حسام الدين مسعد:” نسرين” ..صرخة التحرير أم مناجاة الوجع الإنساني ؟!

حسام الدين مسعد ★
“حبو بعضكم بعضاً وأنتم ما زلتم على قيد الحياة، فالذي يرحل لن يعود”
بهذه الكلمات العميقة والمحمّلة بالأسى، تختتم المؤدية الكردية السورية كلستيان طاهر العرض المسرحي المونودرامي “نسرين” تاركة جمهور مدينة سقز الإيرانية بدورته التاسعة عشر في حالة من التأمل العميق والوجع الشديد، فالعرض كسر الحدود المألوفة بين الخشبة والجمهور، ليجعل من الحضور جزءاً لا يتجزأ من الرحلة الفنية والوجدانية لبطلته نسرين،إذ يتقاطع بوضوح مع الراهن السوري الاستشرافي الذي جسده الكاتب الكردي السوري القامشلاوي أحمد إسماعيل في نصه بلغة عربية فصيحة ،وسبق لي وأن سطرت قراءة بسيطة للنص الأدبي، وسمتها بـ(محاكمة البراءة )،لكن في النص المعد باللغة الكردية لعادل إسماعيل، المخرج الكردي السوري الذي هرب من مدينة قامشلو التي كان يعيش بها قبل عام ٢٠٠٠ خوفاً من بطش النظام السوري ليستقر في ألمانيا ليمارس المسرح في حرية هو وزوجته كلستيان طاهر التي حصلت علي جائزة تقديرية لأفضل ممثلة بالدورة التاسعة عشر من مهرجان سقز المسرحي، فيعمد عادل إسماعيل إلى مناقشة الوجود الكردي السوري الراهن مندداً بعبثية الحروب والصراعات القمعية، ومعبراً عن معاناة الفئات الضعيفة (الأطفال، النساء) في مواجهة هذه الكوارث،معتمداً على المناجاة والاسترجاع بالأداء التمثيلي والغناء دون موسيقى،بأسلوب يركز على القوة التعبيرية للفعل المسرحي والكلمات، مما يُبرز الجانب النفسي والمعنوي للصراع الذي يعبر عن معاناة طفلة سورية تحولت إلى لاجئة،تشوه وجهها بفعل النظام القمعي ففقدت ملامح براءة الأطفال وصارت عجوز في إنعكاس مشابه للفقد والقهر،وهو ما يرتبط بواقع معاصر للحالة السورية والكردية الراهنة التي يناقشها العرض.
نجح المخرج في استخدام العلبة الإيطالية بطريقة مبتكرة، حيث تم تحويل المساحات التقليدية إلى مناطق رمزية تعبر عن الحواجز النفسية والاجتماعية،إذ أن انطلاق الأداء التمثيلي في العرض الذي يبدأ من وسط صالة العرض،وبين صفوف المتلقين،يشير الي تجسيد العلاقة المباشرة بين الشخصية والجمهور، مما يعمق الإحساس بالمواجهة الشخصية مع القهر،والوجع الإنساني،فالبداية الإستثنائية من قلب الجمهور إلى قلب المسرح كانت وكأنها تستدعي الحضور من واقعهم إلى عالم العرض،هذه البداية، التي بدت كأنها دعوة للحوار أكثر من كونها تمثيلاً، أكدت على أن المسرح ليس مكاناً منفصلاً عن الحياة، بل هو امتداد لها. دخولها وسط الجمهور جعل الجميع يشعر بأن العرض لا يدور فقط على الخشبة، بل في كل مكان، وكأن القصة تحدث داخلهم أيضًا،بل أنه عندما ارتقت المؤدية إلى خشبة المسرح، بدا وكأنها تصعد من عالم الفوضى إلى فضاء التجلي،والتحولات الأدائية والجسدية، فكان المسرح أشبه بمنصة للتحول الداخلي، حيث تنكشف الحقائق والآلام، وحيث يتجلى الحب كخلاص أخير.
لكن هل نجح المخرج كمصمم للسينوغرافيا في هذا العرض ؟
ستائر بيضاء شفافة تشكل حرف M في مؤخرة المسرح.
دلالة الشفافية: الشفافية في السينوغرافيا تعبر عن الهشاشة والتجرد، وكأنها تكشف الغطاء عن الحقيقة العارية أو العواطف المكنونة.
حرف M: قد يكون الحرف رمزياً، يشير إلى مفردات أو مفاهيم مثل Memory (الذاكرة) أو Mother (الأم)، مما يربط العرض بفكرة الحنين، الأمومة، أو الذكريات الجماعية للمجتمع المتألم.
موقعها في المؤخرة: وضع الستائر في العمق قد يرمز إلى الماضي أو الخلفية النفسية والاجتماعية التي تظل حاضرة في خلفية الحدث الدرامي.
التخت بلا ظهر بلون الكفن في وسط المسرح
التخت: هو عنصر يرمز إلى الراحة المؤقتة، لكنه في هذا السياق بلا ظهر، مما يعبر عن انعدام الأمان أو الارتكاز، وكأنه يشير إلى حالة الاضطراب التي يعاني منها الأفراد.
لون الكفن: الأبيض هنا يكتسب دلالة جنائزية، وكأنه يوحي بالموت أو الاستسلام، وربما بالفقد الذي يتكرر في العرض، مما يضع الجمهور أمام مواجهة مباشرة مع فكرة الفناء.
موقع التخت: وجوده في مركز المسرح يضعه في بؤرة الانتباه، مما يجعله رمزاً محورياً يُراد منه أن يكون نقطة تركيز عاطفي وفكري.
الستارة البيضاء الشفافة في يمين مقدمة المسرح
الشفافية: مثل الستائر في الخلفية، توحي بالكشف والوضوح، لكنها في مقدمة المسرح تشير إلى محاولة الفصل بين المتلقي والمشهد، وكأنها حاجز رمزي بين الحاضر والواقع المعيش.
الموقع: وضعها في المقدمة يُبرز دورها كعنصر تفاعلي، قد يعكس الخط الفاصل بين الأداء والجمهور، مما يدعوهم للتفكير في علاقتهم بما يحدث على الخشبة.
الإضاءة البؤرية الدائرية واللون الأصفر
البؤر الدائرية: الإضاءة المركزة تخلق إحساساً بالعزلة والانفراد، وكأنها تُبرز الشخصيات أو العناصر كأجزاء مستقلة في فضاء مظلم يعكس التفكك أو الوحدة.
اللون الأصفر: يحمل دلالات مزدوجة؛ فهو قد يشير إلى الدفء والأمل، ولكنه أيضاً قد يرمز إلى التوتر، التحذير، أو المرض، خاصةً في سياق يشير إلى الفقد والموت.
تفاعل العناصر مع بعضها
التكامل بين الستائر والتخت والإضاءة
الشفافية واللون الأبيض يشكلان فضاءً بصرياً مشحوناً بالتوتر العاطفي، والإضاءة الصفراء تضيف بُعداً درامياً، مما يعكس صراعاً بين الأمل والخوف.
حرف M والتخت: العلاقة بين الخلفية والتخت قد تشير إلى أن الماضي (الرمز الخلفي) يلقي بثقله على الحاضر (التخت)، مما يعمق الدلالات النفسية في العرض.
استخدام اللون الأزرق في مشهد أو أكثر في العرض يحمل دلالات رمزية متعددة، تختلف بحسب السياق العام للعرض والمشاهد المرتبطة به. في العرض الذي يعتمد على الشفافية والرمزية العاطفية كما وصفت سابقاً، قد يشير اللون الأزرق إلى ما يلي:
1. الهدوء والسكينة
الأزرق غالباً ما يرتبط بالهدوء والسلام النفسي. استخدامه قد يرمز إلى لحظة استراحة وسط التوتر العاطفي والدرامي الذي يملأ العرض، مما يمنح المتلقي شعوراً بالتوازن المؤقت.
إذا كان الأزرق يُستخدم في لحظات الغناء أو التأمل، فإنه يعزز هذه الحالة من الصفاء الروحي.
2. الحزن والشجن
الأزرق يرتبط بالحزن في العديد من الثقافات، وهو لون يرتبط بالمشاعر العميقة والفقد. إذا كان المشهد يعالج موضوعاً مأساوياً أو لحظة وداع، فإن اللون الأزرق يعكس الألم الداخلي والذكريات الأليمة.
3. الارتباط بالطبيعة والحرية
يمكن أن يشير الأزرق إلى السماء والبحر، مما يرمز إلى الأفق المفتوح أو البحث عن الحرية. في سياق العرض، قد يكون اللون دلالة على الأمل في التحرر من القيود الاجتماعية أو السياسية.
4. البُعد الروحي
الأزرق يحمل دلالات صوفية وروحية، حيث يرمز إلى الارتقاء والتواصل مع ما هو أسمى. إذا استخدم في مشهد يركز على الغناء أو الإنشاد، فقد يشير إلى البحث عن السلام الداخلي أو الاتصال بما وراء الحياة اليومية.
5. التباين الدرامي
في سياق عرض يعتمد على ألوان مثل الأبيض والأصفر، يمكن للأزرق أن يخلق تبايناً بصرياً واضحاً، مما يلفت الانتباه إلى تغير في الحالة النفسية أو الدرامية.
تأثير الإضاءة والشفافية
إذا كان اللون الأزرق يُعرض على الستائر الشفافة أو يتداخل مع الأضواء الأخرى، فإنه يخلق شعوراً بالغموض أو التداخل بين المشاعر المختلفة، مما يثري التجربة البصرية والعاطفية للعرض.
الخلاصة
اللون الأزرق في العرض يشير إلى الحزن والشجن أو ربما إلى أفق من الحرية والروحانية، بحسب السياق. وجوده يعكس لحظة تأمل أو انتقال درامي يترك أثراً عاطفياً عميقاً على المتلقي، ويضيف عمقاً رمزيّاً لتطور الأحداث.
وكانت الإضاءة تلعب دوراً جوهرياً في توجيه التركيز؛ من الظلال الكثيفة التي عبرت عن الحيرة والانكسار، إلى الإضاءة الساطعة التي أشارت إلى لحظات الإدراك والصفاء ،كذلك جاء تصميم الصوت ليعزز الحالة النفسية،حيث ارتبطت الإيقاعات الموسيقية بالتغيرات الدرامية، ما جعل المشاهد أكثر تأثيراً.
محاكمة البراءة كموضوع محوري
كما أن نص “نسرين” يحاكم البراءة عبر شخصية الطفلة التي تشوه وجهها بفعل النظام القمعي، فإن العرض الذي وصفته يبدو أنه يعكس صراعاً مشابهاً مع الفقد، القهر، واستدعاء البراءة المسلوبة.
العلاقة مع الأنظمة القمعية
القراءة توضح أن شخصية “الرفيق البعثي” تمثل الدولة القمعية التي تُنتهك فيها البراءة، ويتقاطع هذا مع العرض الذي يمكن أن يُقرأ كصرخة ضد الهيمنة السياسية والاجتماعية، حيث تنعكس هذه القضايا في السينوغرافيا والإكسسوار البسيط (مثل التخت الأبيض الذي يرمز للكفن).
الإضاءة الصفراء في العرض، التي تمثل التركيز على المأساة الفردية والجماعية، تتناغم مع جو النص الذي يفضح عبثية الأنظمة السياسية والدمار الذي تتركه على المستوى الفردي والمجتمعي.
التجريد الديكوري
التجريد الديكوري في نص “نسرين”، الذي يعكس العزلة والفقد، يظهر بوضوح في ديكور العرض المسرحي الموصوف: الستائر الشفافة البيضاء التي تتخذ أشكالًا شبيهة بحرف M ترمز ربما إلى الفقد والانهيار، بينما يرمز اللون الأبيض إلى البراءة أو الموت.
في النص، هذه البراءة المجروحة تظهر من خلال الانتهاك والتشوه، وفي العرض يُعبر عنها عبر الرموز البصرية والمواقف التمثيلية.
ـ البعد الإنساني العالمي
ـ الأسلوب التعبيري
الخلاصة
العرض المسرحي يتقاطع مع قراءة النص “نسرين” في تناول فكرة البراءة المسلوبة، الاستبداد، وتشوه الطفولة بفعل الأنظمة القمعية، كما أن العناصر السينوغرافية والأسلوب التعبيري في كلا العملين تسلط الضوء على القهر الإنساني بأسلوب رمزي وتجريدي، مما يجعل العرض استكمالاً بصريًا ودراميًا لصرخة النص الأدبي.
الإخراج: رؤية تتجاوز المألوف
الأداء: لغة الجسد والغناء كوسيلة للتعبير
قدمت الممثلة أداءً مميزاً جمع بين الحركة الجسدية والمقاطع الغنائية التي تخللت العرض. كانت الكلمات المغناة ليست مجرد نصوص بل رسائل وجدانية، وصلت إلى الجمهور بصدق. كان الغناء في النهاية، مصحوباً بجملة الختام: “حبو بعضكم بعضاً وأنتم ما زلتم على قيد الحياة، فالذي يرحل لن يعود”، بمثابة ذروة درامية وموسيقية، حيث امتزجت الكلمات بالدموع والوجوه المتأملة في صمت.
الرسالة: الحب كجوهر للإنسانية
في عمق هذا العرض يكمن دعوة صادقة إلى التمسك بالحب كقيمة عليا، قبل أن تسلبنا الحياة فرصة التعبير عنه، الرسالة البسيطة ولكن القوية كانت قادرة على اختراق جدران الصمت، وتوجيه الحضور إلى التفكير في علاقتهم بمن حولهم. كان العرض بمثابة مرآة عكست المشاعر التي نخفيها، والندم الذي قد يأتي متأخراً.
النهاية: صمت أبلغ من الكلمات
مع انتهاء العرض على تلك الجملة الأخيرة، ساد المسرح صمت عميق. لم تكن النهاية مجرد لحظة درامية بل كانت بداية لحوار داخلي عند كل فرد في القاعة، الجمهور خرج من العرض وهو يحمل تساؤلات عن الحب، الفقد، والأشياء التي قد تضيع منا إذا لم ننتبه إليها في وقتها.
في الذاكرة
سيظل هذا العرض علامة فارقة في فن المسرح، حيث نجح في الجمع بين التقليدي والتجريبي، وبين الفضاء المسرحي المغلق والانفتاح على جمهور حاضر ومشارك. كان العرض تجربة إنسانية أكثر من كونه عملاً فنياً، تجربة جعلت الحب يبدو كأنه فعل مقاومة في وجه الزوال.
الاعتماد على الأداء التمثيلي والإنشاد دون موسيقى يشير إلى توجه فني يعتمد على البساطة والتقشف في العناصر البصرية والسمعية، مما يضع ثقل التجربة المسرحية على الأداء الجسدي والصوتي للممثل/المؤدي. هذا الاختيار يحمل عدة دلالات فنية ودرامية، منها:
1. التركيز على الإنسان بوصفه محور العرض
إزالة العناصر الإضافية، مثل الموسيقى المصاحبة، تسلط الضوء بالكامل على الممثل كوسيلة رئيسية للتعبير. هنا يصبح صوت المؤدي وحركات جسده الأداة الوحيدة لنقل المشاعر والأفكار، مما يعزز حضور الإنسان وتجلياته كجوهر للفن المسرحي.
2. تعزيز قوة النص والغناء
غياب الموسيقى يضع النص والإنشاد في المقدمة، مما يجعل الكلمات أكثر وضوحاً وتأثيراً. يصبح الغناء وسيلة درامية مستقلة تُبرز معاني الكلمات وتضيف أبعاداً شعورية من خلال صوت المؤدي وحده، بدون الاعتماد على تعزيز خارجي.
3. إبراز البعد الروحي والعاطفي
الأداء التمثيلي المصاحب للإنشاد دون موسيقى يخلق حالة من الصفاء والحميمية، خاصة إذا كان النص مليئاً بالعاطفة والرمزية. هذا النمط يمكن أن يشير إلى رغبة العرض في الوصول إلى الروح مباشرة، بعيداً عن أي مؤثرات قد تصرف الانتباه.
4. التحدي الإبداعي للمؤدي والجمهور
هذا الاختيار يضع تحدياً أمام المؤدي ليعتمد على قدراته التعبيرية فقط، من خلال صوته وجسده، وهو ما يتطلب مهارات عالية وتجسيداً دقيقاً للعواطف. في الوقت نفسه، يدعو الجمهور للتركيز والانخراط الذهني والوجداني، لأنه لن يجد عناصر إضافية تشتت انتباهه عن الأداء الأساسي.
5. الإشارة إلى التقشف كعنصر رمزي
اختيار هذا النمط قد يكون مقصوداً لتمثيل فكرة معينة في العرض، مثل الزهد، البساطة، أو العودة إلى الأساسيات في الحياة، مما يعكس فلسفة العرض أو موضوعه الأساسي.
6. استدعاء تقاليد المسرح البدائي
هذا الأسلوب يعيد إلى الأذهان تقاليد المسرح البدائي أو الطقسي، حيث كان الإنسان يعتمد على صوته وجسده فقط للتواصل مع الجمهور أو لإقامة طقوس جماعية.
الخلاصة
الاعتماد على الأداء التمثيلي والإنشاد دون موسيقى يهدف إلى خلق تجربة مسرحية نقية، تركز على العمق الإنساني والمحتوى الفني بعيداً عن المؤثرات. إنه خيار يحمل في طياته تحديات فنية كبيرة، لكنه أيضاً يفتح المجال لخلق تواصل مباشر وعميق بين الممثل والجمهور.
المسرحي يمكن أن تحمل دلالات متعددة بناءً على طبيعتها وتوظيفها في سياق العرض. إذا كان العرض الذي تشير إليه يعتمد على الأداء التمثيلي والإنشاد فقط، فمن المتوقع أن تكون السينوغرافيا والإكسسوارات ذات طابع رمزي ومبسَّط، مما يعزز الجوهر الفني والمضمون العاطفي للفكرة. فيما يلي أهم الإشارات التي قد تحملها:
1. تعزيز البعد الرمزي
توظيف السينوغرافيا والإكسسوار في مثل هذا العرض عادةً لا يكون للزينة أو الإبهار البصري، بل لتجسيد الأفكار والرموز. قد تشير الإكسسوارات البسيطة إلى مفاهيم مجردة مثل الحياة، الموت، الوحدة، أو الأمل، مما يدعم السرد البصري والفكري للعرض.
2. تكامل مع الأداء التمثيلي
الإكسسوار قد يكون امتداداً لجسد الممثل، يُستخدم بطريقة ديناميكية لتعزيز الحركات أو تعميق المعنى. مثلاً، إذا كانت هناك قطعة إكسسوار بسيطة مثل قماش أبيض، يمكن أن تتحول إلى رمز للحياة أو النقاء، أو حتى الموت، حسب طريقة استخدامها.
3. الاقتصاد في الوسائل والإيحاء بالمكان
في عروض تعتمد على الأداء التمثيلي والإنشاد، تكون السينوغرافيا والإكسسوارات وسيلة لإيحاء المكان أو الزمان دون تكلف. هذا الاقتصاد في الوسائل يعزز الإحساس بالحميمية والارتباط مع الجمهور، ويتيح لهم مساحة للتخيل الشخصي.
4. بناء جسر بين الفكرة والجمهور
الإكسسوار، مهما كان بسيطاً، يمكن أن يكون أداة لخلق صلة مباشرة مع الجمهور. على سبيل المثال، استخدام عنصر مألوف من الحياة اليومية قد يثير ذكريات أو مشاعر مشتركة، مما يجعل التجربة المسرحية أكثر قرباً من وجدان المتلقي.
5. تكثيف الحالة الشعورية
قد تكون السينوغرافيا والإكسسوار حاضرين بأبسط صورة لتعزيز الحالة الشعورية للعرض. الإضاءة، الألوان، والخامات المستخدمة يمكن أن تساهم في تكوين أجواء درامية تعكس موضوع العرض، سواء كان يحمل طابعاً حزيناً، مبهجاً، أو تأملياً.
6. محورية الفكرة على حساب الشكل
إذا كانت السينوغرافيا والإكسسوارات مقتصدة، فهذا يشير إلى تركيز العرض على الجوهر (الأداء والنص) بدلاً من الشكل. هذا النهج يُبرز الفكرة المركزية للعرض ويدعو الجمهور للانخراط فكرياً وعاطفياً.
أمثلة محتملة للإكسسوارات ودلالاتها
كرسي بسيط: يمكن أن يرمز إلى العزلة أو الثبات أو الانتظار.
قماش أبيض أو أسود: دلالات على النقاء، الموت، أو الفراغ.
إضاءة خافتة وموجهة: تشير إلى التركيز على الذاتية، مع خلق حالة من التأمل.
الخلاصة
السينوغرافيا والإكسسوارات في هذا النوع من العروض ليست مجرد عناصر ديكورية، بل وسائل فنية تُستخدم بحذر وذكاء لتعميق المعنى وتوجيه المشاهد نحو جوهر العرض. هذا التوجه يعكس فلسفة تقوم على التفاعل الحي بين الأداء الفني والجمهور، مع إفساح المجال للتفسير الذاتي والتجربة الشخصية لكل متلقٍ.
علاقة العرض بالواقع الكردي والسوري الراهن
الواقع الكردي والسوري الراهن يتسم بتعقيدات اجتماعية وسياسية واقتصادية عميقة، تشمل قضايا الصراع، التهجير، الهوية، والبحث عن السلام وسط الأزمات. عرض يعتمد على الأداء التمثيلي والإنشاد فقط، وينتهي بجملة مثل (حبو بعضكم بعضاً وأنتم ما زلتم على قيد الحياة فالذي يرحل لن يعود)، يمكن أن يكون مرتبطاً بشكل وثيق بهذا الواقع من خلال عدة أوجه:
1. الإشارة إلى معاناة الفقد والغياب
الجملة الختامية للعرض تمس بشكل مباشر تجربة فقد الأحبة التي أصبحت جزءاً يومياً من حياة السوريين والأكراد. النزاعات المسلحة والهجرة القسرية أدت إلى فقدان آلاف الأرواح وتشتيت العائلات، مما يجعل الدعوة للحب والتسامح أثناء الحياة صوتاً مؤثراً يعبر عن الحنين للإنسانية المفقودة.
2. استلهام النضال من أجل البقاء
الأداء التمثيلي والإنشاد فقط يعبران عن التقشف والتحدي، وهما ميزتان ترتبطان بنضال المجتمعات الكردية والسورية لمواجهة الظروف القاسية. عدم وجود موسيقى أو عناصر بصرية زاهية يعكس الواقع الخشن والمؤلم الذي يعاني منه السكان في مناطق النزاع.
3. التعبير عن الهوية الثقافية المشتركة
الإنشاد، ربما بأسلوب قريب من التراث الشعبي، يمكن أن يكون وسيلة للتذكير بالهوية الثقافية المشتركة التي تجمع مختلف الأطياف السورية والكردية رغم محاولات التفرقة. العرض قد يسلط الضوء على أهمية استعادة هذه الهوية كعامل للوحدة والشفاء من جراح الحرب.
4. دعوة للسلام والعيش المشترك
الجملة الختامية ليست فقط دعوة للحب، بل هي أيضاً دعوة للسلام في منطقة تعاني من الانقسامات العرقية والطائفية. العرض يمكن أن يكون دعوة لتجاوز الخلافات والتوجه نحو العيش المشترك القائم على التعاطف والإنسانية.
5ـ صدى للمرأة في النزاعات
إذا كانت المؤدية امرأة، فقد يرمز ذلك إلى دور النساء في الصراع السوري والكردي، سواء كضحايا أو كأصوات للسلام. المرأة في هذه المجتمعات تحمل عبء النزوح وفقد الأحبة، لكنها أيضاً رمز للأمل والاستمرار.
6ـ التعبير عن قسوة الواقع بلا زخارف
الاعتماد على الأداء والسينوغرافيا البسيطة يعكس الطبيعة القاسية والمجردة للحياة في مناطق النزاع. العرض يترك للجمهور حرية تخيل الفضاء المفقود وتفسير القصة بناءً على تجاربهم الشخصية، مما يجعله متجذراً في الواقع الكردي والسوري.
7ـ أمل في التصالح مع الماضي
الجملة الختامية تحمل في طياتها نداءً للتصالح مع الذات والآخرين قبل فوات الأوان. هذا النداء يمكن تفسيره كرسالة للمتلقي من كلا المجتمعين الكردي والسوري، بأهمية مواجهة الماضي الأليم والعمل معاً لبناء مستقبل أفضل.
الخلاصة
الديكور في هذا العرض ليس مجرد خلفية، بل أداة سردية تعكس الصراع الداخلي والخارجي للشخصيات. الشفافية، الكفن، والإضاءة تخلق فضاءً درامياً يلتقي فيه الموت بالأمل، والتوتر بالسكينة، مما يجعل المتلقي يعيش تجربة وجدانية عميقة تعكس الواقع المأساوي للإنسانية في سياق العرض.
★ناقد ـ مصر.