطيع ألا ربط هذه الظاهرة بآفة العصر المُتمثلة في المحتوى القصير المُتمثل في تيك توك وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، والتي جعلت أغلب الناس الآن يتجهون للخُلاصة في كل شئ، فالكل يريد المعلومة في سطرين لا أكثر، لا وقت لقراءة كتاب أو حتى مقال طويل بعض الشئ، الأمر لا يقتصر على المحتوى العلمي أو التثقيفي فقط، بل أن المحتوي الترفيهي أيضًا أصبح هكذا حاله، فيديو أقل من دقيقة واحدة يشدك للذي يليه ثم الذي يليه، ليجد المُستهلك نفسه قد قضى ساعات مُتواصلة ينتقل من فيديو قصير لآخر دون أي فائدة حقيقية في النهاية، مجرد جُرعات دوبامين سريعة أدمنتها الأدمغة أصبح لا غنى عنها.

حلب المشاعر!
وكتطور منطقي أو بالأحرى يُمكننا القول كتدهور منطقي لانتشار المحتوى القصير لجأت أغلب مسلسلات رمضان هذا العام لتلك الخلطة السحرية، ففي السابق كانت لحظات الانفجار في الأعمال الدرامية هي التي تحصل على أعلى المشاهدات وبالتالي أعلى العوائد للمُنتجين، أما الآن أصبح المسلسل كله عبارة عن لحظة انفجار تليها الأخرى مُزينة بابتزاز عاطفي وحلب للمشاعر متواصليّن وسط كلام مُبهرج بلا مضمون أو معنى، وبذلك يصبح كل مشهد في المسلسل هو الأعلى مشاهدة والأعلى أجرًا.

ظاهرة أخشى أنها ستكتب شهادة وفاة الدراما المصرية العريقة التي دائمًا ما تفردت في سماء الدراما العربية وكانت مثال يُحتذى به، وكأن التقهقر والتراجع في كثير من المجالات أصبح مصيرنا المحتوم الذي يُلاحقنا في السنوات الأخيرة.
★ناقد ـ مصر.