سينما

شهد إبراهيم: كيف أصبح ” 200 متر” حابساً للأنفاس؟

شهد إبراهيم ★

تشكل السينما واحدة من أدوات القوة الناعمة؛ التي يجب أن تستخدمها الشعوب في تقديم أفكارها، وحشد التأييد حولها، وفي حالة القضية الفلسطينينة المرتبطة بضرورة الوعي الأخلاقي للأفراد، وفي الفترة الأخيرة سعى كل فنان بطريقته الخاصة لتحقيق ذلك، ومن بين جميع التجارب دعونا ننظر إلى فيلم (200 متر)، الذي صدر عام 2020، وهو فيلم روائي طويل من إخراج أمين نايفة، بطولة علي سليمان، لنا زريق، سامية البكري، غسان عباس، نبيل الراعي، معتز ملحيس، ومجموعة من الفنانين.

تدورالأحداث حول عائلة يفصل أفرادها الجدارالعازل الصهيوني، الذي يدعوه معظم أهالي فلسطين “جدار الفصل العنصري” ؛ حيث إن الأب يسكن الجزء الفلسطيني، بينما الأم وأبناؤها الثلاثة يسكنون الجزء المحتل من الكيان الصهيوني، وقد تألق علي سليمان، في تجسيد شخصية “مصطفى”، حيث استطاع التعبير عن عجز الأب الفلسطيني المكبل بكل هذه الإجراءات الصارمة من قِبَل الاحتلال، وظهر ذلك في مشاهد آلام الظهر؛ الذي شعرنا بها تتصاعد مع تصاعد الأحداث، بالإضافة للحظات الصمت؛ الذي كان يعبر خلالها عن ثقل أحلامه في لحظات الاِنتظار؛ الذي كان يمر بها وتلاحقه، أما لنا زريق، فقد لعبت دور الأم المكافحة؛ التي تتحمل أكثر مما تتحمله أي أم، فهي تعيش منفصلة عن زوجها، ومرغمة على ذلك، بالإضافة إلى العمل بشكل يومي لدفع تكاليف البيتين، لأن الزوج يعاني من ألم في ظهره يحتاج جسمه للراحة؛ وإلا سيخسر صحته للأبد، وقد قدمت (لنا) كل هذا بشكل واقعي، وأسلوب يشعرنا كما لو أننا من نعاني، وليست هي.

كيف قدَّم أمين نايفة، القضية الفلسطينية

وقد قدَّم المخرج فكرة القضية الفلسطينية بصورة غير تقليدية، حيث إنه لم يتطرق لممارسات الاحتلال الصهيوني، أو يغرق في الميلودراما السائدة عن القضية، فقد تجاهل كل تلك التفاصيل السياسية نظراً لمعرفة الناس بها منذ زمن طويل يمتد لقرن وقرابة ثلاثة عقود ، فهي الإطار الذي يعيشه الفلسطينيون بشكل يومي، فقط استطاع أمين نايفة،الخروج من كل القصص المكررة كي لا يسقط فيلمه في فخ التكرار، ومع تصاعد الأحداث نجد الفيلم يتحول لشكل سردي، لنجد علي سليمان، “مصطفى” يوضح للمشاهد علاقته بالجيل الأصغر؛ لفهم فكرة “الأرض” ، و”القضية الفلسطينية”

وتتصاعد الأحداث في الفيلم بعد ورود خبر تعرُّضِ ابن مصطفى “الأب” لحادث سير في أحد الأيام، ودخوله المستشفى، الذي لا يبعد سوى 200 متر عن مقر إقامة الأب، ولكنه يتعذر عليه ذلك بسبب إجراءات الدخول المعقدة؛ التي يفرضها الاحتلال الصهيوني، مما يجعله يُضطر للجوء لطرائق غير شرعية متوفرة هناك؛ حيث التكلفة المالية، وهذه القصة تعتبر نموذجاً عن أُسَر كل الفلسطينيين؛ الذين يعانون التقاط النَفَس اليومي في عيشهم هناك، وفوق كل ذلك يأتي الجدار؛ ليفصل بينهم، ويمنعهم من الاتصال، فبهذه الطريقة استطاع المخرج أن يجبرنا على التورط عاطفياً مع شخصيات الفيلم، إلى جانب إيقاع الأحداث السريع لحدوث حالة من الإثارة، وجذب انتباه، وشدِّ أعصاب المُشاهد.

كما نرى في الفيلم حضوراً لطبيعة الأرض الفلسطينية، من بساتين وتلال على جانبي الطريق، ونجدها تجف بالقرب من مشاهد الجدار، يذكرنا ذلك بمقولة صلاح عبد الصبور، “كيف ترعرع في وادينا الطيب؛ هذا القدر من السفلة والأوغاد؟ ” يُذَكِّرُنا هذا بما يحدث الآن في فلسطين، ويُذْكَرُ أنه تم تصويرأحداث الفيلم في محافظة طولكوم، وجنين، ورام الله.

وعن الملابس فقد كانت مناسبة لكل شخصيات العمل غير مهندمة، ولا متناسقة الألوان؛ نظراً لعدم تفرغهم لذلك؛ لمعانتهم بشكل مستمر طوال الوقت، وكانت أيضاً الإضاءة طبيعية على ضوء الشمس بعض الأوقات، وأغلبها خافتة في مشاهد التصوير الداخلي، ظهر ذلك في مشهد الأب، وهو يضيء المصباح، ويطفئه في بيته بالتزامن مع نفس الفعل لأبنائه في البيت من الطرف الآخر، يومياً قبل النوم، وذلك عبر الجوال، وتلك تعتبر رسالة عن إصرار الفلسطيني دائماً على العيش كأسرة متكاملة، على الرغم من كل الظروف القاهرة؛ التي تواجه الجميع.

من ناحية التصوير كان مناسباً جداً؛ لإيصال الحالة الدرامية للمُشاهد، فنجد الكاميرا تتحرك بكثرة، وبشكل متوتر، ومهتز في المشاهد؛ التي يظهر فيها عناصر من جيل الاحتلال، كما لو أن الكاميرا خائفة ليصل للمتفرج هذا الشعور، فجاء العمل متكامل الأركان من لغة سينمائية، وسينوغرفيا (ديكور، وموسيقى، وإضاءة، وملابس،…).

إننا كما نرى العالم مغمضاً عينيه، ووظيفتنا أن نرفع صوتنا ونقول هذا ما يحدث، وقد استطاع المخرج تقديم ذلك في عمل متكامل الأركان متهرب به من التنميط والتكرار، وكما نعلم أن القضية لا تزال عالقة، فقد تكون إعادة قراءة أفلام؛ تتناول قضايا الشعب الفلسطيني شديدة الأهمية في أيامنا هذه بالذات؛ حتى ولو سيكون المتأثر منها فرد واحد.


★ طالبة بقسم الدراما والنقد المسرحي ـ جامعة عين شمس ـ مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى