إذاعة وتليفزيونمشاركات شبابية

طارق هاني: كيف تتخطى الدراما العُمانية حواجزها؟

طارق هاني★

ظلّ ملف تحديات الدراما العُمانية (التلفزيونية) عالقاً لزمن طويل، على جدر الآمال، إذ ما يشق بريق التحديات سبيلاً إلى الأفول، حتى يشع مجدداً على ساحة الصحافة المحلية، والرأي العام، بين آن وآخر، متزامناً مع حالة، أو موقف، يعزى أسبابه إلى تحديات الدراما العُمانية مع نفسها من جهة، ومع الفنان العُماني (محترف كان أم هاوٍ) من جهة أخرى.

طالما بُحثت أشتات الدراما العُمانية، خلال الندوات، واللقاءات المتلفزة، والمقالات الصحافية، ونوقشت من مناحٍ شتى، وخرجت بتوصيات، ومناشدات، ومقترحات، من قبل روّاد الدراما العُمانية، والشباب المشتغلين بها، والمتذوقين لها، وعامّة المتابعين، لكننا نزعم أن جهوداً من تلك لم تثمر – حتى يومنا – في إيجاد توصيف دقيق، يحيلنا مباشرةً إلى مكامن الخلل الحقيقية، وهذا من الأهمية بحيث يمهد التعاطي مع تلك التحديات على نحو واقعيّ وعمليّ.

هذا إن افترضنا الاعتراف بوجود الخلل أصلاً، وهو وإن كان (أعني: التوصيف المنشود) من أسمى، وأسنى المطالب، إلا أنه لا يلغي، ولا يحيّد بحال، ما دونه من الجهود الجليلة، التي أشرنا إلى طيف منها، والمحاولات المشكورة في سبيل تشخيص أحوال الدراما العُمانية، ولكن ذلك وحده لا يكفي، والميدانُ خير برهان.

هذا الملف يعبر عنه أحياناً بالتحديات (تحديات الدراما)، وأحياناً بالتطوير (تطوير الدراما)، وكما لا يخفى، فإن معالجة الأول شرط لحصول الثاني، أو أن وجود الأول سبب لتعذر الثاني، فلا بد من بحث الأول، قبلاً، والنتيجة التي لا مناص منها، هي أن الدراما العُمانية، تشهد تراجعاً ، وتقهقراً واضحاً كما سنوضح لاحقاً.

وإن ما يعيق تطور الدراما العُمانية وإنضاجها، مرتبط بالتحديات التي تمر بها هذه الصناعة – محليّاً -، مالية كانت، أو إدارية، أو حتى تقنية، وفنية إبداعية، هذا إن كانت تمثل (أي الدراما) صناعة بالمعنى الدقيق للكلمة في عُمان، في ظل ظروف الصناعة، ومقوماتها الراهنة.

لماذا حكمنا على الدراما العُمانية بالتراجع، وهل هي متراجعة حقاً؟

لا بد أن نشير أولاً، إلى أن قواعد صناعة الدراما التلفزيونية في عالم اليوم اختلفت عنها قبل عشر سنوات، فضلاً عما  قبل ذلك، والوقت الذي كانت فيه دول الخليج تتهادى مسلسلاتها، وتشترك في إنتاج بعضها عبر مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك، قد انقضى – على ما يبدو – وصنّاع الدراما اليوم يضعون في اعتبارهم ذوق المشاهد، واتجاهاته، ومتطلباته التي تتباين، بتغير العصور، والدهور، والمثاقفة، بالإضافة إلى الربح المترتب على الإنتاج، لأن المسألة ذات بعد تجاري أيضاً، قائم على إنتاج، وربح، والمحطات الفضائية (الخاصة) قاطبة تسير على هذا الاتجاه، وليس الأمر من الخفاء بحيث نجهله.

إن المثاقفة التي حدثت على صعيد الأدب والفكر والفنّ إجمالاً، لم تستثنِ الدراما التلفزيونية باعتبارها صيغة من صيغ التعبير، والثقافة أيضاً، والخيارات الهائلة التي أتيحت للمستهلك أو المشاهد العماني، باتت كثيرةً جداً، والحياة الرقمية، والمواقع الالكترونية، أحدثت طفرةً لم تعهد من قبل في هذا الصدد، سهلت له الولوج إلى الدراما، ليس في الوطن العربي، بل في العالم كله.

كيف للدراما العُمانية أن تتخطى حواجزها، وتسجل حضوراً خاصاً بين هذا الكم الهائل من الأعمال؟ أو كيف لها أن تستقطب جمهورها الخاص المنفتح على العالم، بأذواقه المتباينة؟ ثم هل هي تتغيا ذلك، وتؤمن به؟ لا أملك الإجابة.

في المحصلة، المشاهد العُماني بات مثقفاً درامياً، ومنفتحاً على الصناعة الدرامية العربية والعالمية، الدراما المصرية والسورية، والدراما الخليجية، من باب أولى، ثم الدراما الأمريكية، والدراما الأوروبية، والدراما التركية، والدراما الهندية، والدراما الكورية، والدراما الروسية، والدراما الإسبانية، والدراما المكسيكية، وإلخ.. هذا التنوع الباذخ في المنتجات الدرامية له جمهوره، ومنافذه التسويقية قطعاً، ومن بينهم الجمهور العُماني والعربي، ولو لم تجد هذه الأعمال طريقاً إلى المشاهدين، لما أنتجت أصلاً، غير أن الغرابة تكمن في سياسة من ينتج أعمالاً لا تراعي ذائقة الجمهور.

أدرك القائمون على الدراما الخليجية منذ خمس سنوات تقريباً، أن صناعتهم (المتواضعة فنياً آنذاك) باتت مهددة – مصيرياً – أمام هذا الزخم الهائل، والسيل الجارف من الأعمال المتنوعة، والتهديد الذي تُشَكِّلُه على صناعتهم، فاضطرتهم إلى بحث آفاق جديدة، وطرق أبواب جديدة، واستحداث معايير وآليات جديدة، لتجويد المنتج الدرامي، شكلاً أحياناً، أو شكلاً وموضوعاً ، كما تجلّى بشكل واضحٍ بالنسبة إليّ على الأقل في مسلسلات من قبيل: “كحل أسود قلب أبيض، لا موسيقى في الأحمدي، إقبال يوم أقبلت، وغيرها…”، سيرا وراء الركب، وهذا يجب أن ينطبق بالضرورة على الدراما العُمانية، التي ربما لم تساير الدراما الخليجية حتى الآن، مع ما لتلك من تحديات أخرى، وهي الأقرب لها جغرافياً واجتماعياً ونفسياً، وقد بدأت بعض الشركات الكويتية والسعودية، والمصرية، فعلياً بالتعاقد مع كبرى منصّات الأفلام والبرامج حول العالم، في محاولة للّحاق بالركب العالمي.

أين الدراما العُمانية من كل هذه التحولات؟ وأين هي من خريطة الإنتاج الدرامي الخليجي؟

أظن أن هذا السؤال يضعنا أمام حقيقة أخرى، مفادها أن الدراما العمانية عاجزة عن مواكبة نظيراتها في الخليج، وعن إشباع طموحات المشاهد العماني وغيره، وبالتالي: فإن ذلك يستدعي بالضرورة تطويرها ، لكن ليس قبل أن نعترف بوجود التحديات، التي تستدعي بحثها أولاً، وحلحلتها عملياً، وأوجزها في ثلاث نقاط:

1- غياب التأهيل

2- غياب الفرص

3- غياب التسويق

وبيان ذلك فيما يلي، ولن أتطرق للمسائل المالية، والإدارية المرتبطة بقطاع الإنتاج الدرامي في وزارة الإعلام، لأني لست على إلمامٍ بها، وأنا على كل حال أتكلم بتجرد تام عن الأشخاص، والمؤسسات، وأناقش الدراما كصناعة، وواقع إبداعي.

أما غياب التأهيل، فلأزمة قلة، أو غياب الخبرة، وهذه بدورها تؤدي إلى ضعف، وربما هشاشة تعتري العاملين في هذا القطاع، وأرجو أن لا يساء فهمي؛ فالسواد الأعظم من العاملين في الدراما العُمانية خلف وأمام الكواليس، لم يحظًوا بتأهيلٍ أكاديمي من ناحية، ومن ناحية أخرى لم تتوفر لهم الفرص الكافية التي من شأنها صقل مواهبهم، ونحتها، وهذا الخيار الممكن بحكم الواقع، غير متأتٍ أيضاً، عدا أنهم منشغلون في وظائف وأعمال خاصة، وربما دراسة جامعية، أو ثانوية، ومنهمكون في لجج الحياة، وصعابها، ويكابدون، ويعملون فوق ذلك، بأجور زهيدة جداً، وتأهيل شبه معدوم ، كل ذلك في سبيل حبهم لهذا المجال، ولم يسلموا رغم ذلك من سهام النقد الجائر، والأستاذية الجوفاء التي تمارس ضدّهم، وكل هذه العوامل وغيرها… ليست كفيلة بصناعة فنان محترف، وبالتالي عمل جيّد أو احترافي، وما دام العجز في صناعة الفنان قائماً، فمن باب أولى أن العجز في صناعة الفن الذي يناط به ، سيبقى شعاراً للمرحلة ، لا بد أن نعترف بذلك، وهذا ليس انتقاصاً من الشباب، وغير الشباب الذين يجتهدون بإمكانياتهم المحدودة، ولكن منطق الحياة عموماً، والفن خصوصاً، يستدعيان إما التأهيل الأكاديمي، وإما التأهيل العملي (بالتجربة)، وكلاهما غير متاح، وإن كان الثاني يتاح أحياناً، لشريحة ضيقة، وعلى نطاقات ضيقة جداً جداً جداَ، إذن فمن أين يأتي المحترفون، والمبدعون؟ وهذا يجري على جُل الممثلين، وكتّاب النصوص، والمخرجين حتى، وغيرهم… إلا من شذّت به القاعدة، وحظي إما ببعثة في أحد المعاهد المسرحية، أو موهبة خارقة، أو ربما اشتغل فترة من الزمن في دول الخليج، أو ما شاكل ذلك، وهذه تعكس بعضاً من أسباب هجرة المواهب العُمانية إلى الخارج، لأن البيئة الفنية الدرامية المحلية تتقلص بدلاً من أن تتوسّع، وتغيب عنها الحوافز إلى حد الانعدام.

وفيما يتعلق بالفرص، وشحها فهذه نتيجة طبيعية، لأن القطاع الوحيد الذي ينتج الدراما التلفزيونية هو التلفزيون الرسمي، وهو لا يملك العصا السحرية على كل حال، لكنه يملك – في الحد الأدنى – تسيير الحالة العامة، وتأطيرها، فهو يوعز بتنفيذ أعمال الدراما التلفزيونية – حسب درايتي القاصرة – إلى شركات الإنتاج وفقاً لآلية (المنتج المنفذ)، وهذا مؤداه إلى أنه لا توجد جهة سوى التلفزيون الرسمي – منفرداً – تقوم بإنتاج الدراما التلفزيونية في وقتنا الحالي، ما يعني أن إنتاج المسلسلات يعتمد – إلى حد كبير – على التلفزيون الرسمي، وعلى خلاف الحال في دول الخليج الأخرى ، فإن الشركات والمحطات الخاصة تنتج إلى جانب التلفزيونات الرسمية أعمالاً خاصة، ولتعدد القنوات الفضائية لديهم ، فإن ذلك يتيح لهم أفقاً واسعاً لتسويقها، وضمان استرداد رؤوس الأموال مع الربح، سواء كان تسويقاً داخلياً (داخل الدولة) أو خارجياً (في دول أخرى)، وهذا متعذر لدينا، وأنا لم أشاهد – خلال حياتي – عملاً درامياً عُمانياً يعرض على غير التلفزيون الرسمي ما عدا ود الذيب في 2009، وسعيد سعيدة، وهما للمخرج عبدالله بن حيدر، وربما جمعة في مهب الريح للمخرج حسن حافظ، وربما غيرها… قبل ردح من الزمن، وهذا يضعنا على بيّنة من أمرنا فيما يتعلق بالواقع المؤسف لتسويق المسلسل العُماني، مع العلم بأن الدراما العُمانية ليست الوحيدة التي لا تسوّق خليجياً، فحتى حظ الدراما الإماراتية والقطرية والبحرينية (مؤخراً) في التسويق قليل جداً مقارنة بالكويتية والسعودية، وقد تفسّر قلة الانتشار بالافتقار إلى السوق المحلي،  ففي الكويت منفردةً – مثلاً – ما لا يقل عن أربع قنوات فضائية خاصة، تشتري الأعمال الدرامية، وتبثّها، عدا المنصات الإلكترونيّة التي أفسحت مجالاً أوسع بلا شكّ.

ختاماً، الحلول من وجهة نظري في ثلاث نقاط:

أولاً: تمكين شركات الإنتاج، والقنوات الفضائية العُمانية الخاصة، مالياً ولوجستياً، أو دعوة القطاع الخاص للمشاركة في إنشاء قنوات فضائية أخرى، بمواصفات عصرية، تحقق تدوير الأعمال المحلية داخلياً على الأقل، مما يعزز عجلة الإنتاج، ويزيد الفرص أمام العاملين في المجال، وبالتالي إيجاد التنافس وإنضاج التجارب، وإنه ليؤسفني أن يتوقف بثّ قناة مجان!

ثانياً: إنشاء معهد معني بتأهيل المواهب في مجالي الدراما والمسرح، أو ابتعاث مجموعات من الموهوبين في مختلف المجالات الفنية إلى المؤسسات التعليمية الأكاديمية الرائدة في مجالات صناعة الدراما حول العالم، (بصفة دورية) وهذا مرتبط بالأول إذا لا جدوى من تخريج الأفواج، دون إيجاد فرص للعمل.

ثالثاُ: إعداد سياسة تسويقية متكاملة للعمل الدرامي العُماني، مع التلفزيونات الرسمية الخليجية، وحتى الخاصة، وبحث اشتراط ذلك خلال شراء الأعمال التي ينتجونها، أو الاستعانة بالأسماء اللامعة والمسوّقة لديهم، أو عبر أية صيغ توافقية تقتضيها المصلحة المشتركة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

★ كاتب ــ سلطنة عمان

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى