شيماء مصطفى: ” صمت” قدرنا أم اختيارنا؟!
شيماء مصطفى ★
الولوج إلى المتلقي من الجانب الإنساني يؤتي ثمره معظم الوقت ، لكنه في أحيانا أخرى يحتاج إلى المخرج المتمرس لا ليقحم المتلقي في العرض حين يكسر الجدار الرابع بينهما بجعله جزءًا من العرض ذاته وحسب، ولكن حين يوظف السينوغرافيا لخدمة نصه، وقد بدا ذلك بشكل جلي في عرض ” صمت ” إخراج سليمان البسام بأداء وتمثيل وغناء حلا عمران. موسيقى (بزق- كونترباص) لعبد قبيسي، وإيقاع بركشن لعلي حوت.
يدور العرض حول الصمت الذي خيم على المشهد السياسي العالمي جراء ما يتم من أحداث لاسيما بعد انفجار مرفأ بيروت ووقوع ضحايا لا ذنب لهم بعدما خيم العنف على المشهد، وقد عبر البسام عن ذلك بكلماته التي استهل بها العرض حين أخبر المتلقي بأن العرض لا يكتمل إلا به.
” لا تكتمل كتابة الصمت إلا بوجودكم”
وفي الخلفية صوت خفيض لحلا عمران تدندن بكلمات عربية غير واضحة، وفي الخلفية الثانية العازفان حوت على اليمين والقبيسي على اليسار، وكانت الخلفية الأكبر تتضمن تلك الشاشة التي عرضت ما كُتب وما قيل بصوت لخبراء متفجرات تارة وبصوت ناجين أو أهالي شهداء المرفأ تارة أخرى بطريقة توثيقية ذكرتني بتتر نهاية مسلسل الداعية حين تدخلت هتافات وتكبيرات الثوار في يناير مع موسيقى عمر خيرت ،وبتكوين بدا هرميًا.
البسام تعلوه بقليل حلا عمران ، ويعلوها القبيسي وحوت بموسيقاهما، فبدا موحيًّا بأن المشهد السياسي يمكن للفن أن يجد حلًا ومنفسًا له، ولبيان الفرق بينهما لاسيما بعدما عجز الساسة حتى بعد مرور أربع سنوات عن الوصول للمتسببين في الانفجار الذي صنف كواحد من أقوى 10 انفجارات في العالم، وتسبب في تدمير نصف بيروت.
أما حلا عمران فقد أعلنت منذ بداية العرض عن رفضها للصمت الإنساني بشكل فني حين ألقت جميع الميكروفونات التي أمامها مستخدمة ميكروفونًا واحدًا فحسب، سواءً في الغناء أو السرد واجترار الأحداث والذكريات للدلالة
بدأ العرض وفقًا للساعة التي وضعت ضمن ديكور العرض في السادسة إلا خمسة تقريبًا في رمزية مباشرة إلا اللحظات الأخيرة التي سبقت الانفجار، وانتهى وفقًا للساعة ذاتها في السادسة وخمس دقائق، أما عن ذروة الانفجار ذاته فقد تم التعبير عنها حين التهم الدخان المتصاعد بطلة العرض حلا عمران.
وعن المتلقي فقد تم إقحامه في العرض ثلاث مرات أولها حين دعاه المخرج البسام في بداية العرض لاستخدام الكراسي الموضوعة على يمين ويسار خشبة المسرح ، ومرة حين تفاعل مع حلا عمران بمحاكاة حركتها باحتكاك الوسطى بالإبهام مصدرين صوتّا امتزج بصوت موسيقى حوت والقبيسي، وثالثة حين شاركها المتلقي الغناء مرددًا خلفها أحيانًا ومعها أحيانًا أخرى كلمات سميح القاسم وألحان مارسيل خليفة :” منتصب القامة أمشي، مرفوع الهامة أمشي، في كفي قصفة زيتون، وعلى كتفي نعشي، …”
حمل العرض بين ثناياه نقدًا لاذعًا وسخرية مغلفة بالتعجب والاستنكار من الوضع العربي على المستويين الثقافي والسياسي من خلال السرد والغناء وفستان البطلة الذي صمم بشكل كولاجي من عدة أقمشة بأرضية سوداء وورد مزركشة بإحياء ربما يعود إلى أكذوبة الربيع العربي المزعومة.
لم يكن فقط الكولاج في فستان حلا هو الشيء الوحيد الذي تم كولجته، فهناك مزج آخر في الموسيقى الشرقية والغربية، وتلون الأداء نفسه لحلا ، حتى في لحظة تمردها الثانية والتي تمثلت في خلع القطعة السوداء التي علت الفستان ثم فك رابطة الشعر لتحريره، وخلع الحذاء عمدًا.
وظهر التمرد أيضًا في النقد والسخرية المباشرة للمجتمع الذي لا يعارض بث الكراهية في الجهر والعلن، ولا يدين العنف وفوضويته، بينما يترصد بشدة للمشاهد الحميمية وللمحبة.
« أنا أحب لا أنكر».
وعن الإضاءة فكانت جزء لا يتجزأ من العرض في سميائيته وعزز من تأثيرها استخدام الساعة أيضًا كجزء منها.
العرض في مجمله جيد وجريء في طرحه ، لكننا وددنا لو اقتصر الكولاج فيه على ملابس البطلة دون الاكتظاظ بالألوان الغنائية فرغم تنقل البطلة بينهما ببراعة وسلاسة إلى أن تسارع السرد والانتقال بين هنا وهناك بشكل متسارع يشتت بعض الشيء، وربما يعود هذا كون العمل يتناول وفقًا للساعة المتواجدة ضمن العرض، وبالتحديد للدقائق التي سبقت انفجار المرفأ وتلته، ولربما أيضًا للتأكيد على دعوة العالم لنبذ العنف والتمرد على الصمت فهي ليست مهمة الشعوب فقط، بل للفن دور أيضًا.
★ سكرتيـرة التحـرير.