قصة

عبده الزراع: هكذا تكون الشجاعة

شامخ البطل الصغير

عبده الزراع★

قصة “شامخ البطل الصغير” هي قصة للكاتب السيد نجم، والتي فازت مؤخراً بجائزة فلسطين الدولية في أدب الطفل في دورتها الأولى، تدور أحداثها على أرض سيناء، وهي تُرَسِّخُ لأدب المقاومة، فبطلها “شامخ” اِبن الشيخ صقر، أحد شيوخ قبائل بدو سيناء، الذي اشتهر بالوطنية والبطولة والشجاعة، وشدة كرهه للعدو الإسرائيلي، الذي احتل أرضهم دون وجه حق.

و”شامخ” يبلغ من العمر عشر سنوات، يتميز بالذكاء واللماحية، والشجاعة التي زرعها والده بداخله، كما يتميز بِحِدَّةِ البصر، وكما تصفه القصة: “له عينان كعيني الصقر، يرى بهما الذباب الطائر في الأفق البعيد، حتى عرف بها، وتَمَيَّزَ بين صغار البدو ورجالها فيتندرون عليه في جلسات السمر مساء، وهم يحتسون الشاي حول راكية النار المشتعلة بلقب “الصقر”، بسبب قوة إبصاره!”.

سمات البطل

وهناك سمات أخرى يتميز بها “شامخ” البطل، أنه سابق لسنه، فهو يفكر كما الكبار، وحينما تتحدث معه تشعر كأنك لا تتحدث مع طفل في العاشرة من العمر، بل تشعر أنه يبلغ من العمر خمسة عشر عاماً، كما كان لشامخ رأس كبير حتى أن أباه يقول له مازحا: “ربنا أعطاك وفرة في رأسك، وأخذ من جسمك الصغير”!

و”شامخ” رغم صغر سنه إلا أنه لم يشغله ما يشغل أبناء جيله من الأطفال، بل كان دائم التفكير في هذا العدو الذي احتل أرض وطنه، وقَضَّ مضاجع أهله وذويه، وقتل وشَرَّدَ الكثير من شباب وأطفال ونساء سيناء، حتى أمه ماتت برصاص الغدر الإسرائيلي، فحكموا عليه باليتم وهو صغير، فمنذ عرف حقيقة موت أمه على أيديهم صار أكثر كرهاً لهم، وذات يوم توجه إلى والده الشيخ صقر، وسأله: “يا شيخ صقر، عندي سؤال عجزت عن الإجابة عليه؟ أين أمي يا أبي؟”

أجاب الرجل عليه قائلاً: “سافرت بعيداً، وربما تتأخر طويلاً، ولعلها لن تعود ثانية” وما كان من “شامخ” إلا أن قال له، وعيناه كما الصقر إلى عيني الرجل: ” بل سافرت إلى ربنا في السماء، ماتت.. أعلم أن الجنود الإسرائيليين قتلوها عام 1956!”

من وقتها و”شامخ” قطع على نفسه عهداً أن يشارك أهل وطنه، في طرد هؤلاء الجنود الأغراب من مراعي قبيلته، ومن سيناء كلها.

مخاوف صقر

وقد شعر الشيخ صقر بالخوف على ابنه “شامخ” فقد أيقن أنه عزم على القصاص لأمه وأبناء سيناء الذين قتلوا غدراً وخسة.. بل ازداد خوفه أكثر حينما علم أن “شامخ” يتسلل إلى مكان قريب من معسكر الإسرائيليين، ويعرض نفسه للهلاك.

فقد تعود “شامخ” أن يجلس لساعات طويلة أسفل الشجرة العجوز يستظل بظلها، ومن حوله تدور الدجاجات تنقر بين حبيبات الرمل، تبحث عن شيء تأكله!

الغريب في الأمر أن هذه الدجاجات كانت تتبع “شامخ” أينما ذهب؛ لأنه كان يضع لها مما يأكله من طعام، فاشتهر بدجاجاته التي تتبعه، وهذا يدل على محبة الطيور له.. لأن الطيور والحيوانات لا تتبع من البشر إلا من تحب.

لم تكن جلسة “شامخ” اليومية تحت الشجرة القريبة من معسكر الأعداء جلسة لعب أو تضييع وقت، بل كانت جلسة تأمل بما يدور في عقله الكبير من أفكار، وكانت عيناه النافذتان تتابع عن كثب ما يدور داخل معسكر الأعداء، ولأنه فنان يجيد الرسم، فكان يسوي الرمل بكفه، ويرسم بعض ما يلاحظه داخل المعسكر، وعندما تنتهي جلسته يدس أصابعه في الرمل ويمحو ما رسم.

هذه بعض سمات بطل القصة “شامخ” وهي سمات تَنُمُّ عن طفل يعيش في عباءة الرجال، يحمل هموم وطن، ويرى في نفسه قدرة على أداء أدوار لا يستطيع بعض الرجال القيام بها..

الثقة بالنفس

حينما شعر أحد جنود الاحتلال بالخطر من الطفل الصغير الذي يجلس لساعات طويلة، ينظر على المعسكر ولا يغير جلسته، ولما اتجه الجندي إلى “شامخ” بدأ يشعر بشيء من القلق، خاصة بعدما وَجَّهَ الجندي فوهة سلاحه الرشاش نحو رأسه الصغير، وقال كلاماً لم يفهمه الصغير؛ لكنه فهم أنه يزجره ويعنفه، واقتاده الجندي إلى داخل المعسكر، و”شامخ” يمشي بكل ثبات وثقة بالنفس.

اِندهش جنود الاحتلال من صغر سن الطفل الذي يدخل المعسكر بكل ثقة وخلفه دجاجاته، ولم يَخَفْ من الأسلحة التي تشهر في وجه، وأدركوا جميعاً خطورة هذا الطفل الذي يتصرف مثلما يتصرف الكبار.

في مكتب قائد المعسكر

حاول قائد المعسكر أن يوقع “شامخ” ليعرف منه أي معلومة، ومَنْ وراءَهُ، وماذا يريد من تواجده الدائم بالقرب من المعسكر، ولم يستطع القائد أن يخرج منه بإجابة واحدة، فقد تَصَرَّفَ “شامخ” بذكاء منقطع النظير، ودار بينهما هذا الحوار: “فقد سأله قائلاً:

“لكنني أريد أن أعرف سر بسمتك، وأراك غير خائف؟!”

.. “لماذا أخاف منكم؟”

“لأننا نملك السلاح، ونستطيع أن نطلق الطلقات النارية عليك متى نشاء”

.. “ولماذا تطلقون الرصاص على صغير يسير ومن خلفه دجاجاته الجائعة؟”

” ولماذا لا نطلق الرصاص عليك؟ نحن نملك السلاح والطلقات، وأنت لا تملكه”

بلا تردد صاح “شامخ” قائلاً:

“لأنني صاحب الأرض التي أقف أنا وأنت وجنودك عليها.. لماذا أخاف إذن؟!”

لم يجد القائد ما يُعَقِّبُ به، نظر حواليه.. اِنتظر قليلاً، ثم سأل “شامخ”:

“أجبني أيها الصبي.. لماذا تقدَّمت حتى حدود موقعنا؟”

.. “حتى أبحث عما يمكن أن أقدمه للدجاجات من طعامكم!”

هذا الحوار يدل دلالة قاطعة على ذكاء وشجاعة “شامخ”، فلم يستطع القائد أن يخرج منه بأية معلومة تفيده، وأيقن أن هذا الطفل ما يشغله هو أن يطعم الدجاجات فقط، فأحب أن يستخدمه لصالحه، فاقترح على أحد مساعديه أن يسمح لهذا الصغير أن يأتي يومياً بعربة خشبية يجمع داخلها مخلفات المعسكر، ليطعم منها ما يشاء من دجاجاته.. ظناً منه أنه بهذا يتخلص يومياً من المخلفات.

“شامخ” وضابط المخابرات

عندما عاد “شامخ” من المعسكر وحكى لوالده ورجال القبيلة عما دار بينه وبين الجندي وقائد المعسكر، في وجود رجل غريب لم يره “شامخ” من قبل، فما كان من والده إلا أن خرج عن صمته وقال: “هذا ما كنت أخشاه”،  لولا أن الرجل الغريب مال على أذن والده، وهمس ببعض كلمات لم يسمعها الطفل جيداً، وكان هذا الغريب هو ضابط المخابرات المصري “باسل” الذي أعجب بذكاء وشجاعة “شامخ” ومن ثم بدأ الضابط  تدريب “شامخ” على كيفية نقل كل ما يسمعه داخل المعسكر إليه، وافق “شامخ” على الفور بعد أن نبهه الضابط ضرورة أن يبدو طبيعياً حتى لا يشك فيه أحد، وطمأنه بأنه يراقبه ويحميه حتى يعود إلى بيته كل يوم.

بدأ يتردد “شامخ” على معسكر الأعداء يومياً، وهو يدفع أمامه عربة خشبية يحمل فيها القمامة، بينما تتبعه دجاجاته الصغيرة، وأصبح مادة للسخرية والضحك من جنود المعسكر، على الصبي الصغير الذي تتبعه الدجاجات أينما ذهب.

استمر “شامخ” يتردد على المعسكر يومياً وينقل للضابط كل ما يصل إلى أذنيه، خاصة بعد أن أصبحت اللغة لا تمثل عائقاً له، فقد عرفها من كثرة تردده على المعسكر وتعامله مع الجنود.

“شامخ” الفنان

وفي يوم اكتشف الضابط أن “شامخ” عندما يخلو بنفسه يمسح بيده الرمل ويساويه ويرسم عليه، فأدرك أنه فنان يجيد الرسم، فأحضر له كراسة رسم وقال له: اُرْسُمْ كل ما تراه وتقع عيناك عليه داخل المعسكر، وبالفعل راح “شامخ” يسجل كل ما تقع عليه عيناه حتى الحروف التي كان يراها على المدافع والأسلحة كان يرسمها كما رآها، لدرجة أذهلت الضابط “باسل” والقيادة في مصر، والتي كان يرسلها “باسل” إليها أولاً بأول..

“دهش ضابط المخابرات المصرية من دقة الأسرار التي أرسلها الصغير؛ وكلما مضى يوم جديد.. تتأكد أهمية الصبي الذي يكبر ويكبر حتى وثقت به القيادة، وكانت الخطط والتجهيزات المضادة، والتجهيز للعملية “بدر 2000″ التي أعدت لعبور القوات المصرية وتحرير سيناء”

ومضت الأيام وكثرت المعلومات، واستعدت القوات المصرية؛ حتى جاء يوم السادس من أكتوبر عام 1973، ليتم النصر على العدو الإسرائيلي.

سمات البطولة

هذه القصة تحمل العديد من سمات البطولة والشجاعة والإقدام، فقد تمكن الطفل الصغير “شامخ” من أن يشارك وطنه في الانتصار على العدو الإسرائيلي، بمساعدة ضابط المخابرات المصرية “باسل”، الذي شجعه على الاستمرار في نقل المعلومات المهمة، وتسجيل كل ما تقع عينه عليه أو تسمعه أذنه، فور عودته من المعسكر عن طريق الكتابة والرسم..

دلالة الأسماء

كما جاءت أسماء شخوص القصة دالة وموظفة بدقة وملائمة للأدوار التي قامت بها، فالقبيلة هى قبيلة “صقر”، وشيخ القبيلة هو الشيخ “صقر”، و”الصقر” من الطيور الجوارح، ويتمتع بحدة البصر التي تساعده على الصيد، لسرعته الفائقة التي تجعله من أسرع المخلوقات على وجه الأرض، إذن، فهو اسم دال ويتسق مع طبيعة العمل.

كما جاء اسم بطل القصة “شامخ” ليدل على الشموخ والعلو، “فشمخ الجبل” أى علا، وارتفع، ونسب كلمة “شامخ”: رفيع عريق، والجمع، شوامخ، وشُمَّخ، وشامخات، وهو اسم دال على ما قام به “شامخ” من أفعال داخل القصة.

كما يأتي اسم ضابط المخابرات “باسل” دالاً على ما قام به من بطولة في تجنيد شامخ، وتدريبه على نقل المعلومات حتى تم النصر على الأعداء، فكلمة “باسل” تدل على الشجاعة والجرأة، وهو اسم من أسماء الأسد، كما يدل على قوة المنازلة والقتال.

إذن فقد نجح الكاتب السيد نجم في توظيف دلالة الأسماء داخل القصة، وهذا يدل على وعي الكاتب بأهمية، وخصوصية الكتابة للطفل التي تحتاج إلى موهبة ودُرْبَة.

كما جاءت اللغة ثرية، ومناسبة للأطفال اليافعة التي تتوجه القصة إليهم، بل موظفة بشكل جيد، وملائم لأجواء القصة وأحداثها التي جاءت مثيرة وجاذبة.

كما تكمن أهمية هذه القصة في أن الكتابة في مجال “قصص المقاومة” قليلة بل تكاد تكون نادرة، ورغم أن القصة تدور أحداثها في سيناء، إلا أنك تشعر وكأنها تدور على أرض فلسطين، وهذا راجع -في ظني- لأن العدو واحد، وهو العدو الإسرائيلي.. ومن ثم تستحق هذه القصة الفوز بجائزة فلسطين الدولية لأدب الطفل في دورتها الأولى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

★ شاعر وكاتب مسرحي ــ مصــر 

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى