مسرح

حسام الدين مسعد:عبثية الانتظار وأزمة الهوية في النصوص المسرحية للكاتب العراقي الأمير حيدر عبد الله .

حسام الدين مسعد

  “هل يمكن للحكايا أن لا تموت بعد أن تُحكى؟”.
هذا السؤال طرحه طبيب الأسنان العراقي الشاب الأمير حيدر عبدالله الشطري في نصه المسرحي (ألف ليلة و….)،إذ أثار تسأول آخر لديّ، وهو  لماذا تظل النصوص المسرحية العربية  الفائزة بجوائز في المسابقات المختلفة حبيسة الأدراج،ولا تنفذ كعروض مسرحية ؟ هل يعود الأمر إلى المؤسسات المهيمنة على العملية الإنتاجية للمسرح في بلداننا العربية؟ أم للآخر المخرج،والمتلقي القارئ لهذه النصوص ؟
أعتقد أن الإجابة على هذا السؤال تكمن عند بعض المخرجين  الذين  باتوا لا يشغلهم اختيار النص العربي الجيد بقدر ما يشغلهم الإبهار البصري،والتحقير للعقل العربي، فأصبحت العروض المسرحية لا تعبر عن مسرح عربي،ولا تعاني أزمته وقضاياه،بل أصبحت تعبر عن مسرح ناطق باللغة العربية يعبر عن قضايا الغرب و ينفذ نصوصه المسرحية ليعرضها أمام جمهور عربي أصبح هو الآخر على ذات الشاكلة المنبهرة بالعقل الغربي،ومنجزه الحضاري،(دون هوية واقية) كما ألزم بها عباس العقاد العالم العربي، كي تحميه من جور الثقافة الغربية عليه، ولذا أضحت ظاهرة التناص التي ننسخها، ونسلخها من النصوص الغربية تشكل أمرًا جلل على الثقافة العربية، والعطاء الخاص لها، وأضحى البحث عن وسائل جديدة تغاير الوسائل الفنية السائدة، بغية تقديم رؤية جديدة للعالم أمر ليس باليسير، إذ لا يمكن أن يكون لنا منجز خاص في سوق المسرح العالمي، ونحن نستورد، ونقلد لما ينشأ في الغرب المسرحي، إلا إذا انطلقنا إلى إنتاج مسرح ينطلق من الفكر، والتجربة الطويلة، واستقراء الواقع المتغير باستمرار.
لذا انطلق في دراسة أربعة نصوص مسرحية  للمؤلف الشاب الأمير حيدر عبد الله وهي نصوص فازت بجوائز في مسابقات مسرحية متنوعة،وهي :
١- نص (إستحاثة) الفائز بالمركز الأول في مسابقة علاء الجابر للإبداع المسرحي ٢٠٢٤.
٢-نص (Godot has come) الفائز بالمركز الأول في مسابقة أور الإبداعية ٢٠٢٤.
٣-نص( ألف ليلة و… )الفائز بالمركز الثاني في مسابقة فاطمة المعدول للتأليف المسرحي ٢٠٢٤.
٤- نص( عقارب) الفائز بالمركز الثاني في جائزة جماعة الناصرية للتمثيل .


أولًا :عناوين النصوص

تعكس عناوين النصوص الأربعة كل على حدة،جوهر الفكرة التي يناقشها كل نص،فالعناوين ليست فقط إخبارية بل رمزية وتلعب دورًا في إثارة التساؤلات وتعميق فهم القارئ لموضوع النص إذ في نص (إستحاثة) يشير المصطلح إلى التحول لمستحاثة (أحفورة)، وهي عملية يحدث فيها تثبيت للكائن الحي عبر الزمان، مما يجعله جزءًا من الماضي ومغلقًا في حالة ثابتة،إذ يتسق وموضوع النص الذي يتحدث عن شخصيات عالقة في مكان مهجور وفي حالة انتظار دائم، حيث تتكرر الأحداث ولا يحدث تغيير جذري،و هذا يعكس فكرة الجمود والركود التي يرمز إليها مصطلح “إستحاثة”،ورغم أن العنوان مناسب، وذو دلالة عميقة، لكنه قد يبدو غامضًا للوهلة الأولى،فلا يستطيع القارئ أن يبني أفق توقعه عن موضوع النص وقضيته .
أما في نص (عقارب) فيمكن للقارئ أن يبني أفق توقعه بين أمرين الأول هي العقارب الزاحفة،والثاني يشير مباشرة إلى عقارب  الساعة الثلاثة (الثواني، الدقائق، الساعات) في الساعة الجدارية،مما يجعل الزمن هو المحور الأساسي للنص،إذ أن العنوان يعبر عن الشخصيات المحورية في النص ويُبرز رمزية الزمن كقوة قاهرة ومسيطرة على الوجود.
-أما نص (ألف ليلة و…)، فالعنوان يستدعي التراث الأدبي “ألف ليلة وليلة” لكنه يتركه ناقصًا بإضافة “…”، مما يخلق شعورًا بالغموض والتجدد،إذ أن النقاط الثلاثة في العنوان تُمثل المسكوت عنه، فالحكايات التي لم تُروَ بعد تعكس فلسفة النص حول استمرارية الإبداع.

أما نص ( “Godot Has Come”)،فعنوانه الأنجليزي الذي تشير ترجمته إلى أن جودو قد آتي،يعكس فكرة عبثية تُناقض النص الأصلي “في انتظار غودو” لصمويل بيكيت، حيث لم يأتِ غودو أبدًا إذ يعكس توقعات الشخصيات والقراء بأن الانتظار انتهى، لكنه سرعان ما يُظهر أن الوصول لا يعني الحل، مما ينسجم مع موضوع النص عن الفوضى والانتظار العبثي.
ثانيًا: فرضية النصوص وقضيتها المركزية 
النصوص تتشارك في الانطلاق من فرضية مغايرة لقراءة هذا العالم .

إذ ينطلق المؤلف في نصه” إستحاثة” من فرضية أن “الحياة قد تكون عبثية وغير ذات معنى إذا كانت محكومة بالجمود والانتظار دون سعي حقيقي أو تغيير.”

وينطلق  في نصه “عقارب” من فرضية تتمثل في السؤال، هل الزمن أداة للإنسان أم عبء عليه؟ وكيف نصنع المعنى في مساراتنا الدائرية؟
وفي”ألف ليلة و…”،من السؤال ما حدود الخيال في تشكيل الحكايات؟ وهل يمكن للقصص أن تكون وسيلة للنجاة؟
أما في “Godot Has Come”فماذا يحدث عندما يتحقق الوعد المنتظر؟ هل يتلاشى المعنى في حضوره؟

ثانيًا: الزمان والمكان
استطاع المؤلف الشاب أن يبدع في توظيف المكان والزمان كعناصر رمزية في نصوصه، فالمكان دائمًا يعكس حالة الشخصيات النفسية، سواء كان الجمود في “إستحاثة”،او الحصار في “عقارب”، أو المواجهة في “ألف ليلة و…”، أو العزلة في “Godot Has Come”.
الزمن في هاته النصوص يتخذ طابعًا غير خطي، سواء كان دائريًا، سرديًا، أو عبثيًا، مما يعكس رؤية فلسفية عميقة عن الحياة والوجود.

 في نص (عقارب)الزمن هو العنصر الأهم في النص، حيث:يتخذ صفة الدائرية من خلال دوران العقارب المستمر،ويتوقف فجأة عندما تتعطل الساعة، مما يبرز هشاشة الزمن واستقلاله عن الإنسان،إذ أن المؤلف يستخدم الزمن هنا ليس فقط كعنصر تنظيمي، بل كموضوع أساسي يعكس دور الإنسان كجزء من دورة الحياة الثابتة.

المكان الرئيسي في (عقارب ) هو الساعة الجدارية الكبيرة، وهي مكان رمزي يعكس الزمن كهيكل مادي لمدينة صغيرة تدور فيها الشخصيات (العقارب)، مما يجعل المكان ذا بعد فلسفي حيث يصبح رمزًا للحياة البشرية التي تدور في مسار دائري متكرر.

أما الزمن في نص (الف ليلة و…) ثابت ومتكرر، حيث يخضع الزمن لرواية القصص، مما يعطيه طابعًا سرديًا،لكن نجح المؤلف في إعادة تشكيل الزمن عندما يعود إلى الليلة الأولى، مما يعكس الزمن الدائري كما هو الحال في الأساطير والتراث،فضلا عن إبراز  بعد وجودي للزمن، حيث تتساءل شهرزاد: “هل يمكن للذاكرة أن تعيد نفسها؟”، ما يبرز أن الزمن هنا ليس فقط ماديًا بل نفسيًا وفكريًا.
المكان في هذا هذالنص هو غرفة نوم الملك شهريار،فالغرفة تحمل دلالة رمزية قوية؛ إذ تمثل ساحة المواجهة بين الحياة والموت، حيث تواجه شهرزاد مصيرها كل ليلة،فضلًا عن أنها تمثل العزلة والاختناق لشهرزاد وشهريار، إذ تجمعهما في فضاء محدود يكتظ بالمخاوف والتوقعات،إذ أن المكان في النص يعكس
الأبعاد النفسية ، كما في رفوف الكتب التي تشير إلى عمق علاقة شهرزاد بالقصص والخيال.
  أما في نص Godot Has Come”).
فالزمن غير محدد ومطاطي،إذ لا يشير النص إلى بداية أو نهاية واضحة، بل يعكس الزمن حالة من الامتداد العبثي الذي لا يصل إلى غاية.
فالزمن يتشابك مع فكرة الانتظار كحالة أبدية،إذ يتجلي ذلك في حوار فلاديمير واستراجون عن تعاقب الفصول (الشتاء، الصيف)، فيظهر عبثية الزمن الذي يمر دون تحقيق أي تطور.

أما المكان هو فضاء خالٍ من كل شيء إلا شجرة جرداء تمثل رمزية قوية للأمل الهش الذي ينتظره فلاديمير واستراجون،وهذا يعكس المكان الفراغ والعبثية، فهو مكان مجرد تمامًا من أي تفاصيل، مما يجعل الشخصيات تشعر بالعزلة والانتظار بلا جدوى.



ثالثًا: الحبكة 

اعتمد المؤلف على حبكات فلسفية تتطور من صراعات داخلية مرتبطة بالزمن، والانتظار، والخوف من النهاية.
في نص (إستحاثة)يخلق المؤلف البنية الدائرية،إذ تدور الحبكة في حلقة مفرغة، مما يعكس عبثية الحياة التي لا تقدم حلولًا واضحة هذه البنية تدعم انتماء النص إلى المدرسة العبثية،إذ أن النهاية تعيد الشخصيات إلى نقطة البداية في انتظار أبدي لا ينتهي،لذا فالصراع ليس خارجيًا (مثل مواجهة مع عدو)، بل داخلي وجودي. فكل شخصية تعيش صراعها مع الزمن، الملل، والهدف من الحياة،فالشخصيات تمثل شرائح اجتماعية أو فلسفية: المعرفة غير المأخوذة بجدية (بائع الكتب)، الحرفة المهملة (الإسكافي)، الفقر واليأس (المتسول)، والبراءة الفضولية (الابن)،وهذا الإسقاط الرمزي رسخه المكان المهجور الذي يرمز إلى النفس البشرية التي تفتقر للحياة في مفارقة عبثية تمثلت في تبادل الأدوار بين الشخصيات لمحاولة تغيير مصائرهم لكن لا يحدث تغيير فعلي،فكانت النهاية الحتمية التي وضحت أن الشخصيات ربما كانت ميتة طوال الوقت، مما يعزز فكرة عبثية الحياة واللاجدوى من المحاولة، في تعبير عن الهزيمة الوجودية أمام الزمن والموت.
في نص (عقارب) تتطور الحبكة عبر محاور فلسفية، حيث يبدأ النص بظاهرة تعطل الساعة ويتفاعل العقارب مع الحدث بطريقة تكشف صراعاتهم الداخلية حول الجدوى من عملهم.
يتخلل النص نقاش حول فكرة الزمن كعبء واستمرارية الدوران كرمز للحياة الرتيبة، إلى أن ينفصل العقارب عن عملهم مع ظهور الساعة الرقمية في النهاية، مما يعكس تحولًا رمزيًا في فكرة الزمن،إذ يبدأ التصعيد مع توقف الساعة عن العمل، ويصل إلى ذروته حين يتوقف كل عقرب عن الحركة ويقرر “عقرب الثواني” الانفصال عن الباقيين،وتأتي نهاية الحبكة مفتوحة ومليئة بالسخرية، حيث تُستبدل الساعة بعنصر حديث هو (الساعة الرقمية)، مما يعزز رمزية العبثية.



 أما نص (ألف ليلة و…)،فالحبكة تدور حول الخوف من النهاية،إذ تتطور الحبكة حول شهرزاد التي تجد نفسها في الليلة الأخيرة بعد ألف ليلة، فيتمثل الصراع الدرامي في حاجتها لإيجاد مخرج جديد للإبقاء على حياتها عبر استحداث قصص جديدة،إذ تصل الذروة حين تدرك شهرزاد وشهريار أن الزمن قد عاد إلى الليلة الأولى، مما يفتح تساؤلات حول حقيقة الزمن ودائرية الأحداث،وتأتي النهاية لتقدم حلًا مبتكرًا حين تقترح شهرزاد تبادل الأدوار مع شهريار، مما يعكس سيطرة الحكايات على الزمن والإنسان في واقعية سحرية .

نص  “Godot Has Come”

الحبكة تدور حول الانتظار وعبثية الوصول،إذ تبدأ بشخصين (فلاديمير واستراجون) ينتظران غودو، وتتعقد حين يظهر أشخاص يدّعون أنهم غودو،وهنا يستخدم المؤلف حبكة تصاعدية، حيث يتزايد عدد الشخصيات التي تدّعي أنها غودو، مما يخلق حالة من الفوضى والعبث،إذ تأتي الذروة عندما يتحول الانتظار إلى مواجهة مع تعدد الحقائق، مما يترك الشخصيات في حالة من الشك والتشظي،لتأتي النهاية مفتوحة، حيث يبقى الانتظار مستمرًا رغم مجيء “جودووات” متعددة، مما يعكس عبثية الحياة وتعددية الحقيقة.
رابعًا : الحوار

الحوارات في النصوص الأربعة مليئة بالرمزية، حيث تتجاوز الكلمات معناها الظاهري لتكشف عن أفكار فلسفية عميقة،ويعد التكرار سمة مميزة في النصوص جميعها، حيث يتم تكرار الأسئلة والمفاهيم لتأكيد فكرة العبثية والانتظار،ورغم الطابع الفلسفي العميق، تتميز الحوارات بلغة بسيطة وواضحة، مما يجعلها أكثر تأثيرًا من خلال قدرتها على إيصال الأفكار بسرعة ودون تعقيد،إذ يتسم الحوار بالسخرية والمفارقات، مما يعكس الأسلوب العبثي في النصوص، حيث يتم طرح الأسئلة دون تقديم إجابات حاسمة، مما يعزز الطابع الفلسفي العبثي للنصوص،ويتجلي ذلك في نص “عقارب”
  عندما يقول “عقرب الثواني”: “لأنك الوقت نفسه” يرمز إلى العلاقة المتشابكة بين الشخصية والزمان.

يظهر التكرار في الحوار بشكل ملحوظ، حيث تتكرر نفس الأفكار والأسئلة بين العقارب الثلاثة حول سبب توقف الساعة، مما يعزز العبثية في النص،كسؤال “ما الذي يحدث؟” يتكرر بشكل مستمر بين الشخصيات، مما يعكس حالة الفوضى وعدم الفهم، فالحوار يبرز الصراع الداخلي للشخصيات حول دورها في الزمن، وكأنهم يصرخون في وجه الزمان والقدر.
كجملة “لا يمكن أن يتم إيقافنا… عن أي صيانة يتحدثون؟” يظهر الإصرار على الاستمرارية بالرغم من الانقطاع المفاجئ.

استخدم المؤلف لغة بسيطة مباشرة تتناسب مع طابع الشخصيات غير الإنسانية (العقارب) فجاء الاختزال اللغوي حاضر بقوة، حيث تُقدَّم الأفكار الكبرى في تراكيب لغوية مختصرة ودلالية تحمل أكثر من مستوى للمعنى،و تعكس توجهًا فلسفيًا ورمزيًا، ما يجعل النص مفتوح للتأويل.
لكن في نص (ألف ليلة و…) يعكس  الحوار اللعب على فكرة الزمن الدائري، حيث يستمر النقاش حول العودة إلى الليلة الأولى، مما يضيف طابعًا غرائبيًا،إذ تسأل شهرذاد شهريار “هل ستقتلني أم سأكون أميرتك؟”،وهنا  يظهر الحوار تذبذب شهريار بين القسوة والمشاعر الإنسانية،وتسأله أيضًا “هل يمكن للحكايا أن لا تموت بعد أن تُحكى؟”،إذ أن هذا السؤال يستحث التفكير في دور الحكايات في الحياة وكيفية تأثيرها على الزمن،فيتصاعد التوتر بين شهريار وشهرزاد طوال المسرحية، حيث يتصاعد الحوار ليعرض الصراع بين الخوف من الموت والذكاء في النجاة،إلى أن تخبر شهريار قائلة “لقد نفذت ذخيرتي…”،والتي تشير إلى ضيق شهرزاد في إيجاد قصص جديدة.

أما في نص “Godot Has Come”
الشخصيات تتبادل الحديث في حالة من التنافر والتشويش،إذ يعبر الحوار عن حالة من الارتباك بين الشخصيات حول من هو غودو، وهذا يعكس الانفصال بين الواقع والتوقعات،كما في جملة
“أنا غودو… لا أنا غودو…” فيظهر الصراع بين الشخصيات التي تدّعي أنها غودو،هذا فضلًا عن أن الحوار مليء بالسخرية، حيث يتنقل بين الجدية والاستهزاء، مما يعكس التوتر العبثي بين الشخصيات.كما في هذه الجملة  “نعم، جاء غودو… لماذا تأخر كل هذا الوقت؟” يعبّر عن السخرية التي تكتنف الانتظار العبثي .

خامسًا:إرشادات المؤلف

إرشادات المؤلف في النصوص الأربعة  ليست مجرد أدوات تقنية بل هي جزء من العمل الفني بحد ذاته،إذ تضيف  الإرشادات جمالًا بصريًا وحركيًا يرفع من قيمة النصوص، حيث جعلت الأحداث والأفكار الفلسفية مرئية وقابلة للتفاعل،إذ عززت الرمزية والتوتر، مما جعل النصوص أكثر حيوية وتأثيرًا على المتلقي.

سادسًا: السمات الأسلوبية للمؤلف 
١ـ الرمزية العميقة:

الكاتب ينطلق في نصه “إستحاثة” من فكرة أن الإنسان، رغم وعيه ورغبته في التغيير، قد يجد نفسه محاصرًا في ظروف اجتماعية أو نفسية تشبه “الأحفورة”، حيث يصبح جزءًا من الماضي بدلًا من كونه مشاركًا في الحاضر أو المستقبل في رمزية للركود والموت الأكلينيكي .

في “عقارب”: تجسد العقارب الحركات الدائرية للحياة، حيث تتأمل الشخصيات عبثية الدوران المتكرر الذي يرمز إلى الزمن والروتين.

في “ألف ليلة و…”: تستغل الحكايات كوسيلة لاستكشاف حدود الزمن والإبداع، مع التركيز على صراع البقاء الذي تخوضه شهرزاد.

في “Godot Has Come”: يتناول النص الانتظار العبثي ومفارقات التوقعات، مما يعكس استلهامًا مباشرًا من “في انتظار غودو”.
٢ ـ التوظيف الجمالي للحوار:

جاءت الحوارات في النصوص الأربعة  مليئة بالتساؤلات الفلسفية حول الوجود، الزمن، والهدف، ما يعكس رؤية المؤلف نحو جدلية الإنسان والحياة.
٣ـ الإبداع في اختيار الشخصيات والأماكن:

الأماكن رمزٌ للفراغ أو الحصار: مثل الساعة في “عقارب”، وغرفة النوم في “ألف ليلة و…”، والشجرة الخالية في “Godot Has Come”،والمكان المهجور في “إستحاثة “

٤. التناصات الأدبية:

هناك إشارات واضحة لتناصات أدبية مباشرة وغير مباشرة:

في “Godot Has Come”، التأثر بمسرحية “في انتظار غودو” لصمويل بيكيت واضح جدًا،في تناص مباشر،وفكرة التعدد في شخصية جودو تناص مع نص الكاتب العراقي علي عبد النبي الزيدي “ميت مات ”

“ألف ليلة و…” تستمد عمقها من الإرث السردي لألف ليلة وليلة، لكنها تعيد قراءة العلاقة بين شهريار وشهرزاد بنظرة معاصرة.

“عقارب” توظف فكرة الزمن بأسلوب يمزج بين الرمزية الواقعية والخيال.

“إستحاثة” توظف فكرة الموت الأكلينيكي بأسلوب عبثي .
ما نأمله في النتاج المستقبلي للمؤلف :

١-النصوص الأربعة تعتمد بشكل كبير على مواضيع فلسفية مثل الزمن، العبث، والانتظار. هذا التكرار قد يجعل القارئ يشعر بأن الأفكار تُعاد بصيغ مختلفة دون تقديم جديد في كل نص.

٢- في جميع النصوص، تبقى الشخصيات ثابتة تقريبًا في أفكارها وصراعاتها، دون تطور ملحوظ في العمق النفسي أو السلوكي، فشخصيات “عقارب” و”Godot Has Come” تدور حول نفس التساؤلات دون الوصول إلى إجابات أو تغييرات جوهرية.

٣-في “Godot Has Come”، يظهر التأثير الواضح لمسرحية صمويل بيكيت، لكن دون تقديم معالجة مبتكرة كافية تجعل النص يتفرد عن المصدر الأصلي،او بالأحري استغرق المؤلف في فلسفة بيكيت،ولم يقدم لنا جديد خاص بالمجتمع العربي .

٤-في “ألف ليلة و…”، الاعتماد على التراث السردي قد يُشعر القارئ بأن النص يعيد تدوير الحكايات بدلًا من تجاوزها بفكرة جديدة.

٥-النصوص مكتوبة بأسلوب فلسفي ومجازي عالٍ، مما يجعلها صعبة الوصول إلى الجمهور العام الذي قد يفضل نصوصًا أكثر وضوحًا وسردية.

-وأخيرًا نصوص الأمير حيدر عبدالله الشطري  تمثل رحلة فكرية تطرح تساؤلات فلسفية بأسلوب درامي مميز يمثل مغامرة فكرية تطرح تساؤلات وجودية تتقاطع مع أزمات الهوية العربية،إذ نجحت في تقديم فرضيات جديدة حول الزمن والانتظار، لكنها تحتاج إلى تطوير برؤية خاصة تتجاوز تأثيرات الغرب، مع التركيز على تعميق التفاعل الإنساني بين النصوص والجمهورليظل السؤال  دون إجابة ومطروحًا أمام المؤسسات الثقافية والمبدعين العرب،هل يمكن لهذه النصوص أن تمهد الطريق لمسرح عربي حديث؟ أم أنها ستظل أسيرة الأدراج؟



★ناقد ـ مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى