إذاعة وتليفزيون

شهد إبراهيم: ” عمر أفندي” زمانٌ مضى وحاضر معقدٌ!.

شهد إبراهيم ★

خطفت الحلقات الأولى من مسلسل “عمر أفندي” إقبالاً جماهيرياً كبيراً، فور انطلاقه على شاشة قنوات أون، بالتزامن مع عرضه على منصة شاهد الرقمية، والمسلسل خيال علمي، تدور أحداثه في إطار الخمس عشرة حلقة، وقد أثار المسلسل اهتمام المشاهدين بأحداثه المتلاحقة، وخاصة أنه ينتمي للدراما القصيرة المحببة لنسبة كبيرة من المشاهدين.

تغييرات زمنية

جذب المسلسل انتباه المشاهدين من خلال البوستر الدعائي للعمل؛ حيث كان يعكس بشكل مميز سمات العمل الفني من خلال توظيف ذكي للعناصر البصرية،

اِبتداءً من العنوان، حيث ظهر باللون الأصفر البارز، مما يشير إلى ارتباط القصة بالتاريخ القديم، وخاصة أن “عمر أفندي” هو رمز تجاري مصري قديم، وخلفية مظلمة تحتوي على ساعة ضخمة تلمح إلى وجود عنصر زمني مهم في الأحداث، بالإضافة إلى استخدام الألوان الدافئة مثل الذهبي والأصفر يعزز الإحساس بالفخامة والحنين، ويتوسط الشخصيات أحمد فهمي، مرتدياً ملابس مقسومة إلى نصفين، مما يعكس تبايناً واضحاً.

ففي الجزء الأيسر يرتدي بليزر أنيق وكلاسيكي ممسكًا في يده طربوشاً قديماً، بينما في النصف الأيمن يبدو أكثر ارتياحاً في الملابس وغير رسمي، مما جعلنا في بداية الأمر نتساءل هل يعيش البطل حياتين مختلفتين؟! ولكن من ثغرات البوستر هو توسطه وقسمة باقي الشخصيات على جانبيه بطريقة غير موفقه؛ فكان من الأفضل وجود وضع الشخصيات التي تنتمي للحاضر ، أو تعكس فترة زمنية محددة في جانب واحد أحمد حاتم الأيمن، مقابل الشخصيات التي تنتمي إلى الماضي، بالإضافة إلى وجود زوجته على جانب، وحبيبته على الجانب الآخر منه ـ كل منهن على حسب الفترة التي تنتمي لها ـ مما يساهم هذا في تعزيز قسمة ملابس أحمد حاتم، بشكل أفضل، ويوضح الفجوة، أو التغيرات الزمنية، بالإضافة إلى أنه أكثر راحة للعين.

فيلم البوسطجي حاضراً

تدور الأحداث حول “علي” الذي يعثر على سرداب سري يعود به إلى زمن بعيد، يكتشف من خلاله ماضٍ لا يعلم عنه شيئاً، ويدفعه فضوله للعيش في حياة مزدوجة في زمانين مختلفين، ونجد “علي” ويجسد شخصيته أحمد حاتم، وهو في نفس الوقت “عمر” في الأربعينيات الذي تسلل عبر سرداب الزمن؛ ليعيش في هذا الزمن رافضاً واقعه الراهن الذي أتى منه، وقد تألق أحمد حاتم، بشكل كبيرٍ، ولافت للأنظار، وكان اختياره للدور موفقاً؛ نظراً لأن كلاً من شخصيات “عمر” و “علي” شخصيات تحتاج لأشخاص خفيفة، وسلسة في الأداء، وعلى الرغم من تألقه إلا أنه لم يكن ليلمع العمل، ويظهر بشكل مؤثر بين الجماهير لولا الهارموني الموجود بين احمد حاتم، وكلٍ من آية سماحة، “زينات” و مصطفى أبو سريع “دياسطي” فقد لمعت آية سماحة، وتألقت بشكل تلقائي، وملفت للأنظار؛ حيث إنها أتقنت دورها، وقدمته بطريقة عفوية وخفيفة، وكذلك مصطفى أبو سريع، فقد قدم دوره على أكمل وجه، وهو بوسطجي؛ يقوم بتوصيل الجوابات؛ ولكنه يقوم بفتحهها قبل توصيلها، وقد كان مصطفى أبو سريع، متألقاً على المستوى اللفظي والحركي، حيث كانت طريقة حديثه هادئة، و كل كلمة يقولها بأداء تبدو وكأنها موزونة وفي موضعها الصحيح، حتى في مشيته كان يسير بخطوات هادئة ومتزنة، كل هذه الدقة والتركيز في التفاصيل بدت لنا وكأنها تلقائية منه دون مبالغة، مما يجعلك تشعر أنه ينتمي إلى هذا الزمن القديم، ونجد أن مرجع المؤلف لهذه الشخصية هو شكري سرحان، في فيلم “البوسطجي” فنشاهد في أحد المشاهد مصطفى أبو سريع، وهو يفتح الخطابات بنفس طريقة بخار الماء المنبعث من البراد الساخن، وهو نفسه مشهد شكري سرحان، في الفيلم.

ثغرات

المفاجأة في المسلسل عدم تناسق النص فهو يحمل بعض الثغرات، ولعلها تكون لها مبررات؛ ولكنها لم تكن واضحة، فمثلاً عند عودة احمد حاتم، للأربعينيات لتغيير حدث معين، فإنه عند الرجوع للجرائد يجد بها هذا التغيير مكتوباً، لعل المقصود أن جرائد مكتوبة هكذا فيما مضى وأن التاريخ لا يمكن أن يغيره أحد سواء عمر، أو والده تهامي، وغيرها من الثغرات الصغيرة؛ ولكننا نتغاضى عن النظر إلى الإخراج، وكادرات التصوير، فجميع كادرات المخرج رُسمت بعناية وتركيز، اِستطاع أن يرسم بها لوحات فنية مريحة للعين، ومرضية لنا، معزز ذلك بزوايا التصوير المميزة، والمتنوعة بين البعيدة لكي يجعلنا نرى تفاصيل البانسيون، وتفاصيل الشوارع وقتها وهدوءها، وقلة عدد الناس، وأسلوب حياتهم البسيط، بالإضافة إلى الزوايا المتوسطة التي غلبت في بعض المشاهد؛ ليوضح لنا بها لغة الجسد لدى الممثلين، والتباين بين حركات أحمد حاتم، “عمر” السريعة، و حركات شخصيات الزمن القديم الأكثر هدوءاً، كذلك مشاهد زينات وعمر، في الحديقة، أو في الشارع تجعلك تشعر أنك أمام قصة حب في عمل أجنبي، وهذا بفضل كادرات التصوير، والتي ظهرت بقوة في مشهد رقصهما تحت المطر، فقد كانت جميع الكادرات معززة للدراما، وإبراز المشاعر الداخلية للشخصيات، محققاً في ذلك حالة من تعلق المشاهدين بالعمل، ويذكر أنها التجربة الأولى للمخرج عبد الرحمن أبو غزالة، التي وضعته بشكل سريع وسط قائمة الموهوبين.

كوميديا رائعة

نحن جميعاً لدينا رغبة غير مشبعة للعودة لزمن الماضي والحنين له، حيث كانت الحياة أكثر هدوءاً، وبلا تكنولوجيا التي أصبح استخدمها الخطأ يفرقنا وهذا ما ذُكر على لسان أحمد حاتم، في الحلقة الأخيرة، وقد لجأ لها صُنَّاع العمل من أجل تمرير هذه الفكرة، وسهولة الحياة قبل التكنولوجيا، وعصور السرعة، وقدموا هذا بطريقة ساخرة وكوميدية رائعة، وأثروا فينا جميعاً فضلاً عن باقي عناصر العمل من ملابس، وديكور، فقد كان الديكور لأحمد فايز، مميزاً ومختلفاً، وأبرز حالة من الفخامة والرقي لهذا الزمن، كما كانت الموسيقى رائعة، وموظفة بشكل مميز ذات طابع أجنبي هادئ، خاصة فكرة جلب أغنية من المستقبل لحسام حسني، وتقديمها في هذا الزمن، ورقص المتفرجين عليها يعبر عن أننا تأخرنا بشكل ما في نقلات الموسيقى، وأن الناس من الأربعينيات وهي تبحث عن موسيقى إيقاعها سريع، بكلمات لها معنى، وليست الكلمات الهابطة كأغنية “يا قمر” فالكلمات ليس لها معنى، وقد قدم أحمد حاتم، ومصطفى أبو سريع، فاصلاً من السخرية على ذلك.

كيف قدمت الشخوص؟

وقد قدمت رانيا يوسف، “دلال” دوراً جديداً ومختلفاً، وأجادته بشكل واضح، وكانت مميزة، كما كان لمحمد رضوان “شلهوب” وجود مميز وبارع ومتألق، وفي حقيقة الأمر لم يسبق لنا وشاهدنا محمد رضوان، في دور بنصف مجهود فإنه دائماً يتقن الأدوار الخاصة به، ويقدمها على أكمل وجه، وكان أيضاً محمود حافظ، صاحب أداء مميز على الرغم من أنه لم يقدم جديداً، كذلك محمد عبد العظيم، “لمعي” الذي كان لوجود شخصيته جانب كوميدي وتأثير مميز إلا أنه لم يقدم جديداً في تقديمها.

وفي أغلب الأحيان لا نلتفت إلى الأدوار الثانوية بسبب عدم تطرق مقدميها لتقديمها بشكل مؤثر للمشاهد، إلا أنه كان لوجود محسن صبري،”تهامي” وجوداً متألقاً وأداءً رائعاً، كذلك ميمي جمال، التي كان لظهورها حالة كوميدية خاصة ومميزة، كذلك الموهبة الشابة أمير عبد الواحد، “حجازي” الذي على الرغم من صغر مساحة عمله إلا أنه استطاع أن يظهر بين كل هؤلاء بأدائه البسيط.

يعتمد المسلسل على كوميديا الموقف النابعة من توظيف المشاهد في إطار الاسكتشات الساخرة؛ لتعزيز الموقف، ومن المتوقع وجود أخطاء في الأعمال المرتبطة بأزمنة قديمة من حيث التفاصيل الخاصة بالملابس، أو الحوار، أو بعض أداء الشخصيات التقليدي والضعيف خاصة الشخصيات التي تمثل الحاضر، إلا أن المشاهدين من أجل الاستمتاع بأحداث الماضي والزمن القديم تغاضوا عن هذه الأخطاء، فجميع صُنَّاع العمل أبدعوا؛ ليظهروا هذا العمل المميز، ونجخوا في إبداعهم.

عمر أفندي

إخراج عبد الرحمن أبو غزالة، تأليف مصطفى حمدي، وبطولة أحمد حاتم، آية سماحة، رانيا يوسف، محمد رضوان، مصطفى أبو سريع، محمود حافظ، ومجموعة من الفنانين.


★ طالبة بقسم الدراما والنقد المسرحي ـ جامعة عين شمس ـ مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى